| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

السبت 5/9/ 2009

 

ظاهرة " البطالة المقنعة " في الحركة الشيوعية العراقية....؟؟

علي ألأسدي - البصرة

الحركة الشيوعية العراقية غير مستثناة من مواجهة ذات الظروف التي تمر بها الحركة الشيوعية في كل مكان من العالم مع اختلاف نسبي في قوة وشمولية آثارها على أساليب العمل وعلى فكر وقناعات وعلاقات قادتها مع مجتمعات بلدانها. إن انهيار المشروع الاشتراكي الذي بدأه لينين في روسيا ثم في الاتحاد السوفيتي وأوربا وإلى حد كبير في آسيا قد أصاب صميم الحركة الشيوعية العالمية ، ولم تتعافى من تأثيره حتى اللحظة ، ولا يبدو أنها ستتعافى منه في المستقبل المنظور. ومهما حاولت بعض الحركات الشيوعية في البلدان المختلفة أن تمتص الصدمة وتبقي على حالة التوازن لم تحقق إلا نجاحا محدودا بادئ الأمرتداعت بعده وتحولت إلى شظايا. ما يعني وفق البعض أن بقاء وديمومة أي حزب شيوعي اقترن بوجود النظام الاشتراكي وبالتحديد الاتحاد السوفيتي.

رغم أني لا أنفي أبدا تأثير الاتحاد السوفيتي على الحركة الشيوعية ، لكني لا اعتبر الاشتراكية وبعدها الشيوعية شأنا روسيا أو أوربيا شرقيا أو صينيا ، إنها طموح إنساني طبيعي تتطور نحوه البشرية لبناء نظام خال من الاستغلال يكرس خيراتها لتطوير متطلبات حياتها المادية والروحية. لقد نشأ هذا الطموح واتسع بعد أن تشكلت قوى من أفراده الواعين انضوت في حلقات ماركسية وأحزابا اشتراكية ديمقراطية وشيوعية ، اضطلعت بمهمات تنفيذ ذلك الطموح بوسائل أكثر فاعلية وتنظيما داخل مختلف البلدان لتتسع لتشمل العالم كله. لقد كانت كومونة باريس في فرنسا عام1871 تعبيرا عن ذلك الطموح الواعي ، وهي تجربة سبقت التجربة اللنينية وليست لها علاقة لا بلنين ولا بروسيا. هذا إضافة إلى أن أحزابا شيوعية وخلايا ماركسية قد تشكلت ونشطت في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا قبل قيام الاشتراكية في روسيا ، وأن الحزب الشيوعي في بلغاريا قد تأسس قبل قيام الاشتراكية في روسيا وحزبها الشيوعي بقيادة لنين.

في مقال للأستاذ الكاتب فؤاد النمري في الحوار المتمدن بتاريخ 31 / 8 /09 بعنوان " من هو الشيوعي الماركسي " ربط فيه بين وجود وبقاء الأحزاب الشيوعية في بلداننا بوجود الاتحاد السوفيتي بالذات ، وبغيابه ينتفي وجودها تماما. حيث قال نصا:

" بانهيار المشروع اللنيني توجب على الأحزاب الشيوعية التي استدعى المشروع تشكيلها أن تنحل وتختفي . مثل هذا الواجب أدركته بعض الأحزاب الشيوعية الصادقة مع نفسها فسارعت إلى تغييراسمها كدلالة على تغيير استنراتيجيتها الشيوعية لتتبنى استراتيجية بورجوازية قلباً وقالباً فأصبح اسمها " حزب الشعب " كما في فلسطين، و " حزب الشعب الديموقراطي " كما في سوريا وثمة فئات واسعة في الحزبين الشيوعيين في لبنان والعراق تضغط لمماثلة اسم الحزب بوظيفته الجديدة والتخلي عن اسم " الحزب الشيوعي " إلا أن الفريق المخادع فيهما كان ما زال يحوز على الأغلبية. "

الأستاذ النمري مناضل صلب ومدافع أمين لا يلين عن الماركسية وفلاسفتها التاريخيين ماركس وأنجلس ولنين و ستالين ، وله كل الحق في قناعاته تلك التي يؤمن بها وغير مستعد للمساومة حولها. أنا شخصيا أتابع بحرص كتاباته الغزيرة والثمينة وأقدر فيه عاليا هذا الاصرار على الرأي والمجاهرة به والدفاع والتبشير به بالرغم من مخالفة البعض وتحفظات البعض الآخر.

