| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 5/4/ 2011

 

تغيير الأنظمة ... في السياسة الأمريكية الجديدة

علي ألأسدي - البصرة  

عندما انفجرت حركات الشباب من أجل التغيير في تونس ومصر توقع كثيرون أن تقف الادارة الأمريكية إلى جانب قادة تلك الأنظمة باعتبارهم حلفاء لها في المنطقة ، لكن تلك التكهنات كانت في غير محلها تماما. فقد التزمت الادارة الأمريكية الصمت تجاه التظاهرات الجماهيرية في تونس ، ولم تبد نشاطا يذكر لانقاذ نظام بن علي ، أو توجيه نقد للحركات الاحتجاجية مما قد يرفع من معنوياته ليقرر البقاء رغما عن ارادة الشعب. ولأن حليفته المفضلة والأقرب فرنسا لم تمد له يد المساعدة أيضا ، فقد اضطر لحزم أمره ويرحل إلى السعودية ، ربما بتوصية من الولايات المتحدة الأمريكية. الرئيس التونسي المنبوذ لن يطيل المكوث في السعودية بل سيتوجه بعدها إلى باريس بعد أن تهدأ العاصفة ضده في بلاده ، فلا هو ولا زوجته يطيقان العيش في البادية. أما بخصوص التغيير في مصر ، فقد كان الموقف الأمريكي صادما ومخالفا لكل التوقعات ، وربما كان وقعه كالصاعقة على الرئيس مبارك وحاشيته. فقد لاحظ العالم أجمع الرئيس أوباما وهو يتحدث في مؤتمراته الصحفية مؤكدا الحاجة الى انتقال سلمي للسلطة ، دون أن يتفوه بكلمة تضامن مع حليفه الخدوم حتى في أشد لحظات انكساره. وقد أدرك جميع المحللين السياسيين أن الاتصالات التلفونية التي كان يجريها أوباما مع مبارك قد شددت على رحيله فورا وبدون ابطاء وهو ما جرى بالفعل.

وبذلك تكون الولايات المتحدة قد تمكنت من تغيير قيادة دولة بجهد دبلوماسي اعتمد اتصالات ساخنة عبر التلفون دون أن تضطر لتحريك جنديا واحدا ، أو تحتل شبرا واحدا من أرض ، أو تحرك حاملات طائرات واحدة ، والأهم من ذلك كله أنها لم تكلف دافع الضرائب الأمريكي سنتا واحدا. لم يختلف الأمر كثيرا في اليمن ، حيث تحاول الولايات المتحدة استخدام دبلوماسيتها الناعمة مع كل من المعارضة والرئيس علي عبدلله صالح ، فهي ترى في الرجل شريكا مقبولا في الحرب على الارهاب ، وهي مهمة لها أولوية في العلاقات الخارجية الأمريكية ، ولا تود بناء عليها أن تفرط بسهولة بشريكها دون ظهور بديل مكافئ له بين القوى المعارضة اليمنية. ونعتقد أن هذا هو السبب الذي يقف وراء تردد الولايات المتحدة في اعطاء صالح اشارة الرحيل كما فعلت مع الرئيس مبارك في مصر. وما تزال الولايات المتحدة حذرة في اتخاذ موقف أشد حزما مع الرئيس اليمني ، بينما يتزايد عدد الضحايا من المدنيين العزل في المدن اليمنية ، ونعتقد أن الأوان قد حان لأن يرفع الرئيس أوباما سماعة التلفون ، ويقول لرجل اليمن غير السعيد الكلمة التي سمعها من شعبه مرارا وتكرارا أن : ارحل. فالرئيس اليمني يلعب على الوقت في مناورات كارتونية ، ليظهر لحليفته الولايات المتحدة وكأنه جاد للتوصل إلى حل تصالحي مع المعارضة ، لكنه بنفس الوقت يوجه قواته الأمنية لكبح المعارضة السلمية بالرصاص والعصي والغازات السامة. فمن الواضح أنه يراهن على الصمت الأمريكي ويعتبره تأييدا ضمنيا لسياسته التي اتبعها لحد الآن تجاه الاحتجاجات الشعبية. فالولايات المتحدة التي تأخرت كثيرا عن اتخاذ الموقف الذي تنتظره الجماهير اليمنية وشعوب المنطقة ، بدت بالفعل وكأنها حريصة على بقاء علي عبد الله صالح في السلطة ، وهي تعلم أنه وعلى مدى ثلاثة عقود ، لم يحقق للشعب اليمني خلالها غير المزيد من التخلف الاقتصادي والتعليمي والثقافي والاجتماعي.

