| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الأربعاء 2/3/ 2011

 

المرجعيات الدينية العراقية .. خيبت آمال الشعب..؛

علي ألأسدي - البصرة  

ربما ليست هي المرة الأولى التي تديرالمراجع الدينية ظهرها للمستضعفين من أبناء بلاد الرافدين فتتركهم يواجهون الرصاص الحي وخراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع ، وهراوات مرتزقة الجيش والشرطة والأمن ،عندما تظاهروا في شوارع وساحات المدن العراقية كلها مطالبين حكومتهم باحترام حقوقهم في العيش الكريم. أنها صورة مصغرة ، لكنها ليست أقل قتامة ومأساوية من صورة أهل الكوفة وهم يخذلون الامام الحسين ( ع ) أربعة عشر قرنا مضت، عندما تركوه وحيدا هو وأفراد أهل بيته ، لتفتك بهم وتمزق أجسادهم الطاهرة سهام ورماح جيش يزيد الأموي ، بعد أن حرموهم من الغذاء والماء. ماذا نقول أمام مشهد ما حدث ذلك اليوم في ساحة التحرير وسط بغداد ، ومدنا عراقية أخرى؟

لقد أعيد مشهد واقعة الطف في يوم جمعة الغضب ، لا تمثيلا كما يفعل الشيعة في يوم العاشر من محرم بما يسمى " بالتشابيه " بل حيا وأمام أنظار العالم وسمعه ،عندما أرسلت حكومة تدين بالولاء للمراجع الدينية في النجف وكربلاء وبغداد وقم ، قوات شرطتها وأمنها وجيشها لتحاصر المتظاهرين العزل فترش عليهم الرصاص الحي، فتصيب العشرات من الناس بجراح بعضها خطيرة. لم يكن هدف المتظاهرين التخريب أو الارهاب ، ليسوا من التكفيريين ، ولا من المعتوهين المتخلفين عقليا أو المغرر بهم ، لم يرفع شعارات دينية أو مذهبية أو طائفية ، لم ، لم لم. سقط منهم قتلى وجرحى ، ولم يكن في المكان الذي تحيط به الشرطة والجيش من كل مكان مركزا طبيا واحدا لاسعاف الجرحى عند الضرورة ، فهل حدث هذا صدفة؟ بالطبع لا ، انما ايغالا في الحقد ، وتعبيرا عن الكراهية للآخر الذي أثبت انه أعزلا ومسالما ، ولا نية له غير خدمة العراق.

وكما في مأساة الحسين منع عن جرحى ساحة التحرير المحاصرة الماء والغذاء والدواء ، ولم يتح لسيارات الاسعاف من الوصول للجرحى لنجدتهم. وبينما كان المتظاهرون يتساقطون في ساحة التحرير كان محافظ بغداد ومسئولون آخرون من حزب الدعوة الحاكم يراقبون باستخفاف من شرفة قريبة شبابا يبذلون المستحيل لتقديم العون لجرحاهم. لم يحاول أولئك المسئولون بذل أي جهد للاتصال بمراكز الاسعاف الطبي ، بينما كانوا مشغولون بتوجيه قوات الشرطة لغلق المنافذ أمام الجماهير ومنعها من الخروج من ساحة التحرير ، متلذذين برؤية شبابا بعمر الزهور مضرجين بالدماء. مشهدا لا يماثله غير استهتار جيش يزيد بمأساة الحسين يوم العاشر من محرم ، ويمكن بعد هذا ، الحكم على حقيقة من يفترض بهم حماة الشعب وسور الوطن. وبينما كانت عائلات الشهداء تواري أبناءها الثرى الذين قتلوا على أيدي رجال الأمن قدم السيد نوري المالكي شكره لأفراد القوات المسلحة الذين كما قال:

" حافظوا على الأمن والهدوء برباطة جأش وصبر، ومارسوا دورهم الحضاري في حماية المواطنين وفق الأسس الدستورية".

قتل الناس الأبرياء العزل وقمعهم ليس حضارة يا حضرة القائد العام للقوات المسلحة ، لا في القرون الوسطى ولا قبلها ولا بعدها ، إلا في مفهومكم للحضارة وللدستور، ولا نعلم أية مادة دستورية أجازت الطلب لرجال الأمن بقتل الشباب العزل أثناء تعبيرهم عن مطالبهم في تجمع عام. والمؤسف أن سفك الدماء البريئة قد تم أمام أنظار ومسامع المراجع الدينية وصمتها. أسلوب لم يمارسه جنود الاحتلال الاسرائيلي مع ألد أعدائهم من الفلسطينيين ، فقد قدموا العلاج للجرحى الذين يقعون في أسرهم إبان صراعهم الدموي معهم ، بل كانت سيارات الاسعاف تهرع اليهم لنقلهم للمستشفيات ، وتقديم العناية اللازمة بصرف النظر عن مشاعر العداء المتبادل بينهما.