موضوع تغيير اسم الحزب الشيوعي العراقي شهد نقاشا في مؤتمرات الحزب بدءا من المؤتمر الخامس على ما أعرف فلم يكن لي شرف المساهمة في أي منها. ما أعرفه أن اسم الحزب قد طرح للنقاش في تلك المؤتمرات ورفض من قبل المشاركين بأكثرية ،و يتداول الآن بين بعض أعضاء الحزب مجددا موضوع تغيير الاسم تحت مبررات عدة منها أن المجتمع العراقي الراهن لم يعد يتقبل فلسفة الشيوعية بسبب تصاعد الوعي الديني بوتيرة لم يألفها نشاط الحزب حتى سبعينيات القرن الماضي ، هذا إضافة إلى انهيار النظام الاشتراكي وتداعي أحزابها التي تحولت هي الأخرى إلى أحزاب لا يجمعها جامع لا بالماركسية ولا بالشيوعية ويصعب تمييزها عن أحزاب البرجوازية الانتهازية في طموحها وفكرها وبرامجها الانتخابية. إن أكثرية جماهير الحزب مع بقاء اسم الحزب الشيوعي وهو خبر مفرح ، لأن ذلك يعني إصرار جمهور الشيوعيين العراقيين رغم محنهم الكثيرة على التمسك بالاشتراكية وفكرها وحزبها. لا ينفي هذا الواقع وجود أعضاء قياديين يشككون بالسر بدور لنين وتجربته التاريخية ببناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي متأثرين ربما بالاتجاهات الانتهازية لبعض الأحزاب الشيوعية السابقة.

إن الظاهرة الأخرى التي ميزت الحركة الشيوعية في العراق منذ انهيار مشروع لنين الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي وحتى قبل ذلك ، وعلى عكس ما حدث في بلدان عديدة ، هو تكاثر التجمعات الماركسية تحت عناوين مختلفة ، لكن قاسمها المشترك هو التمسك بالفكر الماركسي وبهدف الاشتراكية والسعي الحثيث لجذب اوسع الجماهير نحوه. وقد يستغرب كثيرون التعدد غير المسبوق لهذه التجمعات التي ينشط بعضها تحت اسم الحزب الشيوعي العراقي ، مدعية أن الحزب الشيوعي المشارك في العملية السياسية فاقد شرعيته ولا يمثل الشيوعيين العراقيين. فهناك في الساحة العراقية إضافة للحزب الشيوعي العراقي الذي يقوده الرفيق حميد مجيد البياتي توجد التشكيلات التالية :

1- الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي.

2- الحزب الشيوعي العمالي العراقي.

3- الحزب الشيوعي العراقي- اللجنة القيادية.

4- الحزب الشيوعي العر اقي – القيادة المركزية.

5- كتلة تصحيح المسار – الحزب الشيوعي العراقي.

6- تجمع الماركسيين اللنينيين الثوريين العراقيين.

7- تجمع الماركسيين اللنينيين الماويين الثوريين العراقي.

8- الحزب الشيوعي العراقي – اتحاد الشعب.

9- تجمع الماركسيين الثوريين العراقيين.

10- تجمع القوى اليسارية العراقية. هذا إضافة إلى الحزب الشيوعي الكوردستاني المنسلخ من الحزب الشيوعي العراقي بإرادة وموافقة الأخير، كما توجد منظمات يسارية كوردية تتبنى الماركسية.

أن هذه الظاهرة تعتبر مؤشرا على شعبية الفكر الماركسي ووجود قوى مستعدة لتحمل المسئولية والافصاح عن إيمانها بالفكر الماركسي في مجتمع يكفر حملة هذا الفكر وحيث شاعت في صفوفه ظاهرة الصراع الديني المذهبي الرجعي المعادي للفكر التقدمي عامة والماركسي خاصة.

لكن استمرار ظاهرة الانقسام في الحركة الشيوعية العراقية كما نشاهده الآن لن يحقق المشروع اللنيني بإقامة الاشتراكية في العراق في أي زمن في المستقبل ، لسبب واضح وبسيط هو الاختلاف البين في الرؤى وإن تشابهت المسميات ، فلا يوجد بينها جهد مشترك لهدف مشترك ضد عدو مشترك ، بل جهود مبعثرة وإهدار مبتذل للوقت ، وأجد نفسي مضطرا للقول بنتيجة مشاعر الإحباط والتذمر، بأن وجود هذا العدد من الحركات الشيوعية في العراق أشبه ما يكون " ببطالة مقنعة " يمكن بكل سهولة الاستغناء عنها دون أن تترك أثرا يذكر.

 


البصرة 5 / 09 / 2009



 

free web counter