| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 7/6/ 2011

 

الوقود الحيوي ... محنة جديدة تواجه فقراء العالم ...
(1)

علي ألأسدي - البصرة  

تتزايد حدة التنافس بين الدول الصناعية الكبرى للعودة إلى مستعمراتها السابقة في محاولة لاعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ، وهذه المرة ليس عن طريق ارسال جيوشها إلى هناك للهيمنة المباشرة على ثرواتها الطبيعية ، وانما باجازة من قادة تلك الدول مقابل وعود بموارد مالية وفرص عمل لمواطنيها. للوهلة الأولى يبدو المستقبل ورديا وواعدا ، لأنه بالفعل سيشغل بعض مواطنيهم العاطلين عن العمل بصرف النظر عن الأجور التي سيتقاضونها ، لكن الأهم من ذلك كله أن قادة الدول أنفسهم سينالون مكافئة سخية تزيد من ثرواتهم الشخصية ليتمتعوا وأبناءهم برغد لم يحلم به. قد يتساءل البعض لماذا يعاب على أولئك الزعماء سماحهم للشركات الأجنبية بالاستثمار في بلدانهم ، فذلك سيقلص البطالة ، ويساعد في تحسين مستويات المعيشة ويؤمن للجياع أملا في حياة أفضل؟؟

وحتى نتوصل للاجابة على هذا التساؤل ينبغي علينا أن نتعرف على بعض الحقائق الاقتصادية والسياسية والطبقية في البلدان موضوع حديثنا ، وفيما اذا ستتحسن حياة شعوبها بالفعل بحسب الاتفاقيات التي ستعقدها الشركات الرأسمالية متعددة الجنسية مع زعامات تلك البلدان. ونتعرف أيضا على مستوى الأجور التي ستتحصل عليها القوى العاملة في المشاريع الزراعية وعلى ظروف العمل فيها ، وفيما اذا ستؤثر سلبا على أسعار الغذاء والبيئة الطبيعية. فخلال الأشهر الماضية تدفقت الشركات الأجنبية الغربية إلى أكثر من عشرين دولة متخلفة اقتصاديا في القارة الأفريقية وأميركا الجنوبية والقارة الأسيوية ، وكان الهدف هو شراء ملايين من الهكتارات من الأراضي الزراعية تمهيدا لزراعتها بنباتات منتجة للحبوب الزيتية كحبوب الذرة و نباتات كقصب السكر والموز وغيرها ، ليس لانتاج الغذاء لوقف ارتفاع أسعاره كواحدة من وسائل القضاء على الجوع ، بل لانتاج الوقود الحيوي (biofuels) ويستخلص كسائل (bioethanol) من بعض النباتات الذي سيستخدم على نطاق واسع كبديل للبنزين والديزل المستخدمة حاليا كوقود لسيارات المترفين من الناس في الغرب بشكل خاص.

وعلى ما يبدو ، أن الغرب مصمم على ايجاد البديل للنفط الخام الذي يتوقع أن ترتفع أسعاره كثيرا لتصل إلى مستوى 200 دولارا للبرميل الواحد ، اعتمادا على توقعات متشائمة عن الحالة السياسية في منطقة الشرق الأوسط المصدر الرئيس للنفط المستورد من قبل الولايات المتحدة وأوربا واليابان والصين. ومع أن استخدام الوقود الحيوي يتطلب اجراء تغييرات تكنولوجية على محركات السيارات المستخدمة لوقود النفط لتكون ملائمة للانتقال الى الوقود البديل ، حيث يخلط حاليا بالبانزين بنسبة 15 % و85 % وقود حيوي. هذا اضافة الى ان كمية الوقود الجديد التي ستحتاجها المحركات تزيد بنسبة 50 % عن كمية الوقود النفطي ، مما يتطلب مضاعفة حجم خزان الوقود في السيارات والمحركات. الدعوة لانتاج هذا النوع من الوقود تدعمه منظمات حماية البيئة التي تحاول انقاص الغازات الناتجة عن احراق الوقود النفطي والمسببة لارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض ، لكن المروجين لهذا الوقود يقرون بأن استهلاكه ينفث غازات إلى الفضاء ولكن بنسبة أقل. وليس هذا فحسب ، فتخصيص مساحات زراعية واسعة أكثرها في الدول الفقيرة لانتاج الوقود الحيوي سيسبب نقصا حادا في الأراضي المخصصة لانتاج المحاصيل الغذائية ، يعني هذا ، أن مساحات أقل من الأراضي ستكون متاحة لانتاج المحاصيل الغذائية لاطعام الناس ، وجميعنا يدرك تبعات ذلك على أسعار المواد الغذائية في البلدان النامية ، حيث ستصبح حياة الناس أكثر مشقة ، بينما سيعاني آخرون المجاعة. لكن ، لا الشركات الرأسمالية الغربية تفكر بهذه العواقب ، ولا الزعامات السياسية الفاسدة المتحالفة مع برجوازيات دولها تعير اهتماما لهذا. ومع أن منظمات خيرية عالمية كثيرة تهتم بأزمة الغذاء في الدول الفقيرة ، بينها " منظمة أوكسفام البريطانية " قد حذرت من تأثير هذا التوجه ، لكن تحذيراتها لم تثر لحد الآن حملة مضادة من جانب الشعوب الفقيرة لتهب دفاعا عن حقها في حياة افضل." منظمة أوكسفام " أصدرت تقريرها السنوي قبل أيام حذرت فيه من أن تنفيذ خطط انتاج الوقود الحيوي سيؤدي إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية خلال العقدين القادمين ، مسببا مجاعات في المجتمعات الفقيرة التي تعيش حاليا على أقل من دولارين في اليوم.

