| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الثلاثاء 31/3/ 2009



على ضوء " قمة 20 " في لندن

الرأسمالية لم تعد تجدي ... نريد فرص عمل لا قنابل..؛؛

علي الأسدي - البصرة

اجتاحت شوارع أهم العواصم في الدول الرأسمالية منذ السبت 29 مارس الجاري المسيرات الشعبية رافعة مطالبها لقادة البلدان الأغنى في العالم المشاركة في " قمة 20 " التي ستنعقد في لندن الأربعاء القادم. يشارك بتلك المسيرات عشرات وربما مئات الآلاف من الجماهير الشعبية التي تضم ممثلي فئات الشعب من العمال والفلاحين والطلاب والشباب نساء ورجالا من مختلف الطبقات الاجتماعية. ويشارك فيها أيضا ممثلون رسميون عن الاتحادات العمالية والنقابية والنسائية وأعضاء في البرلمان وسياسيون من الأحزاب السياسية ومنظمات حماية البيئة وقدماء المحاربين والكثير من ممثلي منظمات المجتمع المدني الآخرين.
للمرة الأولى في تاريخ القمم التي اعتادت على عقدها الدول الرأسمالية يتوجه قادتها إلى المشاركين في تلك المسيرات الحاشدة مبدين لها استعداهم للعمل على حل المشكلات الراهنة التي تشغلهم والتي دفعتهم للخروج إلى الشوارع والساحات لإسماع أصواتهم وإعلان مطالبهم.

فقد صرح السيد غوردون براون زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا الذي سيستضيف المؤتمر يومي الأول و الثاني من أبريل القادم قائلا :
"انني أتفهم لماذا يتظاهر الناس في بريطانيا ، نحن سنستمع إلى المتظاهرين وسنتخذ الخطوات التي ستخلق فرصا للعمل في المجالات الاقتصادية المختلفة سعيا لتحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق النمو المضطرد"
وأثناء زيارته إلى النمسا ، عقد نائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن مؤتمرا صحفيا خاطب فيه المتظاهرين طالبا منهم منح الفرصة " لمؤتمر قمة 20 " للعمل من أجل معالجة الأزمة التي تعصف بالاقتصاد العالمي"

إنها ظاهرة ملفتة للنظر أن يتوجه القادة إلى المتظاهرين والطلب إليهم أن يمنحوهم الفرص للوصول إلى حلول للمشاكل التي تواجه اقتصاديات بلدانهم ، ما يعني إن الحكومات المشاركة في القمة تسعى جاهدة للتخفيف من الاحتقان السائد في المجتمع الذي لو تصاعد إلى مستويات أعلى فإنه قد يهدد السلام الأهلي ويعرقل مساع مزعومة لوقف الانكماش الاقتصادي الذي تتزايد وتيرة اتساعه بشكل خطير مما يهدد بدخول الاقتصاد الرأسمالي أسوء أزماته منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

وبصرف النظر عن صحة وسلامة الإجراءات التي تقوم بها الحكومات الرأسمالية في هذا الشأن ، فإن تبادل الرأي مع الجماهير الشعبية وسماع شكاواها ومطالبها ، هو سمة إيجابية ميزت الأجواء الحالية في الدول الرأسمالية بالمقارنة مع ما كان يسود إبان أزمات اقتصادية سابقة ، عندما كانت لغة الصدام والقطيعة هي السائدة. إن لغة السيد براون وكذلك السيد جو بايدن ووعودهما " الخيرة " لا تعني أبدا أنهما سيتمكنان ، فالعولمة التي بشروا هم بأوهامهم عنها في السنين الماضية قد أطلقت العنان للرأسمال الذي فاقت وحشيته كل المخاوف ، وأصبح تبعا لذلك خارج السيطرة التي تقودهم سريعا نحو الهاوية التي يحاولون اليوم الخروج منها بأقل قدر من العار.

