| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الجمعة 9/7/ 2010

 

مناقشة محايدة لعقود النفط العراقية الأخيرة ..
(2)

علي ألأسدي - البصرة  

كنا قد ناقشنا في الجزء الأول القدرات العراقية لانتاج النفط والغاز ، وموقع العراق ين الدول الأكثر غزارة في هاتين المادتين الهامتين للسوق العالمي ، كما أوردنا نبذة عن العقود والشركات النفطية متعددة الجنسية التي فازت بعقود استثمار النفط في مواقع مختلفة من العراق بعد جولتي التراخيص التي أعلن عنها.

لقد وعد وزيرالنفط بجولة تراخيص ثالثة لاستدراج عروض شركات نفطية جديدة في مناطق أخرى من العراق بينها بغداد وديالى والموصل وكركوك ، لكنه صرف النظر عنها أخيرا ، ربما لاقتناعه بأن زيادة انتاج النفط العراقي لما يتجاوزالحصة التي حددتها منظمة الدول المصدرة للنفط للعراق ، قد يؤثر سلبا على أسعار النفط في السوق الدولي ، وقد يربك العلاقات داخل منظمة أوبك.

نحاول أدناه مناقشة العيوب والمآخذ على الاتفاقات المبرمة ، لوضع القارئ اما حقائق قد تكون غابت عنه ، بسبب التشويش المتعمد من قبل وسائل اعلام مدفوعة الأجر من قبل شركات النفط الاجنبية ، المستفيدة من العقود بالصيغ والغموض والسرية التي أبرمت فيها. ولا ندعي القدرة على الولوج إلى كل الحقيقة بسبب التعتيم والسرية التي فرضت على المحادثات بدء من صياغة العقود ، مرورا بحملة استدراج الشركات النفطية وجولات التراخيص ، وأخيرا توزيع حقول النفط العراقية على الشركات النفطية الدولية ووضع ثروتنا النفطية للعشرين عاما القادمة تحت هيمنتها الكاملة.

1- تتراوح أجرة انتاج البرميل بين 1.39 – 5.7 دولارا أمريكيا التي ستستلمها الشركات النفطية عن كل برميل تنجه ، كما أعلن ذلك في وسائل الاعلام على لسان المسؤولين في وزارة النفط ، حيث يبدأ استحقاقها لها بعد أن يتجاوز انتاج الحقل الذي تطوره 10 % عن مستوى انتاجه الحالي. وبنتيجة هذا الاتفاق فسيكون من الطبيعي أن تسعى الشركات لزيادة انتاجها النفطي لمضاعفة عوائد خدماتها ولاسترجاع تكاليف عمليات تطوير الحقل والانتاج بأقصر فترة زمنية ممكنة. واذا سارت الأمور بهذا الاتجاه من قبل الشركات النفطية ، فسيواجه سوق النفط في غضون ستة أو سبعة سنوات كميات من النفط تزيد عن حصة العراق المحددة من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. واذا ما تجاهل العراق حصته وباشر بضخ المزيد من النفط الى السوق العالمية فستكون النتائج كارثية على العراق والدول المصدرة للنفط جميعها ، لأن ذلك سيقود بالتأكيد الى انهيار اسعار النفط والى تناقص موارد الصادرات النفطية. واذا لم تخضع كميات الانتاج لخطة عراقية تراعي هيكلية الحصص الموضوعة والمتفق حولها مع ( أوبك ) فمن المؤكد أن حربا للأسعار ستنشب بين الدول المصدرة للنفط ، وهو ما ترغب وتحث عليه الدول المستهلكة للنفط .

لا نعرف ما هي خطة الوزير بعد أربع أو ست سنوات من الآن حيال سعي الشركات النفطية كلها مرة واحدة لزيادة انتاج النفط لتحقيق زيادة في مواردها الناتجة عن الأجور المقطوعة التي تستلمها من الحكومة العراقية مقابل كل برميل نفط. فليس من المعقول أن تعطل الشركات عملياتها الانتاجية لحين اعادة الاستقرار لاسعار النفط ، وان تظل تنتظر حتى يوعز اليها المسئولون في وزارة النفط بمباشرة الانتاج ، وليس من المعقول أيضا أن يقوم العراق بدفع أجورها عن فترة توقفها عن الانتاج ، وإن كنا لا ننفي ذلك لأننا لا نعرف فحوى العقود النفطية التي ما زالت في طي السرية ، وفيما اذا تضمت بالفعل بنودا تفرض مثل هذه التعهدات أوغيرها.

