| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                           السبت 6 / 7 / 2013

 

 مسرحية .. " الحرب ضد الصفويين "

علي ألأسدي

لا أتحدث هنا عن الشعارات المرفوعة ضد الصفويين والفرس المجوس في الاعتصامات التي مازالت جارية في بعض مدن العراق ، بل عن الحرب الجارية في سوريا. حيث يحارب هناك تحت نفس هذا الشعار نفر تم غسل عقولهم ودفعهم للمشاركة في حرب بالنيابة عن القوى نفسها التي وقفت ودعمت صداما في حرب الثماني سنوات مع الفرس المجوس.

لقد تحولت تلك الحرب الى رواية تروى عبر العقود الثلاثة ونيف من السنين الماضيات دون توقف ، سواء من قبل المؤرخين المحايدين أو المنحازين لأحد قوى الصراع ، أو من قبل أولي الضحايا من الأباء والأبناء والأرامل والأيتام والأصدقاء والجيران ، أو من قبل المنتفعين منها عربا وفرسا أوسياسيين غربيين ومشرقيين.

يعاد اليوم اخراج تلك الرواية الدرامية من قبل نفس المخرج ، ويقوم بالأدوار الرئيسية فيها نفس الأبطال ، ويعاد عرضها على نفس مسرح الدمى على الهواء مباشرة. يعاد تمثيلها بفارق زمني وحيد ، ان اخراجها في المرة الأولى قد تم نهاية الحرب الباردة ، بينما يجري اخراجها اليوم احتفاء ببدء حرب باردة أخرى.

وكما يتذكر أكثرنا فقد انتهت تلك الحرب بنتيجة " لا غالب ولا مغلوب " ، بمعنى أن الطرفين المتحاربين قد تبادلا المواقع انتصارا وتراجعا مرات عدة خلال فترة الصراع ، وقد انتهيا كل في المواقع التي كانا عليها قبل بدء الصراع الذي اقترفت فيه مجازر دموية ما تزال لم يكشف عن تفاصيلها الحقيقية حتى اليوم.

ولأننا في بداية الحرب الجارية على الأرض السورية بين المعارضة المسلحة التي تقف معها كل الدول الخليجية والغربية ، وبين الحكومة السورية وحلفائها الفرس المجوس من الجانب الآخر ، فمن المبكر جدا تحديد تكاليفها أو النهاية المبكرة لها. وسنرى قريبا انتصارات يحققها هذا الجانب أو ذاك ، أو اندحارا يمنى به هذا الطرف او ذاك ، وسيحدث ذلك مرارا وتكرارا قبل أن يقرر المخرج نهاية الشوط الأخير.

المراقب للعرض الأول لمسرحية حرب عام 1980 ولعرضها الآن سوف لن يجد كثيرا من التغيير في توزيع الأدوار وفي الحوار بين أبطال الرواية ، سوى بعض التغييرات الديكورية لبعض المشاهد. أما تجسيد مآسي الحرب فنيا على المسرح فسيظل موضوعا مفتوحا لتقييم النقاد والمؤرخين والكتاب والصحفيين من الآن والى أجل غير معلوم.

فاللاعبون الرئيسيون في مسرحية الحرب العراقية الايرانية حينها أضافة الى صدام حسين كان قادة دول الخليج ومن ورائهم الدول الغربية ، وهم أنفسهم اللاعبون الرئيسيون في مسرحية الحرب السورية الحالية الجارية أيضا بين العرب والمجوس. وكما في العرض الأول لم يساهم الخليجيون بجندي واحد ، ولم تسل لهم قطرة دم واحدة ، وقد اقتصر دورهم على التصفيق والرقص مع سقوط كل قتيل من أي من المتحاربين.

بينما اقتصر الدور الأمريكي على ضمان استمرار الحرب بالاتجاه الذي لا يحقق فيه أي طرف النصرعلى الآخر ، وعلى الدفع ما أمكن بالطرفين الى حافة الموت ، ولوصول بلديهما حالة الخراب الشامل. وما مشاهد الخراب الذي تعرضت له مدينة القصير السورية والتي تناقلتها وكالات الانباء وبثت على الشاشات الصغيرة والكبيرة الا دليلا مصغرا جدا للخراب الذي ستتركه الحرب بمداها المتوقع لها في نهاية الصراع.

لا يجب أن نصاب بالدهشة من الموقف الأمريكي من اقتتال بلدين جارين والتدخل السافر في شئونهما كما حدث في حرب العراق وايران ، فالأمريكيون اليوم يقومون بدور أكثر اثارة للدهشة بدفعهم المتحاربين من أبناء الشعب السوري للاستمرار في سفك دماء بعضهم البعض مع علمهم بمشاركة ارهابيو منظمة القاعدة. والكل يعلم أن باستطاعة الأمريكيين أن يتوصلوا الى حل لموضوع الخلاف ، اما بوساطتهم هم أو بوساطة الأمم المتحدة. لكن الولايات المتحدة وكما في نزاعات أخرى جرت في السابق لم تعمل وفق ما تمليه مصالح الحرية والسلام التي تجاهر بالتمسك بها والدفاع عنها ، بل وفق حساباتها ومصالحها الراسمالية الخاصة. فقد قامت بدور المتفرج في حرب السويس عام 1956 وفي الحرب العالمية الثانية ، وبدور سلبي في الحرب العراقية الايرانية 1980 – 1988 ، وبدور متحيز في الحرب الجارية حاليا في سوريا.

