| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأربعاء 6/1/ 2010

 

مراجعنا السياسية و الدينية الشيعية والسنية .. لا ترد على الإساءة بمثلها..
 

علي ألأسدي - البصرة

للشاعر والحكيم الهندي طاغور قول مأثور رأيت أن أبدأ مقالتي به ، يقول فيه : " للشدائد يدخر الحكماء ".

كلمات ثلاث تغني عن محاضرة طويلة في مفهوم السلم والعدالة والتسامح والسمو عن الأفعال السيئة و النوايا الشريرة التي لو سمح لها أن تأخذ طريقها دون كوابح لكلفت المجتمعات الانسانية حزنا وأسا وفتنا وكراهية وحروبا لا طائل من ورائها.

قبل أيام شن داعية من دعاة التكفير في السعودية الجارة هجوما غير مبرر على عالمنا الجليل أية الله السيد السيستاني ،المعروف بحكمته وبعد نظره ليس في العراق فحسب بل في العالم الاسلامي وغير الاسلامي أيضا. لقد تناقلت وكالات الأنباء العربية خبر الكلام النابي الذي تفوه به الداعية في خطبة له أثناء صلاة الجمعة في احد جوامع السعودية ، وبنفس الوقت توالت ردود الفعل على تخرصات رجل الدين السعودي هذا مستنكرة التصرف ووصفته بالاستفزازي وغير المقبول بحق مقام المرجع الديني السيستاني.

وكان الداعية التكفيري الشيخ محمد العريفي قد قال في خطبته،أن مذهب التشيع "أساسه المجوسية"، وهي ديانة كانت سائدة في بلاد فارس قبل الإسلام، ووصف أتباعه بأنهم من "أهل البدع الذين يرفع بعضهم الأئمة من أهل البيت إلى مراتب النبوة بل الإلهية". واعتبر العريفي "أن عدوان الشيعة على السنة ممتد عبر التاريخ ومن ذلك تعاونهم مع المغول ضد الخلافة العباسية، كما هاجموا الحجاج في السعودية في الماضي والحاضر". وانتقد أيضا شيعة السعودية قائلاً إنه "لولا يقظة الأجهزة الأمنية لرأى الناس من أفعالهم عجباً".

وقد عقب الشيخ عبدالمحسن العبيكان العالم الشرعي والمستشار في الديوان الملكي لـ"العربية نت" حول ما تفوه به الداعية قائلا : إن "ما قاله العريفي لا يمثل رأي حكومة السعودية، وإن خادم الحرمين الشريفين يسعى دائماً لنبذ الخلافات بين المسلمين وتوحيد الكلمة، وترك التطرف بكل أشكاله التي تشق صف الأمة". و أضاف أنه "يجب التعايش السلمي بين الطوائف وعدم إعطاء الفرصة للنيل من المسلمين و تقدمهم و تطورهم، وعدم إشغال المسلمين في النزاعات التي لا خير فيها، مؤكداً احترام أهل العلم في السعودية للرموز الدينية من كل الطوائف والأديان، مشددا على أن "الرأي الذي خرج به الشيخ العريفي مرفوض تماماً".

من جهته قال الشيخ محمد المحفوظ وهو سعودي أيضا لـ"العربية.نت": "أعتقد أن من المهم القول إن الاختلاف الديني والمذهبي الفكري لا يشرع لأي كان؛ سواء أكان شخصا أو مجموعة أو مذهبا أن يسيء للطرف الآخر، وانطلاقا من هذه البدَيهية أعتقد أن ما تفوه به الشيخ العريفي مسيء ويجب استنكاره من جميع الجهات الدينية داخل وخارج السعودية، لأن مضمون هذا الخطاب لا يعكس رؤية إسلامية أصيلة وإنما هو خاضع لنزعات عاطفية وطائفية مقيتة." وأكد "كنا نتوقع أن رجال الدين في المملكة قد تجاوزوا هذا النوع من الخطاب الديني، ولكن للأسف الشديد الخطاب المتشنج من العريفي أعاد المنطقة إلى جو من الشحن الطائفي البغيض الذي يضر بكل أوطاننا ومجتمعاتنا، وما قاله تجب إدانته؛ ليس من الشيعة فقط وإنما من جميع الشخصيات والمؤسسات الإسلامية". ويرى المحفوظ أن "هناك ثلاثة ضوابط أساسية؛ الأول هو الضابط الأخلاقي وكما قلنا الاختلاف لا يشرع الإساءة، والضابط الثاني هو الضابط السياسي فنحن في المملكة وفي كل البلاد العربية والإسلامية بحاجة لسن قوانين تجرم من يسيء إلى مقدسات الآخرين، فلو كانت لدينا أنظمة قانونية تجرم من يسيء إلى مقدسات أي مواطن آخر، فستكون هناك قنوات قانونية لمحاكمة الشيخ العريفي ومن ينحو نحوه من الطرفين. وأضاف "نحن نطالب بسن هذه القوانين لحماية استقرار أوطاننا ولوأد أية فتن طائفية أو مذهبية في الوطن. نحن نتفهم أن تختلف مع الآخرين وتنتقد قناعاتهم وأفكارهم ولكن ليس الإساءة لهم".