لقد دفع جموح الرأسماليين للربح بأي ثمن إلى نقل نشاطهم إلى " واحات " الأجور الواطئة لما وراء الحدود القومية إلى الصين والهند والعديد من دول جنوب شرقي أسيا الأخرى وبعض دول اوربا الشرقية والمكسيك حيث لا إجراءات ولا قيود على عبودية واستغلال قوى العمل. وبرغم علم السيد براون وغيره من قادة الدول الرأسمالية بالاستغلال الفظيع والفساد الذي يمارس في تلك الواحات من قبل رأسمالييهم البارعين لم يتخذوا أي إجراء للضغط عليهم وإلزامهم بالمعايير السائدة عالميا الضامنة لحقوق العمال ما دامت السلطات المسئولة فيها لم تبد اعتراضا على ما يمارس من استغلال وتجاهل لحقوق مواطنيهم. ويعرف السيد براون جيدا وزملاءه كذلك في " قمة 20 " أن مديري الشركات العاملة وراء الحدود يتقاضون دخولا تبلغ 40000 ألف دولارا في الساعة إكراما لبراعتهم في تحقيق الأرباح بأقل تكلفة ممكنة على حساب قوى العمل هناك.

في تعليق له على التحضيرات الجارية لمؤتمر" قمة 20 "، حذر البليونير الأمريكي الهنغاري الأصول السيد جورج سوروس قائلا :
" إذا لم يعمل المشاركون في هذا المؤتمر شيئا للدول النامية ، فإن كارثة في طريقها للوقوع في ذلك الجزء من العالم ،
لكن هل يصغي أغنياء العالم المزمع اجتماعهم في لندن إلى نداء السيد سوروس أو إلى 80 % من سكان العالم التي يلفها الفقر والفاقة والجهل والحرمان؟

إن البليونير الأمريكي الذي تبرع بأكثر من ستة بلايين دولار من ثروته كمساعدات لجهات خيرية في القارة الأفريقية ، ربما يكون أقرب إلى قلوب البلدان النامية من أولئك الذين سيجتمعون في لندن الأسبوع القادم. فأولئك سيبحثون شؤون البنوك والكيفية التي يعيدون لها أموالها التي خسرتها نتيجة سوء الإدارة والتلاعب بمدخرات الناس وأملاكهم ، وكيفية إعادة الثقة إلى النظام الرأسمالي الذي بدت واضحة علامات ترنحه إثر الأزمة المالية الأخيرة. وسيبحثون عن الجمل البلاغية ذات التأثير في الجماهير التي ما تزال مؤمنة بوهم خلود النظام الرأسمالي وقدراته الخارقة على الخروج من الأزمات قبل السقوط في أخرى ، وسيبحثون أيضا في صياغة وعود سخية لزيادة فرص العمل و بتقديم مساعدات للدول النامية لن تأخذ طريقها إليها أبدا ، وسوف يشيروا أيضا إلى رغبة دولهم بتحسين سجلهم في حماية البيئة والبحث عن بدائل للطاقة أكثر أمنا وأقل تكلفة.

هناك قسمة عادلة للثروة والدخل من منظور قادة الدول المزمع اجتماعهم في لندن يوم 1 و 2 ابريل الجاري ، ومهما سيتخذون من خطوات لوقف الانكماش الاقتصادي فإنهم لن يحاولوا تغيير واقعها الحالي. وهي أن الأكثر ثراء في العالم والذين لا تتجاوز نسبتهم فيه عن 20 % ، تستحوذ على 84،7 % من الناتج الإجمالي للعالم ، وعلى 84،2 % من التجارة الدولية ، ويمتلك سكانها 85،5 % من مجموع مدخرات العالم. ومنذ عام 1960 من القرن الماضي تضاعفت الهوة بين هذا الخمس الأغنى وبقية الدول الأفقر في العالم. وهذا دليل ليس على فشل سياسات الدول الغنية في تضييق الهوة بينها وبين بقية العالم ، وإنما عن إصرار على إصرارها للإبقاء على الواقع الحالي لاستنزاف جهد وثروات الدول الفقيرة لصالحها ، وهي رغبة إمبريالية ثابته غير خافية على أحد. ويثبت هذا الواقع أيضا ضآلة وعدم جدية وفشل مساعدات التنمية التي كانت تبشر بالإنصاف والعدالة ، وهو ما سيتكرر في البيان الختامي للمؤتمر العتيد في لندن.

لقد ساور الاضطراب والشك قناعات رؤساء دول وحكومات عديدة في العالم بأهلية وكفاءة النظام الرأسمالي القائم على الحرية الاقتصادية ، ولم تعد التحولات الاقتصادية التي تتبعها دولا عديدة مثل فنزويلا ونيغاراغوا والسلفادور وغيرها التي ابتعدت بها عن نظام السوق أمرا غير عادي في أيامنا هذه ، ولا يستبعد أن تخرج دولا أخرى عن الطوق الرأسمالي وتعلن نهجا اشتراكيا أو نموذجا وسطا بين هذا ونظام السوق.

