| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

السبت 5/2/ 2011

 

العراق .. بعد تونس ومصر ... يرفع من الديوانية راية ثورته..

علي ألأسدي - البصرة  

"
إطلع للشوارع ، دوس فوك الخوف ... يمدوخ الدنيا سنين ، جا وينك..؟؟
شك ثوب الصبر، واطلع على الباكوك خذوا صوتك ، وباكوا فرحة اسنينك
"
                                                                           " الشاعر العراقي هاشم العقابي "

كان لتونس ، بن علي واحد ، وليلى طرابلسي واحدة ، أما في العراق فلنا منهما الكثير ، والمشكلة التي ستواجه رموز الفساد عندنا أن الهرب من عقابنا لن يكون بالسهولة التي حدثت في تونس ، اللهم الا أن يحزموا أمتعتهم اليوم قبل الغد ، ويشدوا الرحال إلى حيث قصورهم وحساباتهم المصرفية في لندن وباريس ودول الخليج ، كما فعل وزراء الكهرباء والدفاع والتجارة السابقون. شعوب تونس ومصر والأردن ربما تلقي القبض على سراق المال العام وتسلمهم للقضاء لمحاكمتهم ، أما شعبنا فلا يطيق المحاكم ولا أحكامها ، ولو تمكن من القبض على قتلة أبنائه من مسئولي النظام السابق لاقتص منهم في حينه دون محاكمة ، ولما سمح لهم أن يكذبوا طويلا على السذج أمام شاشات الفضائيات ، فقد كان له من الأدلة ما يكفي لادانة المذنبين. فهل يجهل ذلك جيل السياسيين الحاليين ، أم غاب عن أذهانهم ، كيف عاقب شعبنا حكامه الفاسدين في ثورة تموز 1958 .؟؟

الانتقادات الشعبية زادت في الأسابيع الأخيرة ضد الحكومة العراقية ، بسبب تردي المستوى المعيشي لملايين الناس بسبب تأخر توزيع ونقص وتردي مفردات البطاقة التموينية التي تعتمد عليها عدة ملايين من السكان الفقراء الذين تزداد معاناتهم يوما بعد يوم. فقد توقفت السلطات الحكومية عن توزيع بعض موادها منذ أشهر، ودعا سياسيون وناشطون ديمقراطيون في الأسابيع الأخيرة إلى محاسبة المقصرين بشأن تعطل توزيع مواد البطاقة التموينية، مطالبين بتوزيعها بشكل كامل ، وتقصي عن مصير الأموال التي رصدت لها سابقا. وما الاحتجاجات الأخيرة في الديوانية الا واحدة من علامات الغضب الشعبي من أداء الحكومة السيئ في مجال الخدمات ، وسوء الأحوال المعيشية. أما رد المسئولين باطلاق الرصاص الحي على الجماهير المحتجة فهو دليل على ضعف الحكومة وفزعها من الشعب ، فرياح الثورة قادمة نحو بلاد الرافدين لا محالة ، وستقذف بالحكومات الفاسدة الى مزابل التاريخ ، ولن يوقف زحفها الرصاص والقنابل المسيلة للدموع ، ولن تحميهم حينها الثروات التي سرقوها من الشعب.

الفساد المالي يثير أكثر من تساؤل حول تورط مسئولين كبارا في الدولة في الاختراقات الأمنية الجارية في البلاد التي ذهب ضحيتها المئات من الأبرياء العزل. ويقول المفتش العام الخاص باعادة بناء العراق ستيوارت بوين في تقريره الفصلي الاخير الى الحكومة الأمريكية ، انه ورغم ان التقدم يستمر في التحقق الا ان الفساد ونقص الكفاءة في تلبية متطلبات التموين وغياب التخطيط الواقعي، تهدد كلها بتقويض البنى التحتية والمعدات الامنية التي قُدمت للعراق من قبل القوات المتحالفة التي تقودها الولايات المتحدة. وطبقا للتقرير يبقى الفساد مشكلة رئيسية ضمن القوات الامنية وفي كل مكان آخر في الحكومة العراقية. وابتداء من الثلاثين من ايلول (سبتمبر) العام الماضي ارسلت لجنة النزاهة في العراق قضايا فساد مزعومة إلى المحاكم تتضمن ألفي متهم بقضايا تبلغ قيمتها 380 مليون دولار اميركي ، وان حصة وزارة الدفاع العراقية كانت الاكبر في عدد الموظفين الذين شملهم التحقيق القضائي تليها وزارة الداخلية. وقد تم اغتيال نحو 240 من القوى الامنية العراقية ومن موظفي الاستخبارات ، وحوالي 120 موظفا مدنيا حكوميا في الشهور الأخيرة ، دون أن تعلن الحكومة عن القاء القبض على الفاعلين ، أو الجهات التي تقف وراء تلك الاغتيالات. لقد ذكرالسيد ناظم الجبوري الخبير في شؤون تنظيم القاعدة "أن الاسباب التي تكمن وراء عودة القاعدة إلى المشهد العراقي وقوتها هو، التأخر في اقرار الوزارات الامنية وقادتها، وهذا التأخر جعل المؤسسات الامنية تعيش في حالة من التخبط والارباك، وانعكس هذا الارباك بصورة ايجابية في انتعاش القاعدة وعودتها بقوة محاولة فرض امر واقع على الساحة". واعرب الجبوري عن اعتقاده بان المؤسسات الامنية العراقية لن يكتب لها النجاح الكامل في حربها مع القاعدة ما لم تتوفر لها قاعدة استخباراتية من المواطن السني اولا، وخلق فرص تعاون معه، لانه بدون هذا التعاون لن تستطيع الوصول إلى المعلومة الحقيقية والتعامل معها في ظل جو عدم الثقة والتخوين والتخندق الذي تعيشه المؤسسات الامنية والمواطن اليوم. ودعا الجبوري ، الحكومة العراقية إلى أن تعيد حساباتها مع مشروع الصحوات ، الذي حاربته بعض الجهات واضعفته ، بدلا من أن تجعله رديفا استخباريا لها في معركتها مع القاعدة وفلولها".

