| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 8/3/ 2011

 

الوجه الآخر ... الحقيقي لرئيس وزراء العراق...؛؛

علي ألأسدي - البصرة  

لقد أمهل السيد المالكي وزرائه والهيئات المستقلة 100 يوم لتعديل مساراتها وتحسين واقعها بعد المظاهرات التي اجتاحت أكثر مدن العراق في الشهر الماضي ، وقد عد المحللون السياسيون هذه الخطوة محاولة لتهدئة المحتجين على سوء أداء حكومته في مجالات الخدمات ، ومعالجة البطالة والفقر والفساد المالي في مؤسسات الدولة. لكن كيف بحق السماء لوزير لم يمضي له في منصبه غير شهران من حل مشكلة الكهرباء بمائة يوم ، في حين لم تستطع حكومات العراق الجديد بما فيها حكمة المالكي من حل مشكلة الكهرباء؟؟

واذا ما تركنا مشكلة الكهرباء لجدولها الزمني الذي أعلن عنه رئيس الوزراء في تصريح سابق له ، بأن الخمسة عشر شهرا القادمة ستنهي المشكلة مع أننا نشك في ذلك ، وتمعنا بانجازات حكومته عبر السنوات الخمس الماضية فما الذي نخلص اليه ، وما هو تقييمنا لأدائه وله شخصيا؟؟

بعد خمس سنوات من وجودها في السلطة لم تنجح حكومة السيد المالكي في اعادة الوجه المشرق لعاصمتنا الحبيبة ، فالقمامة في كل مكان ، في الأحياء السكنية ، وحول مدارس ورياض الأطفال في حين حولت مياه الصرف الصحي أحياء سكنية بكاملها إلى جزر وسط بحيرات من المياه الآسنة. أما الحفريات التي هجرتها الشركات المقاولة بالتواطؤ مع الفاسدين في دوائر الدولة فتجسد سوء الادارة والاهمال والفساد في مؤسسات الدولة غير قابل للتصديق في مدينة يفترض أن تكون على الأقل نظيفة ، مأساة يومية يتعايش المواطن معها بالرغم منه ، وهذا الذي نقوله ليس تجنيا من جانبنا ، فجولة في أحياء بغداد السكنية تكفي للتثبت مما نقول ، لكن رئيس الوزراء لا يحب التجوال قريبا من أفراد شعبه الذين جبلوا على العيش مع المياه السوداء وتنفس روائحها ، وسيكون مثارا للسخرية الادعاء بأن تلك المظاهر المقرفة هي من مخلفات العهد السابق ، كما يحاول رئيس الوزراء اقناعنا ، وكما ادعى أخيرا بأن مظاهرات الأسابيع الماضية يقودها تكفيريون وبعثيون.

المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة ، وتلك التي من المقرر انطلاقها في الأيام والأسابيع القادمة ربما تعيده إلى عالم الواقع الذي نعيشه كلنا ما عداه. لقد اتضح للعديد منا بعد سنوات من الفشل ، أنه يفتقر إلى القدرة على التواصل مع هموم الشعب ، وتفهم معاناته ، وبعد خمس سنوات من وجوده في الحكم اثبت أنه ليس فقط لم يفشل في تحسس معاناتهم ، بل لم يحاول قط التعرف على واحدة من محنهم التي لا تحصى. وهنا تظهر حقيقة الرجل ، فهو شخصيتين في كائن واحد ، لكل منها سماتها الخاصة ، لا تتماثل أحدها مع الأخرى ، فما تعبرعنه أحدها من ردود أفعال ، يتناقض كليا مع ردود أفعال الأخرى لنفس الحدث. وهذا يفسر لنا سلوكه الغريب في مواجهة الاحتجاجات التي عبرت عنها مظاهرات الشهر الماضي. فقد تحدث في ساعة بلسان ديمقراطي ، لكنه تصرف في ساعة أخرى كدكتاتور دموي لا يعرف الرحمة ، وفي ساعة أخرى تصرف كديمقراطي متحضر لا يمارس العنف ، ويبدي مشاعر الأسف لما حدث من عنف ، ويعتذر من الضحايا ، ثم وفي اليوم التالي ينسى ما عبرعنه ، فيأمر باستخدام العنف وقتل الأبرياء وهو الذي أنتقده في اليوم السابق. سلوك أثار استهجان الكثير من أعضاء مجلس النواب في ظاهرة لم يشهدها من قبل ، وكان الدكتور ابراهيم الجعفري حليف المالكي ورئيس حزبه قبل أن انشقاقه ، قد استنكر بشدة تصرف الحكومة واستخدامها العنف ضد المتظاهرين ، موقف وطني لن ينسى تجاه أبناء العراق.

