| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                           الأحد 2/6/ 2013

 

هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية ...؟؟..
(4)

علي ألأسدي

4- الطريق اللارأسمالي

تبنت في خمسينيات القرن الماضي مجموعة من الدول النامية ما أطلق عليه حينها " بحركة عدم الانحياز " متبعة الطريق اللارأسمالي للنمو الاقتصادي ، بدأ ذلك في عز ربيع حركة التحرر الوطنية التي ضمت أكثر البلدان المستقلة والمتحررة حديثا من الهيمنة الاستعمارية ، الانكليزية والفرنسية والبلجيكية والبرتغالية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وجزر الباسفيكي.

اختطت تلك المجموعة سياسة خارجية تضعها على مسافة متساوية من النظامين الرأسمالي والاشتراكي تمييزا لها عن الدول التي ربطت مصيرها وانخرطت في تحالفات سياسية وعسكرية مع أحلاف وارشو والناتو وبغداد وجنوبي غربي أسيا. وقد عبرت دول المنظومة الاشتراكية حينها عن دعمها غير المشروط للدول التي اتبعت طريق التطور اللارأسمالي. وقد لعبت الحركة دورا ايجابيا في حل المشاكل السياسية الاقليمية التي كانت تنشأ بين الدول النامية فتصاعدت اهميتها كقوة ثالثة في العالم حظيت باحترام الدول الكبرى ، وحازت بنفس الوقت على اعتراف منظمة الأمم المتحدة .

وكما أعلن في بيان تأسيسها انها ستعمل لتعزيز الحياد الايجابي في الصراع الدائر بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي تأكيدا لدور فاعل في السياسة الدولية والاقليمية ، وهو دور يختلف عن حياد يلتزم الصمت تجاه التمميز والعزل العنصري واضطهاد الأقليات والاستعمار. قامت تلك الحركة بناء على مبادرة الرؤساء الهندي الراحل جواهر لال نهرو ، والمصري جمال عبد الناصر، واليوغسلافي جوزيف بروز تيتو ، وأحمد سوكارنو رئيس اندونسيسيا ، انضمت لها أكثر من مائة دولة اكثرها دولا نامية.

وجود تلك الشخصيات المعروفة بالحياد والاستقلالية وبالحكمة السياسية أكسبها احترام قادة الدول الكبرى في العالم. ومما ساعد على اعتراف الدول الغربية بالحركة وجود الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو على رأسها الذي كان قد اختلف مع السوفييت نهاية الأربعينيات. وكان واضحا الهدف من تأييد الغرب ذاك ، حيث جاء منسجما تماما مع سياسة الدول الغربية في دعم وتشجيع الانشقاق داخل المعسكر الاشتراكي التي مارسته طوال فترة الحرب الباردة.

" الطريق اللارأسمالي للتنمية " وان بدا نموذجا اقتصاديا قائما بذاته نظرا لتبادل الأدوار بين اقتصاد السوق وقطاع حكومي يتزايد دوره في النشاط الاقتصادي ، لكن ذلك غير كاف لاعتباره طريقا للاشتراكية ، كما أن الابقاء على نظام اقتصاد السوق فعالا في حقول اقتصادية عديدة غير كاف أيضا لاعتباره اقتصادا رأسماليا.

وبصرف النظر عن نجاحاته واخفاقاته في هذا الحقل الاقتصادي أو ذاك لم يرتق نموذج التطور اللاراسمالي الى المرتبة التي تجعل منه نظاما اقتصاديا ثالثا الى جانب الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي. ويعود ذلك بشكل أساسي لعدم امتلاكه نظام عمل خاص به يميزه عن غيره من الأنظمة. ولا يمكن اعتباره اتحادا تجاريا مشتركا كالذي تنضوي تحته دول السوق الأوربية لأنه لم يقم مؤسسات كتلك التي يملكها الاتحاد الأوربي في مجال القيادة التنفيذية والتشريعية والمالية والمصرفية الثابتة التي تعمل وفق برنامج محدد واضح المعالم والأهداف.

بناء عليه يمكن وصف الطريق اللارأسمالي منذ قيامه في الستينيات بكونه نموذجا تجريبيا لنظام قابل للتطور والبقاء فيما لو استمرت دوله في تعزيز اقتصادها داخليا والرفع من مساهمته في الاقتصاد العالمي. ولابد من الاشارة بأن الدول التي سارت على هذا الطريق قد استفادت من التجارب الناجحة لكلا النظامين في سعيه لتنمية اقتصاد دوله في الحقول الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والخدمية.

لقد كان واضحا منذ ظهور الطريق اللاراسمالي أن دوله قد استنسخت بعض آليات السياسة الاقتصادية للدول الاشتراكية. فاتفاقيات التعاون الاقتصادي التي وقعت معها قدمت بموجبها توصيات ومشورات فنية لحكومات الدول النامية ، وقد ساعد خبراء اقتصاديون وفنييون من الدول الاشتراكية السابقة في التدريب على تحسين الأداء الاقتصادي للمشلريع التي تضمنتها تلك الاتفاقيات.

