| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأحد 3/1/ 2010

 

السيد نوري المالكي ... والفرص الضائعة....؛؛

علي ألأسدي - البصرة

موضوع المصالحة الوطنية مطروح منذ ستة أعوام أو أكثر ، دعت أليه أطراف عدة ، عراقية ، وعربية ، وأفريقية ، وأوربية ، وأمريكية. واستقبلت بغداد وفودا من الجامعة العربية ، وعقدت بناء عليها مؤتمرات في مصرعلى أن تستكمل في بغداد بناء على رغبة العراق ، لكنها لم تستكمل. وكانت لجنة مساعي حميدة قد عادت أدراجها إلى بلدانها دون أن تحقق نجاحا بعد زيارة قامت بها للعراق ، كانت اللجنة بقيادة القس زكموند توتو ممثل جمهورية اتحاد جنوب أفريقيا ، وبعض قيادي حركة المقاومة لأيرلندة الشمالية. وبادرت تركيا أخيرا بابداء استعدادها للقيام بنفس المهمة ، وعقدت جولة مفاوضات في أنقرة دعي إليها شخصيات سياسية لم نعرف منهم غير السيد مقتدى الصدر، لكن المبادرة انتهت كسابقاتها قبل أن تبدأ.

قد يكون من المناسب هنا التذكير ببعض تجارب المصالحة الوطنية التي تكللت بالنجاح بين حكومات وحركات مقاومة مسلحة في كثير من دول العالم. فقد توصل ثوار الساندينستا في نيغارغوا بامريكا الوسطى عن طريق التفاوض إلى السلام في بلادهم قبل عقدين من السنين، وتوقف الصراع بعد أن احتكموا إلى صناديق الانتخاب. كما نجحت المفاوضات بين حكومة البيض العنصرية في اتحاد جنوب أفريقيا مع حركة الكفاح المسلح المناهضة لها، وتحقق نتيجتها التعايش السلمي ويساهم الجميع الآن في بناء اقتصاد البلاد. و جلس البريطانيون مع ممثلي الجيش الجمهوري المعارض في أيرلندا الشمالية ، وعن طريق المفاوضات وحدها تحقق السلام الذي افتقدته بريطانيا لعقود رغم جبروت قوتها العسكرية. ونفس الطريق سلكه النظام السابق بجلوسه للتفاوض مع الحركة الكردية المسلحة.

فما الذي يمنع الحكومة العراقية من السيرعلى ذات الطريق الذي حقق لشعوب كثيرة الأمن والسلام ، ووفرالمال والأرواح التي كانت ستذهب هباء فيما لو استمرت الصراعات والعنف دون توقف؟

الموقف الرسمي من المصالحة الوطنية عبر عنه لأول مرة السيد المالكي خلال زيارته لمدينة كربلاء في بداية تسلمه مسئولية رئاسة الحكومة ، ثم عاد وكرره في النصف الثاني من العام الماضي ، عندما أعلن عن رغبته في التفاوض مع البعثيين ، لكنه تراجع عن ذلك بعد فترة قصيرة دون ذكر الأسباب المقنعة لتغيير رأيه. ومنذ تفجيرات الأربعاء الدامية في بغداد بدأ المالكي حملة تشهير بالبعثيين معتبرا أن التفجيرات قد تم التخطيط لها من قبل قيادات بعثية في سوريا ، وبدا بأن ملف المصالحة قد أغلق نهائيا. لكن أخبارا نقلتها وكالات أنباء مختلفة عن إطلاق سراح بعض قادة عصائب أهل الحق الارهابية ، قد كشف عن ازدواجية في مواقف الحكومة العراقية من ملف المصالحة الوطنية.

الآن فقط علمنا أن ممثلين عن الحكومة العراقية تفاوض جماعة إرهابية لا سياسية هي عصائب أهل الحق ، تابعة لجيش المهدي بزعامة السيد مقتدى الصدر الذي يتلقى الدعم المباشر من ايران، وقد تم الاتفاق معها على صفقة لم تخطر ببال ، تلتزم الحكومة بموجبها باطلاق سراح المئات من عتاة المجرمين من اعضائها الذين لا يمكن حصر جرائمهم الشنيعة ضد الأبرياء ، وذلك مقابل الكشف عن مصير خمسة رهائن بريطانيين تم اختطافهم وقتل أربعة منهم دون ذنب ، بعد أن احتجزوا لأكثر من عامين. إن التفاوض مع مثل هذه المنظمة يعني أن ليس للحكومة العراقية أي تحفظات للجلوس مع المنظمات المتمردة على السلطة والقانون سياسية كانت أو لا سياسية تمتهن الجريمة المنظمة. وإننا إذ نشير لذلك لنؤكد أن رفض التفاوض خلال السنين الستة الماضية مع الخصوم السياسيين كان خطأ فادحا، وكان يمكن لو حصل لجنب شعبنا المزيد من الضحايا البريئة ولفتح أمام العراق طريق السلام والتنمية والتقدم الاقتصادي.

لكن الحكومة العراقية برغم ذلك ما زالت مصرة على اعتماد طريق القوة لتحجيم الخصوم في المعارضة المسلحة وهزيمتهم ، و مع أن الحكومة قد حققت بعض النجاح النسبي في ستراتيجيتها الحالية ، لكنها لم تحسم الصراع لصالحها. ومن منطلق المصلحة الوطنية يكون من الضروري ترك الباب مفتوحا للمبادرات الدولية والاقليمية والمحلية الهادفة لمد الجسور بين الحكومة وبين ممثلي أطراف المقاومة المسلحة بحثا عن حلول ترضي جميع الأطراف ، وتضع حدا للنشاطات المسلحة،والاحتكام بدلا عن ذلك إلى صناديق الانتخاب والسبل الديمقراطية في صراع الأفكار. ويكون من الضروري والمناسب إشراك الكتل السياسية ممن هم خارج الائتلاف الشيعي والكردستاني الممثلين بكتلة التوافق العراقية والقائمة العراقية للمشاركة والمساعدة في جهود المصالحة العراقية / العراقية. أما لماذا لم تعط الحكومة العراقية الضوء الأخضر لمبادرات المساعي الحميدة التي أبدتها مجموعات دولية وإقليمية في السنين الماضية ، فيعود إلى على الأكثر إلى الشعور الزائد بالقوة والغرور، وإلى الخشية من اتهامها بالضعف والتهافت دون أن يكون في جعبتها رصيد كاف من النجاح في الأداء. والأهم من ذلك كله هو احتكارها للسلطة والثروة الذي تحرص أن لا يتعرض للتقييد والتقنين. لكن الموافقة على التفاوض بحد ذاتها تعتبر دليل قوة وثقة عالية بالنفس،إضافة إلى كونها الطريق الأقصر والأقل تكلفة لمعالجة الحالة الراهنة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ، وأن احتكار السلطة لا يمكن أن يستمر طويلا ، لأنه يجافي حقائق التاريخ ، وقبل كل شيئ دروس الماضي القريب..

إن السيد نوري المالكي سينهي خلال شهور ولايته كرئيس للوزراء ، وينهي معها فرصا عديدة سنحت له ، لم يستفد منها كما ينبغي ، لتحقيق المصالحة الوطنية التي لو نجحت لغيرت مسار الأحداث، ووضعت العراق على طريق السلام والتقدم الذي يتيح لجميع مواطنيه من دون تمييز المشاركة في بنائه وتقدمه.
 


البصرة 3 / 1 / 2010







 

free web counter