ازدواجية المواقف واضحة في كافة نشاطاته السياسية وتحالفاته ، و يعتقد البعض أن له من الذكاء ما يمكنه لفعل ذلك ، لكن على هذا البعض أن يتذكر أن التآمر هو الوجه الآخر لمثل هذا الذكاء المزعوم ، وللظاهرتين معنيان مختلفان. فقبل انتخابات مجالس المحافظات في 2008 أسس خلسة مجالس الاسناد الممولة من أموال الشعب (كان الراحل طيب الذكر السيد عبد العزيز الحكيم قد أشار اليها في حينه) ، ووظفها لصالح فوز ممثلي حزبه في تلك المجالس. و قبيل انتخابات مجلس النواب الأخيرة في السابع من آذار 2010 ولنفس الهدف غير المعلن ، أجرى تعديلا على قانون انتخابات مجلس النواب ومرره عبر مساومات رخيصة مع بعض القوى المستفيدة من التعديل ، وكان غرضه من ذلك استبعاد أي دور للشخصيات المستقلة والأحزاب الصغيرة في مجلس النواب القادم. وبعد الانتخابات أسس لتشكيل القائمة الانتخابية الأكبر لمنع القائمة العراقية التي تقدمت على قائمة دولة القانون التي يتزعمها هو نفسه ، بعد أن اقنع المحكمة الاتحادية العليا لتصدر له قرارا بذلك. ويستميت حاليا ويكافح بضراوة لحصر الوزارات الأمنية تحت سلطته. وبعد أن كسب المحكمة الاتحادية العليا لخدمة أغراضه ، أفتت لصالحه لبسط هيمنته على الهيئات المستقلة مثل هيئة النزاهة والمفوضية العليا للانتخابات ولجنة حقوق الانسان والبنك المركزي وغيرها ، لتكون أدواة تخدم أهدافه السياسية الخاصة وحزبه. وبعد ذلك كله فاجئنا بموقفه العدواني والدموي من المظاهرات السلمية للشباب المطالب بالاصلاح ، وما استخدمه من أساليب مراوغة لمنع الناس من التواصل مع المتجمعين في ساحة التحرير.

شخصية تقول شيئا وتفعل العكس سرا أو علنا بدون حرج ، وهو الذي يسوق نفسه كعابر للطوائف ، يمارس سياسة العزل الطائفي بدون تحفظ في الدوائر الحكومية التي يديرها أعضاء حزبه. يأمر سرا وزراءه من حزبه بتنفيذ سياسته الخاصة بفرض ثقافة طالبان في المدارس والجامعات العراقية (وزارة التربية ووزارة التعليم العالي مثالا)، دون أن يعلن ذلك في الصحافة أو في مجلس النواب ، أو حتى في اجتماعات مجلس الوزراء. فالمفترض أن ينفذ الوزراء السياسة الحكومية العامة المعلنة كجزء من برنامج حكومة الشراكة الوطنية ، ما عدا ذلك يعتبر خروجا ومخالفة فظة لمبدأ الشراكة. وآخر تصرفاته المعبرة عن ازدواجيته،الطلب من أجهزته الأمنية بمحاصرة وغلق مقرات الحزب الشيوعي العراقي ، بحجة شغلهم بنايات تعود للدولة ، مع أن الأحزاب الكردية والدينية بما فيها شخصيات من حزبه تشغل هي الأخرى مثل تلك البنايات كمقرات لأحزابهم أو دورا سكنية لعائلاتهم. واذا كانت تلك الجهات تشغل تلك الأبنية دون دفع بدلات الايجار ، في حين يدفعها الحزب كاملة ، ومنذ تاريخ اشغاله لها في التاسع من نيسان 2003. لقد أقدم رئيس الوزراء على تصرفه الأخير عقابا للحزب على مشاركة جماهيره في التظاهرات الأخيرة ، ولأنه لا يريد حزبا جماهيريا يمكن أن ينافسه مستقبلا ، أسلوب لم يشرف قادة حكوميون كثيرون استخدموه قبله ولم يجن منه غير الخيبة.

