| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

السبت 30/5/ 2009

 

البعثيون و المصالحة الوطنية ...؛؛

علي ألأسدي - البصرة

لقد مضت أكثر من ثلاثة أعوام على بدء الحديث عن المصالحة الوطنية ، وعقد أكثر من مؤتمر شاركت فيه أطراف عدة بعضها ذي علاقة بالمعارضة داخل وخار ج العراق ، كما جرت عدة لقاءات مع أطراف وسيطة كان الغرض منها تحديد الأطراف المعنية بالمصالحة والموضوعات ذات الصلة بالاختلاف والتلاقي. لقد استبشرت الأوساط الشعبية والمنظمات الإقليمية والدولية بما يمكن أن تنتهي إليه تلك الجهود في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين المصنفين ضمن المعارضة السياسية والمسلحة وبين ممثلي السلطة السياسية وبالتحديد أحزاب الإتلاف الشيعية. لقد كان الغرض من ذلك الحراك وضع حد لحالة التوتر التي ميزت العلاقات و الأجواء السياسية الداخلية. وبرغم مضي فترة طويلة نسبيا فإن تلك الجهود لم تتمخض عن أي شيء ، فقد ضيعت فرص كثيرة كان يمكن أن تبنى خلالها أواصر الثقة بين الفرقاء ، تمهيدا للدخول في مفاوضات جادة تجعل من الممكن التطلع إلى مستقبل مشرق للمجتمع العراقي بعد العتمة التي خيمت على حياته خلال فترة ما بعد الاحتلال عام 2003.

من الصعوبة بمكان تحميل أي طرف مسئولية الفشل في الوصول إلى توافق أولي من أي نوع ، يمهد لجلوس الأطراف ذات المواقف المتباينة حول مائدة مستديرة أو خلال وسطاء متفق عليهم. لقد تحدث رئيس الوزراء أكثر من مرة عن المصالحة الوطنية ، لكنه لم يحدد من هي الأطراف التي يروم التصالح أو التي يدعو للحوار معها ، ولذا انتهت كغيرها من التصريحات كحرث في رمال متحركة. لقد بدا دون لبس أن رئيس الوزراء يفتقد الجرأة للخوض في موضوع المصالحة الوطنية ، ولعله يبالغ في خشيته من الوقوع في أزمة مع بقية قيادة حزبه. لقد تجرأ مرة فذكر البعثيون بالاسم كقوة يروم التحدث إليها ، لكنه بعد أيام تحدث بالضد من ذلك واستبعدهم من موضوع مصالحته إرضاء لشركائه في التحالف من المجلس الأعلى ، وهو بهذا يكون قد أغلق ملف المصالحة إلى أجل غير مسمى. إن مفتاح المصالحة رغب المالكي وحلفائه أم لم يرغب هي بيد البعثيين السياسيين منهم والعسكريين ، ونكران هذا هو مجافاة للواقع والحقيقة. وإن الإصرار على تجاهلهم والعمل وكأنهم غير موجودون لا يغير من الواقع المرير الحالي قيد أنملة ، مما يجعل الاستقرار النسبي الذي يسود الحالة الأمنية الراهنة معرضا للتمزق في أي لحظة.

البعثيون يشكلون الحاضنة الأوسع للمعارضة المسلحة ، وليس ذلك سرا، وإذا ما استبعدت المنظمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة من أي مفاوضات تخص المصالحة الوطنية ، فإن التحدث إلى البعث كحزب سياسي لا يعتبر في رأي دليل ضعف من جانب الحكومة ، آخذين في الاعتبار شرط التزامه النشاط السياسي وفق القوانين والأنظمة ووفق دستور البلاد. لا يلغي هذا حقوق جماهير الشعب في الاقتصاص ممن ارتكب منهم جرائم بحق أبنائه وبناته في أي فترة زمنية من إدارتهم للحكم منذ 1963 وحتى الساعة إلا إذا تقرر العفو عنهم بإرادة شعبية. ما عدا ذلك لا أجد أي مانع من الحوار معهم باعتبارهم طرفا في الأزمة السياسية الراهنة، وقيام الحكومة بذلك ونجاحها في دمجهم في العمل السياسي السلمي يعتبر انعطافة تاريخية في الجهود الرامية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية. دخول حزب البعث المعترك السياسي جنبا لجنب مع بقية القوى السياسية المعارضة ضمن النظام الديمقراطي الحالي تضعه في حلبة المنافسة جنبا لجنب مع قوى سياسية اختارت ممارسة حق معارضة الحكومة. فهناك قوى سياسية موجودة بالفعل وتمارس حقها في مجلس النواب والمحافل السياسية الأخرى. فالصدريون يخوضون نشاطا معارضا سياسيا ، والكتلة العراقية لها أكثر من موقف معارض لسياسة الحكومة وكذلك حزب الفضيلة ، وأطرافا في جبهة التوافق مشاركة في الحكومة هي الأخرى لا تخفي معارضتها للكثير من سياساتها ، وحتى التحالف الكردستاني يجاهر بمعارضته لبعض سياسات الحكومة مع أنه جزء منها. لكن كل هذا يعتمد على النوايا الحسنة لكلا الجانبين ، وإذا ما نجحت أي مفاوضات مستقبلية في تطبيع العلاقات مع ذلك الحزب ، فسيساعد ذلك في استقرار الوضع السياسي وفي استتباب الأمن في البلاد، وهما شرطان أساسيان لمباشرة عملية التنمية الاقتصادية وتشجيع رؤوس الأموال العربية والأجنبية للتدفق للمساهمة في مشاريع إعمار الوطن الذي أنهكته الصراعات والحروب والتفجيرات.

لكن ينبغي على قيادات حزب البعث أن تتذكر جيدا ، فما سببته سياساتها الديكتاتورية وما اقترف من جرائم التطهير العرقي والطائفي والتمييز والإقصاء ضد المنافسين السياسين ما زالت حية في الذاكرة ، وليس من السهل نسيانها ، وسيظل المكتوون بآلامها يتذكرون تلك الحقبة من تاريخهم ، وسيظلون لفترة طويلة في المستقبل موضع عدم ثقة وشك ، وهذا ما لا تستطيع أية قوة حكومية وقفه أو إلغائه ، وسلوكهم وأعمالهم هي الوحيدة الكفيلة بتغيير الصورة القاتمة عن ماضيهم الملطخ بالدماء. و لهذا فإن نجاح أية مفاوضات مستقبلية مع حزب البعث لدفعه للعمل السياسي السلمي ، تظل من أعقد المهمات التي ستواجه الحكومة إذا ما قررت التحدث إلى قياداته ، يمكن بعده رسم خريطة الطريق المفضية إلى السلام والتنمية الاقتصادية. وبفضل ذلك وحده يستعيد العراق موقعه الزاهر بين الأمم المتحضرة ، ويبني علاقات الصداقة والاحترام المتبادل مع جيرانه في المنطقة وفي العالم ، ويتخلص وإلى الأبد من إرث الماضي وأحزانه وفواجعه ، وعندها يحق لشعبنا أن يفخر بأبنائه ويفتح ذراعيه وأحضانه لهم أينما كانوا في أرجاء المعمورة التي توزعوا عليها مرغمين لا راغبين ليعودوا إلى خدمة وطنهم وإعلاء شأنه.


البصرة 30 / 5 / 2009



 

free web counter