وكان المالكي قد زار النجف لافتتاح مشروع لمياه الشرب في المدينة ،التقى بعدها المرجع الديني السيد السيستاني وصرح عقب الزيارة قائلا : "اعتدنا سماع الكثير من المؤسسة الدينية السعودية ومن رجالها الذين يسمون انفسهم بالعلماء، فهي ترتكب تجاوزات بشكل دائم كونها تحمل فكرا تكفيريا حاقدا عدائيا". وتابع : "ينبغي ان تضبط المؤسسة هؤلاء كما ان الحكومة السعودية تتحمل قسطا من المسؤولية. يجب عليها ان ترد على الذين يكفرون ويثيرون الفتن، وهي ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها هؤلاء للرموز الدينية والمرجعية الشيعية."

وقد قام الشيخ خالد العطية النائب الاول لرئيس مجلس النواب العراقي بتسليم سفير منظمة المؤتمر الاسلامي في بغداد السيد (حامد علي التني) رسالة احتجاج حول الاساءات التي صدرت بحق سماحة السيد آية الله العظمى علي السيستاني من قبل المدعو محمد العريفي. وقال العطية " ان الامة الاسلامية تمر بمخاض عسير وتواجه تحديات كبيرة ويمكن لمثل هذه الاساءات ان توسع الفجوة بين طوائف المسلمين وتكون عامل هدم للدين الاسلامي ".

يشهد المسلمون الشيعة كما المسلمون السنة لآية الله السيستاني دوره المميز بوقوفه الصلد ضد الفتنة الطائفية التي بدت ملامحها في الظهور، إبان اندلاع اعمال العنف التي أوشكت أن تتحول إلى حرب أهلية بين الشيعة والسنة العراقيين في الفترة بين 2004 / 2007 ، وربما كان احتمال انتشارها الى دول أخرى متعددة المذاهب وارد تماما. لقد وقف بحزم ضد مشعليها وطالب أبناء الطائفتين بالاحتكام للعقل واحترام الأخوة الدينية والوطنية لبناء مجتمع خال من التوترات والأحقاد، ودعا إلى الحذر من الدسائس التي يروج لها أعداء التآخي بين أطياف المجتمع العراقي. وكان لموقف السيد السيستاني البعيد النظر صداه في بلدان الجوار العربية ، حتى أن بعض الكتاب المرموقين في الصحافة العربية قد طالب بمنحه جائزة نوبل للسلام تعقيبا على منح الجائزة السنوية لعدد من الشخصيات العالمية المشهود لها بالعمل الدائب من اجل السلام في العالم. وكان الكاتب الصحفي قد أشار إلى الدور الانساني الهام والحازم للسيد السيستاني ، لحقن دماء المسلمين بعد تفجير سامراء الذي استهدف ضريح الامامين العسكريين المقدسين لدى الشيعة. ومنذ تلك الحادثة أحتفظ الشيعة بدعوته العقلانية ، بتجنب الاستفزاز الذي قد يسببه بعض ذوي النوايا الشريرة.

لقد تذكرت اقتراح الكاتب والصحفي العربي من الكويت بمنح جائزة نوبل للسيد اليستاني ، عندما أعلن السيد مثال الآلوسي النائب المستقل في مجلس النواب العراقي عن نية حزبه حزب الامة العراقية القيام بزيارة تضامنية لمكتب السيد السيستاني في مدينة النجف، للاعراب عن استنكاره لمثل هذه الاساءات وتقديرا للدور الكبير للمرجع الديني المعتدل الذي لطالما اتصف بالحكمة وبعد النظر.واشار الآلوسي وهو من العلمانيين السنة الى ان المرجع السيستاني وغيره من الرموز الدينية هم مبعث تباهي كل العراقيين اياً كان اتجاههم الفكري ، سواء كان اسلاميا او علمانيا. وطالب الحكومة العراقية بمنح السيد السيستاني ارفع وسام عراقي لخدماته الجليلة لكل الشعب العراقي.

إن السيد آية الله العظمى السيد على السيستاني قد رسخ بحكمته و بعد نظره قيم التسامح و والتآخي في المجتمع العراقي في أوج التوترات الطائفية التي شهدتها البلاد ، وبفضل دوره المؤثر ساد السلام الاجتماعي في بلادنا. لقد قد صدق طاغور عندما قال " للشدائد يدخر الحكماء".

 


البصرة 6 / 1 / 2010







 

free web counter