الاتجاه الحالي للدول الأوربية صوب هذا النوع من الوقود قد جاء كنتيجة لقانون أصدره الاتحاد الأوربي ، يشجع على زيادة الأموال المخصصة لانتاج هذا الوقود، وبنتيجته وبحسب ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية أيام الأول والثاني والثالث من شهر حزيران الحالي أن حوالي خمسين شركة غربية تتنافس على توقيع عقود شراء أراضي زراعية في مستعمراتها السابقة لأجل تنفيذ حوالي مائة مشروع زراعي لهذا الغرض. " فالشركة البريطانية العالمية للطاقة النظيفة " اشترت لوحدها تسعمائة ألف هكتار في مالي وغانا والسنغال.وقد صرح الرئيس التنفيذي لهذه الشركة توم ستيوارت قائلا : " صحيح أن النباتات الزيتية التي تستخدم لانتاج الوقود الحيوي ستزاحم في بعض الحالات انتاج الغذاء ، ولكن مخططاتنا قد أخذت في الاعتبار أننا سنساعد في زراعة المواد الغذائية بنفس القدر الذي نزرع النباتات المنتجة لزيوت الوقود ، وهذا ما تضمنته اتفاقياتنا مع تلك الدول". كما وقعت شركة بريطانية أخرى هي " شركة الشمس للوقود الحيوي " عقدا لشراء أراضي مساحتها ثمانية آلاف هكتار لزراعتها بنبات باتروفا كوراس ذات البذور الغنية بالزيت الصالحة لانتاج الديزل ، وستقوم الشركة بحصاد منتجاتها في العاميين التاليين ، حيث ستبدأ تصدير منتجاتها إلى الدول الأوربية.

ادعاء مدير شركة الطاقة النظيفة بأن زراعة البذور الزيتية لن يكون على حساب الأراضي الزراعية ، ولن يؤثر على زراعة المحاصيل الغذائية غير صحيح ، فهو وشركته يعرفان ذلك جيدا. فزراعة المحاصيل الزيتية سيكون على حساب الأراضي الزراعية بالتأكيد ، هذا أولا ، وثانيا ، سيسبب نقصا في كمية المياه المتاحة لزراعة المحاصيل الزراعية ، وثالثا ، عند اضطرار المزارعين المحليين لزراعة أراضي أقل خصوبة أو جافة فانهم سيتحملون تكاليف اضافية لاروائها واستصلاحها و لتغطية أثمان الأسمدة ، وربما تكاليف نقل اضافية ، لأن الشركات الغربية ستكون لها الأفضلية والأولوية في الوصول إلى مياه الري ، كما أنها ستختار الأراضي الأفضل خصوبة والأقرب إلى طرق المواصلات والموانئ البحرية . ورابعا ، سيؤدي التنافس على بيع المزيد من الأرضي الزراعية أو ايجارها للشركات الأجنبية الى ازالة أشجار الغابات الدائمة الخضرة ، برغم تعارض هذا مع جهود منظمات أصدقاء البيئة التي تسعى للابقاء على الغابات الخضراء لا انقاصها.
 

يتبع




 


 

free web counter