2 – قرار وزير النفط بعرض كافة الحقول النفطية للاستثمارالأجنبي بما فيها المطورة يعتبر طعنة في الظهر وخطوة إلى الوراء في مجال بناء صناعة النفط الوطنية ، كما تعتبر تراجعا عن مواقف سابقة له تعهد بها علنا بالابقاء على تلك الحقول في أيدي وطنية. فالحقول المتخلى عنها تعد الأضخم عراقيا وعالميا باحتياطياتها النفطية تم تسليمها في ظرف ساعات للشركات الأجنبية النفطية متعددة الجنسية. فحقل مجنون ذي الاحتياطي 12.6 مليار برميل الذي ينتج حاليا حوالي 46 ألف برميل في اليوم ، وحقل الرميلة ذي الاحتياطي البالغ 17.8 والذي ينتج حاليا حوالي مليون برميل نفط تتم ادارة عمليات الانتاج فيهما بأيدي عراقية 100 % برغم شحة الموارد وفقر الدعم والتشجيع الحكومي.

لقد كان على الوزير أن يبقي الحقول الكبرى المطورة تحت ادارتها العراقية الراهنة، وان يعمل ما بوسعه لتكريس امكانيات وزارته المالية وكادرها لتطوير تلك الحقول ، لأنها تشكل وستشكل مستقبلا القاعدة المادية للصناعة النفطية البتروكيماوية العراقية. وكان عليه أن يأخذ بالاعتبار أن العراق يعتمد في دخله اعتمادا كليا على موارد النفط ، فيما تتوقف التنمية الاقتصادية على مدى النمو في صادراتنا منه. لكن الوزير لم يفعل ولم يفكر بذلك أصلا ، لأنه ببساطة غير متحمس لاستراتيجية نفطية تعتمد على القطاع النفطي العام. وباعتقادنا أن الوزير متأثر إلى حد بعيد ، ولا نقول ملتزم إلى حد بعيد بسياسة صندوق النقد الدولي التي تؤكد على ضرورة خصخصة صناعة استخراج النفط العراقية. ونعتقد أنه لهذا السبب تخلى طواعية عن تلك الحقول واحتياطياتها الضخمة للشركات الأجنبية. ولو اتاح للكادرالعراقي التمويل الضروري لتمكن من تطوير الحقلين المذكورين والوصول بانتاجهما الى الحدود التي وعدت الشركات بالوصول اليهما ، ولوفرت على الدولة التكاليف الباهظة التي تتحملها الآن بموجب عقود النفط مع الشركات الأجنبية. إن تطوير الحقلين المذكورين لوحدهما ربما يكون كافيا في الظروف الحالية لتمويل كل من نفقات الدولة والتنمية الاقتصادية ، تمهيدا لتطوير حقول نفطية أخرى وفق نفس الأسلوب الذاتي الممول جزئيا من قروض أجنبية ، أو سندات الخزينة العراقية. فحقل الرميلة لوحده ينتج حاليا بامكاناته المتواضعة تقنيا حوالي المليون برميل ، يمكن مضاعفة انتاجه اذا ما جرى تحديثه على اسس تقنية جديدة ومتطورة. ما قام به الوزير يصعب نسيانه وغفرانه ، لقد كان تسليم الحقلين وغيرها من الحقول المطورة للشركات الأجنبية وكأنه مكافأة منه لخدمة أدوها ، لكنها كانت بالنسبة لنا أشبه بمجزرة بشرية ، أطيح خلالها بأغنى وأثمن وأعز حقولنا النفطية.