السياسة الأمريكية الجديدة المتبعة في المشرق والمغرب العربي حاليا لحماية مصالحها القومية ، والتي تابعنا فصولها في تونس ومصر وحاليا في اليمن وليبيا ، هي التأثير في الأحداث عن بعد ، واذا ما تطلب الأمر تدخلا خشنا فلا يعني بالضرورة ارسال جيوشها البرية الى مناطق التوتر. نظام القذافي كما نعلم هو أحد أبرز الأنظمة في قائمة الدول المصنفة أمريكيا بالمارقة ، حيث كان نظام صدام حسين على رأسها ، يليه نظام الأسد في سوريا ، ثم النظام الايراني أيا كان رئيسه لا فرق ، ولم تستثنى من ذلك أفغانستان طالبان ، غير أن موضوعها مختلف نسبيا مقارنة بالدول المارقة الأخرى.

ازاحة نظام صدام عن طريق الحرب ثم الاحتلال كان الأسلوب الشائع حينها وحتى تولي الرئيس أوباما لولايته في القصر الأبيض ، وبصرف النظر عن المسوغات المعلنة وغير المعلنة التي سيقت لتلك الحرب فقد كانت عملية سيئة الاعداد والتنفيذ عسكريا باعتراف وزير الدفاع حينها دونالد رامسفيلد. فالحرب على العراق ثم احتلاله كانت أكثر الحروب تكلفة في التاريخ الأمريكي ماديا وسياسيا وأخلاقيا ، ومن المبكر، وربما من المستحيل حصر آثارها الاجتماعية والنفسية والصحية والبيئية على السلامة العامة للمجتمع العراقي ، أما حساب آثارها الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة فهي قيد الدرس والتقصي.

فعندما شنت العمليات الحربية ضد ليبيا نهاية آذار الماضي ، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 ، انهارت دفاعات القذافي خلال ساعات ، وتقطعت أوصال الدولة التي كدست من الأسلحة والعتاد الثقيل والخفيف على مدى أربعة عقود ما يكفي لتدمير القارة الأفريقية كلها. فبسبب قذائف السفن البحرية وطائرات دول التحالف الدولي تكسرت أجنحة الصقر الليبي ، وتهشمت عظامه ، واختفت جحافله ، وتلاشت سلطته عن أكثر المدن الليبية ، بعبارة أخرى تحقق في أسبوع من القصف الجوي المكثف ما لم تحققه بشهور في العراق أكثر من مائتا ألف من العسكريين المدججين بأحدث الأسلحة . ولولا أن هدف العمليات العسكرية الجارية الآن في ليبيا هو حماية المدنيين من قوات القذافي التي لا تعرف الرحمة ، لكان بالامكان ازاحة النظام وعزل قيادته أو القضاء عليها بنفس الزخم الذي سارت عليه عمليات القصف خلال الأسبوع الأول منها. لكن قوات التحالف لم تستهدف القذافي نفسه على ما يبدو كما أعلن أكثر من مرة ، فهي تتوقع أن يقوم الليبيون بذلك سواء عن طريق انقلاب من داخل جيشه ، أو بنتيجة زحف قوات التمرد نحو آخر معاقله واسقاطه. الحالة الليبية تثبت أن بامكان الصواريخ الموجهة عن بعد تحقيق الأهداف السياسية نفسها التي كانت الولايات المتحدة ستنجزها بالسبل الكلاسيكية عبرالغزو واحتلال الأراضي كما فعلت في العراق ، وقبلها في الفيتنام وبنما وجزيرة غرنادا وغيرها.

أسلوب كهذا الذي تتعامل به قوات التحالف منذ أسابيع في ليبيا ، كان سيحقق نجاحا مبكرا لو رافقته دبلوماسية ناعمة عبر وساطة ذوي النوايا الحميدة ، سواء كانت عبر الأمم المتحدة أو القوى الاقليمية مثل الاتحاد الأفريقي أو المؤتمر الاسلامي ، لايجاد حلول سياسية للمشكلة القائمة بين مسئولي النظام والمعارضة الليبية. وكخطوة أولى يجري أجبار أطراف النزاع على وقف القتال الفوري ، كضرورة انسانية لحماية المدنيين وارسال المساعدات اليهم ، ومعالجة الجرحى والمرضى الذين حوصروا داخل المدن او الذين أجبروا على هجرة بيوتهم ومدنهم. هذا هو السبيل الأفضل للوصول إلى السلام في ليبيا ، وبفضل ذلك وحده يتوقف نزيف الدماء وتوضع نهاية لهدرالمال العام والخاص. أما تورط جيوش الدول الأجنبية في هذا النزاع عبر قوات عسكرية برية فلن يساعد إلا بتوسيع رقعة الصراع لتشمل دولا مجاورة ، وعندها سيدفع بالمنطقة كلها إلى حافة الجحيم اذا لم يكن إلى الجحيم نفسه.

 


 

free web counter