من ضمن تلك الأليات استخدام صيغ مبسطة للتخطيط الاقتصادي تتناسب مع تركيبة اقتصاده وجهازها الاداري. حيث بوشر بتحديد أهداف اقتصادية واجتماعية ومددا زمنية ، وخصصت لتنفيذها ميزانيات مالية مناسبة ، وشكلت بنفس الوقت لجانا وادارات لمتابعة التنفيذ للوصول الى الأهداف المحددة في تلك الخطط. وكان العراق ومصر والهند والجزائر واليمن الجنوبي قد تبنت التخطيط الاقتصادي وحققت نجاحات ملموسة في ميادين عديدة بعد أن عاشت فترة طويلة في ظل فوضى السوق الرأسمالية.

بهذه التشكيلة من قطاع عام وخاص ينشطان جنبا الى جنب ظهر ما يمكن التعبير عنه بالاقتصاد المختلط الذي أفرز بالضرورة صراعا طبقيا محتدما ، حسم في أغلب الأحيان لصالح الطبقة البرجوازية. كانت البرجوازية الكومبرادورية الأداة المباشرة لعودة الاحتكارات الدولية التي كانت قد فقدت الكثير من مصالحها الاقتصادية نتيجة حركات الاستقلال الوطنية والتحرر من الاستعمار ونفوذه.

وبسبب ذلك واجه " الطريق اللارأسمالي " في سنين لاحقة الاستعصاء في أكثر المجالات الاقتصادية بنتيجة التغيرات السياسبة التي فرضتها انقلابات عسكرية اطاحت بأنظمة الحكم الوطنية في العديد من البلدان المتبنية للطريق اللارأسمالي. ولأن قيام النموذج ومن ثم استمراريته قد اعتمد بالدرجة الأولى على دعم قيادات تمتعت بالنفوذ والاحترام الدولي ، فما أن اختفت تلك القيادات عن المسرح السياسي حتى تضاءل دور الكيان الاقتصادي اللارأسمالي تدريجيا وتلاشى هو الآخر.

فالبعض تمت الاطاحة به بانقلاب عسكري كما كان الحال مع العراق عام 1963 واندونيسيا عام 1964 ، أو بنتيجة وفاة قائد الدولة المعينة. لقد انحسر النموذج الاقتصادي الوليد قبل أن يرسخ أسسا لاستمراره وتطوره. لقد فتح الباب من جديد للشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات لتباشر نهب الموارد الاقتصادية للبلدان النامية على حساب شعوبها.

على صعيد الدول الاشتراكية السابقة فقد حاول بعض قادتها منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي النأي بدولهم عن مضلة الاتحاد السوفييتي وعن نموذجه الاشتراكي المبالغ في مركزيته. وقد قامت محاولاتها تلك لتأكيد استقلالية قرارتهم السياسية والاقتصادية عن بقية المنظومة وبخاصة عن الدولة السوفييتية.

كان واضحا منذ البدء أن تلك الدول وفي مقدمتها يوغسلافيا وهنغاريا وجيكوسلوفاكيا سعت للعب دور فعال في العلاقات الدولية ، بتعزيزها الحياد الايجابي في النزاعات السياسية الاقليمية والدولية وفي الموقف من المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والرأسمالي بقيادة الدول الغربية.

كان جوزيف بروز تيتو الذي انتخب رئيسا ليوغسلافيا نهاية أربعينيات القرن الماضي أحد القادة الأوائل الذين باشروا تنفيذ اصلاحات في نظامه الاشتراكي خلال الفترة القصيرة التي تلت تشكيل هذا النظام من دول أوربا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. قام تيتو بالاعلان عن اصلاحاته تلك بعد انسحابه من منظمة الكومنترن التي عمل فيها منذ عام 1934 ومن ثم انسحابه من المنظومة الاشتراكية بعد احتدام خلافاته مع القائد السوفييتي حينها جوزيف ستالين.

ولد جوزيف بروز تيتو من عائلة كرواتية فقيرة عام 1892 ، وكانت مهنته عامل ميكانيك ، وبنفس الوقت كان ثوريا من الطراز الأول. فقد شارك في ثورة أكتوبر 1917 وقاد حركة المقاومة المسلحة في يوغسلافيا ضد المحتلين الألمان الذين تكبدوا خسائر فادحة. حاول هتلر التخلص من تيتو فارسل أحد عملائه خصيصا لاغتياله لكنه أخفق في ذلك. تابع تيتو نشاطه السياسي ، فشكل حكومة يوغسلافية مؤقتة في بوزنيا قبل ان تتحرر بلاده كليا من الألمان الغزاة.(18)

ركزت اصلاحاته على نظام العمل والانتاج في مشاريع الملكية العامة لوسائل الانتاج. أهم تلك الاصلاحات وأكثرها اثارة للجدل هي منح العمال حصة في مردود ما ينتجوه من سلع تحت عنوان المشاركة في الارباح . وقد كان الغرض الرئيسي من تلك الاصلاحات التي سميت بالحوافز المباشرة للعمال هو زيادة الناتج القومي للمجتمع. وفي مجال التنظيم عزز من مجالس العمال في المشاريع الصناعية بحيث يكون لهم دورا في ادارة وتطوير وتحسين وسائل الانتاج وظروف العمل.

لقد احدثت تلك الاصلاحات الاقتصادية ردود فعل مختلفة داخل المنظومة الاشتراكية بين مؤيد ومعارض ، لكنها في جوهرها كانت محاولة لتجاوز الصعوبات التي اعاقت زيادة الانتاج خلال وقت العمل. وقد أصبح من الملح البحث عن تلك السبل لتعظيم الناتج القومي بدء من المشروع الصناعي ذاته.

 

يتبع في الجزء الخامس


 

free web counter