3 – تثار تساؤلات كثيرة حول تفاصيل العقود التي لم يكشف عنها وزير النفط لحد اليوم رغم مطالبة منظمات شعبية عراقية ودولية محايدة تعني بعقود النفط ، كمنظمة بلاتفورم البريطانية المستقلة ، لأن ما سرب لحد الآن عن تلك العقود شحيح جدا ، وكل ما نعرفه عنها أنها عقود خدمة لتطويرالحقول النفطية ، واذا كانت بالفعل كذلك فما معنى أن تبقى حقول النفط باحتياطياتها الهائلة رهينة بأيدي الشركة الخادمة لمدة عشرين عاما وربما يزيد عن ذلك؟

إن عقود الخدمة قد تستغرق أشهرا وربما عدة سنوات لا عقودا من السنين ، وهي غالبا ما تضطلع بمهمة الحفر وتهيئة الحقل لانتاج الكمية التي تتوقعها الدراسات الفنية عن طاقة الحقل الانتاجية ، وقد تنصرف الخدمة إلى تحديث وتطوير الحقل وصيانة معداته ، أو بناء منظومة نقله إلى مواقع داخلية أو إلى منافذ التصدير. وتستلم الشركة الخادمة أجورها نقدا أو نفطا طبقا للاتفاق المبرم ، وتقوم بعده بتسليم الحقل إلى اصحابه وتمضي إلا اذا عجز الكادر العراقي من ادارة عمليات انتاج الحقل ، وهذا الاحتمال غير وارد أصلا ، لأن الكادر العراقي يدير بالفعل حاليا أكثر الحقول المنتجة بكفاءة عالية ومنذ عقود. أما أن تبقى الشركة مهيمنة على الحقل وتستمر باستلام اجورها سنويا أو شهريا في حين تستطيع وزارة النفط تحويل استحقاقاتها الى حساباتها المصرفية ، أو نفطا وفق الاتفاق الى أي ميناء شحن في العالم فأمر في غاية الغرابة ، ويحتاج تفسيره الى منجم .

كما أن ادعاء الوزير ببقاء الاحتياطيات النفطية بيد الشعب العراقي لا يغير من الواقع المر شيئا ، فالاحتياطي النفطي باق بأيدي الشركات طوال مدة العقد الممتدة لعشرين عاما ، وهو غير قادر على التصرف به ، ونعتقد أن أي وزير آخر لو أراد تغيير صيغ العقود الحالية بسبب تبنيه ستراتيجية التطوير الوطني للصناعة النفطية ، لواجه اشكالات قانونية ومالية مع الشركات النفطية.

أما بقاء الاحتياطي النفطي في حوزة الشركات النفطية فسيحقق لها مكاسب مالية كبيرة طوال العشرين عاما القادمة ، باعتباره ثروة جديدة تضيفها إلى أصولها الحالية ، وبذلك ترتفع قيمة أسهمها في أسواق المال الدولية أضعافا مضاعفة، فتبدأ بجني الأرباح من وراء ذلك حتى قبل أن تستثمر دولارا واحدا في حقولنا النفطية. وهذا ما يؤكده السيد تود كوزيل المدير التنفيذي لشركة " غلف كيستون " التي تنقب عن النفط في كردستان بالتعاون مع حكومة الاقليم ، حيث أدلى لبرنامج " أسواق الشرق الأوسط س . ن. ن عن الاكتشافات التي حققتها شركته في كردستان العراق بالقول :

"ما وجدناه هو عبارة عن حلم لكل عامل في قطاع النفط ، فهذا النوع من الاكتشافات انتهى منذ مطلع القرن العشرين." وتابع بالقول: "أن نجد في هذه المنطقة المرتفعة كميات مؤكدة تعادل 2.5 مليار برميل، مع إمكانية وصولها إلى ما بين 10 و15 مليار برميل يمثل حدثاً غير مسبوق، وهذا رفع قيمة شركتنا السوقية من 45 مليون جنيه إسترليني إلى أكثر من 600 مليون جنيه." وعن كيفية إدارة الشركة للفترة التي ارتفعت خلالها أسهمها بقوة إثرالإعلان عن الاكتشاف قال كوزيل: "كان علينا الانتباه خلال عمليات الاستخراج، وذلك عبر اعتماد الشفافية وإطلاع السوق على كميات النفط المكتشفة وقطع دابر الشائعات، كما قمنا بتوظيف طرفا ثالثا لتقييم الكميات الموجودة في الحقل كي تكون كل البيانات التي نوفرها للسوق دقيقة وحقيقية." : (4)