لقد صرح أخيرا الرئيس البرازيلي لويز ناسيو لولا قائلا : " نحن نرفض الإيمان الأعمى بنظام السوق ". لكنه لم يحدد بدائله وسبل تجاوزه المشكلات الناتجة عن نظام السوق الحرة الذي يتحكم باقتصاد بلاده.

أن تصريحا مثل هذا لو كان قد حدث في ثمانينيات القرن الماضي لكان أتهم قائله بالشيوعية ولاستحق بسبب ذلك انتقام جيرانه في الشطر الشمالي من القارة ، ولنال جزاءه كعدو للعالم الحر. لقد تغير العالم كثيرا ، وأن الكثير من التغيرات الإيجابية في النظم الاقتصادية القائمة لا شك في طريقها للظهور لتلعب دورها في صياغة نظام اقتصادي جديد أكثر عدلا ، و لهذا السبب لا ينبغي السماح لمزيد من التشاؤم حول مستقبل العالم بعد السقوط المدوي لتجارب الاشتراكية في ثمانينيات القرن الماضي. فالرأسمالية تخسر معركتها مع الحياة في أقوى حصونها وهي الولايات المتحدة الأمريكية ، فقدرة هذه على التجديد والاستمرار قد وصلت طريق النهاية. وفق مكتب الإحصاء الأمريكي الحكومي ، إن عدد الفقراء تحت خط الفقر في أمريكا يبلغ 36.5 مليون مواطن ، أي واحد من كل ثمانية من الأمريكيين ، وأن 47 مليون مواطن محرومون من أي ضمان صحي. إن الولايات المتحدة مدينة ب 44 تريليون دولار ، أي حوالي أربعة أضعاف مجمل إنتاجها القومي.


فها هو أدوارد لوتوك الاقتصادي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية Center for Stratigic and International Studies وهو واحد من المراكز المحافظة في واشنطن ، يتحول من واحد من أكبر دعاة الحرب الباردة في ما سلف إلى واحد من منتقدي التوجه إلا قتصادي الجديد شدة. فهو يرى أن ما تفرزه الرأسمالية بشكلها الحالي هو في واقع الحال " نكتة خبيثة : فما كان يزعمه الماركسيون قبل مائة عام من مزاعم كانت خاطئة كلية آنذاك ، أضحى الآن حقيقة. فالرأسماليون يزدادون ثراء والطبقة العاملة تزداد فقرا ، وأن المنافسة المعولمة تطحن الناس طحنا وتدمر التماسك الاجتماعي.(**)

إن بزوغ عصر جديد أمر لا مفر منه ، والخيار الاشتراكي بديل يحظى بقدر متزايد من التأييد والقبول من قبل فئات لم تكن تدرك قبل الآن أن النظام الرأسمالي يخلي الساحة لنظام جديد. إن القمم التي يتوالى انعقادها بين حين وآخر في عواصم الدول الرأسمالية ترميمية فحسب ، أما العلاج الشافي من التشوهات التي تنهك النظام الرأسمالي فهو الانتقال إلى نظام اقتصادي واجتماعي جديد يضمن العدالة للجميع في توزيع الثروة والدخل ، وأن النظام البديل سيكون اشتراكيا بلا منازع.
إن المسيرات التي انطلقت في عواصم عديدة في أوربا وأمريكا منذ أيام وستستمر أثناء مؤتمر لندن لقمة الدول الأغنى في العالم ، قد عبرت بوضوح عن قناعتها بالشعار المرفوع على نطاق واسع :
" الرأسمالية لم تعد تجدي ... نريد عملا لا قنابل...؛؛
 

البصرة 30 /3 /2009

(*) عن مقابلة أجراها معه مراسل محطة بي بي سي البريطانية في 28 مارس الجاري السيد جو لينام.
(*) هانس بيتر مارتين وهارالد شومان – " فخ العولمة " ترجمة د. عدنان عباس ، عالم المعرفة الكويت ، 1998 ص. 70
(**) نفس المصدر ص 225
 

free web counter