| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عباس داخل حسن

altnoor62@gmail.com  

 

 

 

                                                                                       الجمعة 16/12/ 2011

     

المشهد العراقي - عقلية الحزب والطائفة

عباس داخل حسن  
altnoor62@gmail.com  

منذ عام 1991 بدأت مرحلة مفصلية في حياة العراق ، اي بعد الانتفاضة الشعبانية التي جاءت بعد دخول قوات التحالف الى الكويت وتحريره من قوات صدام التي ساقت البلد برمته الى هاوية سحيقة لن يخرج العراق منها ليومنا هذا ، ونتيجة هذا التدخل الدولي اتاح للعراقين والجيش الذي زج في معركة خاسرة سلفا ان يشعل انتفاضة لا تقل عن ثورات الربيع العربي كما يطلق عليها الان والتي جاء الاعتذار الامريكي عن قمعها وفشلها متأخرا .

وغيرت المشهد العراقي برمته ، ونفس الاعتبارات الطائفية والعرقية التي نعاني منها الان قمعت الانتفاضة بتواطيء اقليمي ودولي لحسابات معروفة ستكشف يوما ما بادلتها الدامغة ، ومقاسات لا يمكن تجاوزها للمنطقة او دول الاقليم . فليس من السهل على ممالك قمعية مجاورة ان تسمح بنشوء ديمقراطية على حدودها وتستسلم لسواد عيون العراق ، فبدأ العزف على الوتر الطائفي وبدأ الاستقطاب الاقليمي يجهز اجندته من خلال ما يعرف بالمعارضة العراقية التي كانت مسترخية وخاملة تماما قبل الانتفاضة الشعبانية التي لم تكن على الاطلاق منظمة او تنطوي تحت اي ايدلوجيا او حزب او طائفة بعينها الا ان جغرافيا الحرب اتاحت لبعض المدن ان تستثمرها لتنتفض فحين بقيت المدن الاخرى تحت قبضة النظام وتعذر ان نشاهد معارضة جلية او خروج شعبي على النظام.

ومثلما اندلعت الانتفاضة الشعبية نتيجة لتدخل خارجي اتاح للشعب ان يعبر عن نفسه واستغلال ظرف مواتي ظنا منه بالخلاص من الديكتاتورية المقيتة التي حكمت العراق منذ الازل بتفاوت في درجات قسوتها . استغل من كان يعارض النظام في الخارج نفس الظروف وبدأ يستغل الظرف والجمع الذي لجأ الى دول الجوار ويستقطب الكثير من رجاله واستمالتهم اما بالمال او الوعود باعادة توطينهم من خلال اللجوء . وتقاطعت الاجندات السياسية لان خلفيات ما يسمى بالمعارضة عام 1991 لم تكن ناضجة او فعالة على الاطلاق بل كانت ارتباطات اقليمية جيرها بعض المعارضين لاستراحة او مناطق امان لهم وهي لا تخلو من الاملاءات والتدخلات . اما رجال الانتفاضة فكانوا يشعرون ببعض الحيف نتيجة استغلالهم في المحافل الدولية وتجاهل تضحياتهم وادعاء بعض الجهات بانهم من قادوا تلك الانتفاضة او خططوا لها ومثلما نشهد من مناكفات سياسية بعد سقوط بغداد وفساد مالي وطائفية ومحاصصة ليومنا هذا ، هذه حالة متجذرة منذ مؤتمر بيروت والذي حضره الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وانسحب منه قبل ان يجف حبر البيان الهزيل انذاك . وتوالت المؤتمرات دون اتفاق حتى مؤتمر اربيل ابان وقوع الغزو في 2003 وباعتراف من اشتركوا به انهم رضخوا للامر الواقع سواء وافقوا ام لم يوافقوا على دخول الامريكان  .

وكثير ممن يتصدرون العملية السياسية اليوم يعرفون استحالة بناء عملية سياسية في العراق في ظل المحاصصة الطائفية التي كانت سائدة ايام المعارضة وعقلية الثأر والتعالي وعد سنين الخروج على النظام بانها خدمة لابد ان يتقاضوا عليها امتيازات وحصص اضافية وكأن الاجيال التي خلقت طلية عقود وعانت ما عانت من اضطهاد وحصار غير مسبوق .