4 - لقد جرت المبالغة بشعور بعيد عن المسئولية في الحديث عن الزيادة المتوقعة في صادرات العراق النفطية عند تنفيذ العقود المشار اليها آنفا، وحتى أطفالنا حفظوا عن ظهر قلب الرقم 12 مليون برميل يوميا الذي سيصدره العراق في المستقبل القريب من نفطه الخام. فالوزير يعرف جيدا بأن مثل هذا الهدف غير قابل للتحقيق بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية لقدرات البلد الخدمية والأمنية والادارية والى مدى لايقل عن عشرة سنوات ، هذا اذا ما كثفت الحكومة العراقية من جهودها لتطويرها إلى المستوى الذي تستطيع فيه استيعاب الزيادات في الانتاج المشاراليها. فكل الدلائل تشير إلى أن الانتاج النفطي المتوقع من خلال التنفيذ التدريجي للعقود النفطية لن يتجاوز أربعة ملايين برميل يوميا في غضون ست سنوات ، وهذا ما توقعه تقرير شركة اي.اتش.سي كمبريدج أنرجي ، وهي شركة تقدم استشارات في قطاع الطاقة ، قالت فيه :

" من غير المرجح أن تنجح خطط العراق الطموحة لتعزيز انتاج النفط الخام الى ما يصل الى 12 مليون برميل يوميا في السنوات القادمة بسبب تحديات كثيرة ، سياسية وأمنية وأخرى خاصة بالعمليات والبنية التحتية " ، وتتوقع الشركة أن يصل انتاج العراق الى 4.3 مليون برميل يوميا في 2015 ، والى 6.5 مليون برميل يوميا في 2020 ، واصفة تلك الارقام بأنها " أرقام نمو كبيرة ". (5)

ان الشكوك التي أبداها المتخصصون في بلوغ انتاج النفط 12 مليون برميل يوميا لها ما يدعمها في الواقع العراقي.فالعراق يعتبر بلدا منكوبا حتى وان لم يعلن العراق عن ذلك ، أو دول التحالف التي احتلت العراق ، أو الهيئات الدولية ذات الشأن. فالبنية التحتية العراقية تشكل أهم عقبة أمام زيادة انتاج النفط بسبب تخلفها الشديد ، حيث لم تشهد تحديثا منذ عقود. وتأتي في مقدمة ذلك وسائط الخزن والنقل عبر الأنابيب والشاحنات على الطرق البرية ، موانئ الشحن والتصدير وناقلات النفط عبر البحار، الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب ومراكز التدريب والتأهيل والأيدي العاملة الماهرة والكوادر الهندسية والادارية وغيرها. يعتبر توفير هذه الخدمات بالمواصفات العالمية المتعارف عليها من مهام الجانب العراقي. وكما هو معلوم فان العراق يواجه أزمة في جميعها بدون استثناء ، نتيجة الخراب الذي خلفته الحروب والاهمال لعقود مضت. وإذا كان العراق قد باشر فعلا في اعادة بناء بعض منشآت بنيته التحتية ، فما يزال الطريق طويلا لتحقيق تقدم ملموس فيها.

امام هذا الواقع لا نرى أي سبب يجعل الشركات النفطية التي فازت بعقود استثمارات نفطية متحمسة للاسراع بشحن معداتها صوب الحقول النفطية والانتظار هناك حتى تنجز السلطات العراقية ما عليها من واجبات والتزامات. علما أن بعض الشركات تنتظر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ، لترى ما مدى الجدية في احترامها للعقود التي وقعتها الحكومة السابقة ، فيما البعض الآخر من الشركات ينتظر صدور قانون النفط والغاز ليكون الأساس القانوني للعقود التي تم التوقيع عليها بين هذه الشركات والحكومة العراقية.

في الجزء التالي سنناقش العوائد المالية التي ستحققها شركات النفط من وراء عقودها ، وعن دور الشركات النفطية الأمريكية والغربية الكبرى في النفاذ إلى الاحتياطي النفطي العراقي الضخم ، وفي تقاسم حقول النفط التي تم توزيعها بينهم خلال جولات التراخيص.

يتبع





 

 

free web counter