أما سجل الحكومة في مجال الخدمات وخاصة الكهرباء فيجسد أبشع صور الفساد المالي والاهمال وسوء الادارة وانعدام الشعور بالمسئولية وغياب الوازع الوطني لدى قادتها ، جعل حرمان الناس من الكهرباء للسنة الثامنة على التوالي جريمة شنيعة ، يرتكبها المسئولون بوعي في كل ساعة بحق الشعب العراقي. حرمان الفقراء من النور والدفء أيام البرد ، أوالتبريد في حر الصيف ، أو حرمانهم من التواصل عبر الشاشة الصغيرة مع الشعوب الأخرى في مجالات الثقافة والعلوم والفنون الجميلة والتقدم التقني ليس كل شيئ ، فالحرمان من الكهرباء عرض ويعرض صحة الأطفال والشيوخ والمرضى إلى خطر الموت والاعاقة وصعوبة الحياة اليومية. فغياب الكهرباء يتعذر توفير الرعاية الصحية الضرورية للمرضى في البيت أو في المستشفيات ، ويتعذر للسبب نفسه توفير وحفظ الطعام والشراب والالتزام بمواعيد العمليات الجراحية ، والتعامل مع الحالات الطارئة كالولادة وحوادث الطرق ، وفي تلبية الضروريات للأطفال الرضع وذوي الاحتياجات الخاصة. هذا عدا انعكاساته السلبية على المستوى العلمي والتعليمي في الجامعات والمدارس ورياض الأطفال ، وما يسببه للأمهات متعددة الأطفال من متاعب بالغة الصعوبة.

الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية القصيرة والبعيدة المدى التي خلفتها وتخلفها مشكلة نقص الطاقة الكهربائية في البلاد يصعب حصرها وتقييمها ، كما لم يكن ممكنا تقييم الآثار التي ولدتها جرائم الهولوكوست التي ارتكبها النازيون ضد المدنيين اليهود العزل أثناء الحرب العالمية الثانية. الاختلاف بين الأثنين هو ، أن جرائم الهولوكوست موثقة ومعتمدة من جهات دولية ، ويعرف العالم أسماء وأعمار وأجناس وأعداد ضحاياها. أما عدد الضحايا من العراقيات والعراقيين الذين فقدوا حياتهم ، أو تعرضوا للأمراض والاعاقة الدائمة بسبب انعدام الطاقة الكهربائية فغير موثق بالطرق العلمية المعهودة ، وهو ما سيخدم المجرمين الحقيقيين عن هذه الجريمة الشنيعة ، لكن ذلك لن ينجيهم من عقاب الشعب القادم حتما. ومن واجب المنظمات الدولية والمحلية الوطنية في الوضع الراهن ، هو جمع الأدلة ومتابعة المسئولين عنها باهتمام وحرص قبل أن تختفي أرقام الضحايا من أرشيف المستشفيات. *

لم يواجه التونسيون الذين ثاروا على نظامهم قبل أسابيع ، واليمنيون والأردنيون والمصريون الذين يثورون الآن شيئا من هذا الذي نعانيه نحن في العراق ، فليس لهم أزمة في الكهرباء أو الوقود كالتي نواجهها منذ ثماني سنوات ، مع أنهم ليسوا منتجين للنفط كالعراق. لا توجد في البلدان المذكورة تلال قمامة تحيط ببيوتهم ومدارسهم كالتي تحيط ببيوتنا في بغداد العاصمة أحد أنظف وأجمل العواصم العربية قبل الاحتلال. قد يعتبر العراقيون الثورات التي تجري في بعض البلدان العربية ترفا ، لأن ما نعانيه من اهمال وكبت للحريات المدنية ، وتجاهل لحقوق المرأة والطفل والأرامل والأيتام والمعاقين والعاطلين عن العمل وكبار السن ممن لا معيل لهم هو أشد وأفظع مما يواجهونه هم. وربما يتساءل التونسيون والمصريون واليمنيون والأردنيون والجزائريون : ماذا تنتظر يا شعب العراق بعد كل هذا ، فليس لك ما تفقده لو ثرت على ما أنت فيه..؟؟

إن الرسالة التي تبعث بها ثورة الشعوب هذه الأيام للحكام الفاسدين والمستبدين ، هي " أن أوان الحساب قد ولى ، وأن القادم هو ساعة العقاب ، وعندها لن يستثنى أحدا "..؛؛


*
هناك شكوك بوجود تواطؤ مسبق بين مسئولين عراقيين ومسئولين في الحكومة الايرانية ، بوقف بناء محطات جديدة للكهرباء في العراق ، بانتظار استكمال بناء مفاعل بوشهر الايراني الذي ينتظر أن يبدأ بانتاج الطاقة الكهربائية قريبا ، وعندها سيصدر قسما منها للعراق كمورد مالي موثوق للجانب الايراني ). انه مجرد شكوك ، وما على القارئ العزيز إلا أن يستقصي بنفسه عن الحقيقة ، فربما هذا يفسر لنا اسباب عدم حل مشكلة الكهرباء في العراق خلال فترة الماضية.


 

 

free web counter