ومثلما استغل ساسة العراق الحاليين شتى الوسائل من اجل تمسكهم بالسلطة واستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وباثر رجعي (تفكير المعارضة) فلا يجوز ان تكون معارضة وحكومة في آن واحد ، هذه ازدواجية مريرة وعبثية ورياء ، ونتيجة غياب الخطط والبرامج بات كل شيء عبثي وهذه حالة لا تستقيم في السياسة وادارة البلد على الاطلاق .

خلال عام 1991 عملت الكثير من المقابلات الصحفية نشر بعضها في مجلة اليمامة السعودية آنذاك مع من يتربعوا في وزارة او مجلس نواب او على كرسي مسؤولية في عراق ما بعد الاحتلال 2003 فلم يكن احد منهم يملك برنامج او يمارس انتخابات داخل حزبه او الجهة السياسية التى ينتمي اليها واستمرت الحال ليومنا هذا بعد ان اصبحوا داخل الحكومة والبرلمان اضافة الى الانقسامات الحزبية والتكاثر من بطون الاحزاب ذاتها حتى بلغ عدد الاحزاب 325 حزب وهذا مؤشر لا يبشر بخير طبعا في ظل الحالة الراهنة التي تخلو من المؤسسات الدستورية الفعالة وقانون الاحزاب  .

وهذه حالة شائعة في اغلب دول العالم الثالث والعربي على وجه الخصوص وغابت مؤسسات الدولة لمن يحكم وباتت الاحزاب الحاكمة المتحكم بجميع مفاصل الحياة وسيطرت عليها كإرث اوعقار يتحكمون به ضمن عقلية هذا الحزب او تلك الكتلة السياسية دون رؤية او مشروع وطني يلامس حياة الشعب واحتياجاته واولويات المرحلة الانتقالية من الحزب الحاكم والرجل الاوحد .

اليوم لابد من الاعتراف ان المشهد العراقي بات يحكم بعقلية الحزب او الطائفة او العرق وهذا ما كان يحصل ايام المعارضة للدكتاتورية التي انتهت باحتلال العراق من قبل امريكا 2003 والتي ضربت العمق المؤسساتي والاجتماعي والاقتصادي المتهالك اصلا بعنف وافترست كل شيء دون رحمة وخلقت فوضى عارمة استغلت للاسف من قبل بعض العراقيين في تنفيذ اجندة بعيدة عن الوطن والمواطن كل البعد واسست لنا نظام الكوتا والمحاصصة والطائفة وابتلعنا الطعم الامريكي والاقليمي سواء كنا ندري او لا ندري . واسقطت النخب والاحزاب والاعلام في براثن عميائية وفضاضة فارغة تكشفت عبر السنوات المنصرمة وعجزها في بناء مؤسسات الدولة الحديثة من حيث انتهى الاخرون وليس العودة الى نقطة الصفر او المربع الاول .

لا يجرأ احد اليوم بالاعتراف بالاخطاء للدخول بحوارات ومراجعات لفتح افاق جديدة لتجاوز الماضي بكل اخطائه ودمويته والاعتراف بفشل الممارسات في غياب الادارة والبرامج في كل مفاصل الدولة دون استثناء وتغييب الدستور والقانون كمرجع يحتكم اليه المتخاصمين.

واعتقد ان الاعتراف بالخطأ فضيلة من اجل تصحيح مسار دفع العراقيون تكاليف بشرية ومقدرات اقتصادية باهظة جدا ولا تصدق لفداحتها . واستمرار المشهد بهذه الصورة لم ولن يؤسس لدولة مدنية عمادها المواطنة والمساواة وليس الانتماء الضيق للطائفة او العرق او المنطقة . والانطلاق في عملية البناء بحاجة الى استراتيجية ورؤيا سياسية واضحة وسقف زمني في التنفيذ وتحقيق ازاحة من اجل استشراف المستقبل وتقليل الخسائر في زمن اختلطت فيه الثورات والاجندات وبات المشهد العربي والعراقي يحتاج الى دقة وتأني في اطلاق المعالجات والمقاربات في ظل عدم وضوح التوجهات والمسارات للجماعات والاحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية  .

 

الدستور العراقية 13/12 /2011
 

free web counter