المراجع الدينية الشيعية والسنية كشفت عن حقيقة مواقفها من حقوق المظلومين والفقراء ، عندما أصدرت بيانا مشتركا طالبت فيه أبناء الشعب بعدم المشاركة في مظاهرات الاحتجاج في 25 شباط. فقد توحدت ارادتهما بعيدا عن كل الخلافات التي ميزت علاقاتهم عبر القرون الأربعة عشر الماضية ، لا ضد الفساد المالي ، ولاضد الجوع الذي يعاني منه أكثر من نصف المجتمع العراقي ، ولا ضد التلاعب بمفردات البطاقة التموينية التي تسرق جهارا من قبل المسئولين ، فقد سكتوا عن كل تلك الموبقات ، لكنهم وقفوا موحدين لمنع الشعب عن التعبير عن مطالبه ، ومعاقبته إن لم يستجب لأمرهم. وهكذا خذلوا الفقراء والمعوزين ، وصمتوا صمت القبور عن نقص الخدمات البلدية المفقودة منذ ثماني سنوات ، وعن هدر المال العام الذي يزيد الفقراء فقرا ، والأثرياء ثراء وفسادا على حساب جوع الملايين من الرجال والنساء والأطفال.منع الحكومة للتظاهر لم يكن دستوريا ، فقد ضمن الدستور العراقي للشعب "حرية التجمع و التظاهر السلمي" ، كما أن قيامها بممارسة القمع ضد المتظاهرين المسالمين قد شكل خرقا فظا آخر للدستورالعراقي وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، وهذا ما عبر عنه بيان منظمة هيومن رايتس ووتش أخيرا. فعلى إثر تعامل الحكومة الفظ مع احتجاجات الجمهور العراقي خلال الأسابيع الأخيرة طالبت المنظمة : " بمقاضاة المسئولين عن استخدام القوات الحكومية الرصاص الحي الذي ذهب ضحيته عددا من المتظاهرين المسالمين ". كما أشارت إلى:

" أنه بعد ثماني سنوات من الغزو الأميركي للعراق تتدهور الحياة فيه بالنسبة إلى النساء والأقليات ، بينما الصحافيون والمحتجزون يواجهون انتهاكات حقوقية جسيمة وحيث يقف العراق اليوم على مفترق الطرق - إما أن يتبنى مبادئ إجراءات التقاضي السليمة وحقوق الإنسان وإلا فهو في خطر التحول إلى دولة بوليسية". ونقل مراسل السومرية عن جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة قوله: " إن حقوق المواطنين الأكثر استضعافاً وعرضة للخطر لا سيما النساء والمحتجزين يتم انتهاكها بشكل متكرر مع الإفلات من العقاب. وأشار إلى أن هيومن رايتس ووتش أجرت بحوثها في سبع مدن في شتى أنحاء العراق أثناء عام 2010 وانتهت إلى أنه مع استمرار العنف والجريمة في العراق فإن انتهاكات حقوق الإنسان تقع بوفرة."

الآن وبعد أن اتضحت صورة المشهد جيدا ، حكومة فاشلة وعاجزة عن تقديم أي منجز ، تخشى مواجهة الشعب الا من خلال شاشات التلفزة ، وليس لها ما تقدمه غير الوعود المكررة ، نذكرها بالحقيقة التالية :

" لا يصلح رئيسا من لا يفهم ثقافة بلده ومطالب شعبه .. لا يصلح رئيسا كل من لا يعرف حقيقة أنه كلما اتسعت القيود ضاقت النفوس."
*


* من مقال شيق للكاتب والصحفي المرموق الاستاذ جاسم المطير ، الذي نشر على صفحات الحوار المتمدن وصحف أخرى السبت بتاريخ 26 شباط الجاري، تعرض فيه لموضوع الحكومة العراقية وموقفها من الحريات ، وأنهاه بكلمته المأثورة اعلاه تحت عنوان " قيطان الكلام "


 

free web counter