أصدق من عبر عن شخصية رئيس الوزراء وقدراته العقلية والادارية والسياسية هو العضو في تحالف المالكي الحاكم ، النائب السيد بهاء الأعرجي رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب عن التيار الصدري. فقد أدلى لوسائل اعلام عراقية وعربية ، ومنها العربية الفضائية معلقا على طلب السيد المالكي بمهلة مائة يوم لانجاز ما يطالب به المواطنون ، قوله : " أن رئيس الوزراء لا يمكن أن يقدم أي شيئ حتى لو منح مائة عام وليس مائة يوم ، لأنه لا يملك الآليات للقيام بذلك ".

وتأكيدا لذلك و نتيجة للاحتجاجات التي عمت العراق في الأسابيع الأخيرة ، تحدث السيد محمد الربيعي عضو مجلس محافظة بغداد الى وكالة كردستان للأنباء ( أكا نيوز ) في الخامس من شباط الماضي منتقدا الطريقة التي تتعامل بها السلطة التنفيذية مع واقع الخدمات في العاصمة،لافتا الى عجز واضح في تنفيذ مشاريع الخدمات في العاصمة على مدى السنوات التي تلت التغيير. وقال: " صرفت المليارات على بغداد خلال السنوات الثماني الماضية من اجل تحسين الخدمات الا ان الخدمات فيها متوقفة وضاعت تلك المليارات، حتى ان الخطط الموضوعة لم تنفذ ، ورغم تحدث المسئولين عنها فهي لم ترى النورعلى ارض الواقع. مسئولية سوء الخدمات في بغداد لاتتحمله المجالس المحلية وحدها ، بل الحكومة المركزية أيضا.

ما خرج به السيدان الأعرجي والربيعي من استنتاج ، يؤكد صحة ما قلناه بحقه في مقالات سابقة لنا ، قبل بدءه لولايته الثانية ، وكانت حجتنا أن الرجل ليس له خطة عمل ، ولا يدرك متطلبات التغيير الذي ينبغي إحداثه في الواقع الاقتصادي العراقي ، التغيير الذي بدونه لا تتحقق التنمية الاقتصادية الحقيقية التي بدونها لا يمكن توقع فرص عمل جديدة والقضاء على البطالة ، ولن يتحسن المستوى المعيشي لجماهير الفقراء والمعوزين. اذ لا يمكن التعويل على الوظائف في مؤسسات الدولة وحدها ، ولا بد من تنشيط الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد الأخرى ، الصناعة والزراعة والخدمات والبنية التحتية. فلا يمكن الاعتماد على موارد النفط في تأمين غذائنا وسلعنا الضرورية الأخرى من الاستيراد وحده ، بينما يتردى القطاع الزراعي ، ويتحول المزارعون إلى عاطلين عن العمل. واذا ما استمر الحال على ما نحن فيه ، ستتآكل البنية التحتية ، و يتسارع تدهورالانتاج الزراعي ، تتلوه هجرة عامة من الريف إلى العاصمة ، وستظهر مدنا جديدة من الصفيح في العاصمة وحولها ، أوسع وأفقر من أحياء الشعلة والصدر ، وهذا بالضبط ما أدت اليه حكومة المالكي الأولى ، وما ستقودنا اليه حكومته الحالية.

ويبدو أن الدائرة المحيطة برئيس الوزراء ، المكونة من مقربين ومستشارين وضعهم حوله لمساعدته في التعامل مع الأزمات ، لكنها بدلا من مساعدته في اتخاذ خطوات ذات منفعة للبلاد ، نمت لديه الشعور بالرضا عن أداء لا وجود له على أرض الواقع ، ولهذا فان مهلة المائة يوم لن تكفيه للوفاء بوعوده ، وسيحتاج الى ولاية ثالثة وربما رابعة لنتمكن على الأقل من رؤية شوارع بغداد نظيفة كما كانت في خمسينيات القرن الماضي؛؛؛

 


 

free web counter