ففي الحرب العالمية الثانية تعمدت عدم المشاركة في الحرب الى جانب أحد المتحاربين حينها ، المحور بقيادة ألمانيا النازية من جهة ، والحلفاء بقيادة الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى. لكنها قررت في النهاية المشاركة الى جانب الحلفاء ، لكن ليس قبل عام 1943 ، وبعدما تيقنت بأن السوفييت قد دحروا العدوان النازي على بلادهم ، وانهم في طريقهم لاحتلال العاصمة النازية برلين واعلانهم النصر على ألمانيا من هناك.

وجاء ذلك بعد أن قام ملك بريطانيا جورج السادس بالسفر الى الولايات المتحدة خصيصا لحث الرئيس الأمريكي حينها فرانكلين روزفلت لتقديم المساعدات العاجلة والمشاركة في الحرب الى جانب بريطانيا. وقد قام الملك بجهوده تلك استجابة لضغوط رئيس وزرائه حينها ونستون جيرجيل.

وانسجاما مع هذه الاستراتيجية القائمة على الغدر يدعو اليوم الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس الأمريكي الى تقديم أسلحة متقدمة للمعارضة السورية لتمكينها من مواجهة قوات نظام الأسد ولمنع هذا الأخير من تحقيق التفوق في الحرب الدائرة بينه وبين المعارضة بحسب ما ذكرت قناة البي بي سي البريطانية في الثامن من أيار الماضي على لسان مراسلها جيم مور.

وكانت منظمة المساعدة المسيحية الخيرية البريطانية قد عبرت في موقعها على الانترنيت christianaid.org.uk/Syria هذا الشهر حزيران 2013عن بالغ أسفها لقرار الاتحاد الأوربي برفع الحظر عن تزويد المعارضة المسلحة السورية بالسلاح ، بينما شددت على الحاجة لايجاد حل سلمي للصراع الدائر لا توسيع رقعته واطالة أمده.

كما دعت الى تقديم المساعدات الانسانية للمهجرين والمشردين من بيوتهم الذين تجاوزعددهم مليونا ونصف المليون مواطنا ، بنفس الوقت الذي أصبح أكثر من ثمانية ملايين آخرين بحاجة الى المساعدات الانسانية المباشرة بما فيها الطعام والماء الصالح للشرب والأدوية والرعاية الصحية.

لكن المقال في صحيفة يدعوت احرنونت الاسرائيلية في 21 \ 6 \ 2013 بعنوان " لماذا لا ينبغي أن ينتصر الأسد " قد جسد الموقف الغربي من الصراع الدائر في سوريا بالوضوح الذي لم تجسده أية جهة أخرى سياسية أمريكية أو غربية. حيث كتب شوال رومانو هورنغ في مقاله :

" ان افضل استراتيجية للولايات المتحدة واسرائيل هي محاولة الابقاء على الوضع الراهن status quo حيث لن تكتسب قوات الأسد أو الثوار من القوة ما يكفي من الحاق الهزيمة بالمعسكر الآخر. وفي هذا السياق كان قرار ادارة الرئيس اوباما اخيرا في مساعدة تسليح الثوار قرارا صائبا رغم كونه جاء كرد فعل ضد تجاوز الأسد للخط الأحمر باستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري. ومن جانب آخر فان السبب الرئيسي للتسليح الثقيل للثوار هو تحقيق التوازن بين قوات الأسد والثوار. وينبغي أن يكون واضحا بأن انتصار الأسد وحلفائه سيوجه ضربة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة واسرائيل. وسيؤدي في النهاية الى تفكيك النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وتعريض اسرائيل للمزيد من الأخطار. "

انهم يعيدون السيناريو الذي مثلوه في العراق في سوريا اليوم ، بتحويل ما يجري فيها الى حرب استنزاف شبيهة بالحرب العراقية الايرانية ، لكن بتدخل أكثر عدوانية وأذى لتدمير قدرات البلد المادية والبشرية. انهم يعرفون جيدا ما يسببه ذلك من خسارة عقود من التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي بنتيجتها سيستمر الفقر والتخلف لعقود أخرى من السنين تتضاعف خلالها مصاعب القضاء على هاتين الآفتين.

التاريخ وحده من سيحتفظ للأمريكيين بهذا السجل الدامي الذي يبدو لنا للوهلة الأولى عابرا وبدون معنى ، لكنه عميق الدلالة بالنسبة لدولة تخطط لقيادة العالم والتصرف بموارده المادية والبشرية بما يخدم أولا وآخرا مصالحها الاقتصادية الى مالانهاية.




 

free web counter