| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأربعاء 29/12/ 2010

 

الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية ....
(6) الاخير

علي ألأسدي - البصرة  

انهيار النظام الاشتراكي سيبقى إلى فترة طويلة من الزمن موضوع دراسة المحللين السياسيين والاقتصاديين والمؤرخين والاجتماعيين ، بهدف الكشف عن شتى الأسباب التي أدت إلى ذلك ، وفيما اذا كانت الاشتراكية كنظام اقتصادي وسياسي قد أثبتت عدم صلاحيتها للحياة في كل العصور ، أو أن عصرها لم يحن بعد ، وينبغي الانتظار حتى حلول ذلك العصر دون تدخل من أحد أو من حزب أو من طبقة اجتماعية كما فعل فلاديمير لينين ورفاقه البولشفيك في أكتوبر عام 1917 من القرن الماضي.

لقد حاولنا عبر الأجزاء السابقة من هذا البحث الكشف عن بعض ما واجهته التجربة الاشتراكية في ظل وجود دول رأسمالية قوية لم تخف دورها في افشال التجربة الاشتراكية الأولى ، بشتى الوسائل السلمية والعدوانية ، بالحروب الساخنة وبالحروب الباردة. لكننا الآن نناقش جوانب القصور في ادارة التجربة السوفييتية ذاتها حتى انهيارها.

1

- الاخفاق لا العجز عن مواكبة التطور. لقد أخفقت الحكومات الاشتراكية اخفاقا مزمنا في التقدم سريعا إلى الأمام منذ ستينيات القرن الماضي ، تجلى في الخشية من تبني الاصلاحات التي تطلبها تطوير النظام الاقتصادي الاشتراكي القائم على ملكية الشعب لوسائل الانتاج. كان واضحا أنها لم تخرج عن الأطر، التي وضعتها حكومة الثورة الأولى ، ولم تبدع في تطوير سبل ادارة النشاطات الاقتصادية في الدولة التي بوشر بها ، واستمرالأخذ بها حتى انهيارالاشتراكية عام 1991. وبالرغم من التطورات الهامة الكثيرة التي جرت على آليات السياسة الاقتصادية والمالية ، وفي نظم التوزيع والحوافزالاقتصادية في العالم ، بقيت الآليات في الاشتراكية بدون تغيير يذكر ، وكأن :

1- السياسات وآلياتها في النظام الاشتراكي جامدة غير قابلة للتغيير. أو

2- أن الادارات المسئولة التي لها الصلاحيات للقيام بالتغييرلم تملك الكفاءة اللازمة لاجراء التغييرات الضرورية بما يلائم رغبة عامة الناس وسنة التطور. أو

3- أن الادارات ذاتها تعمدت عدم الاستجابة للتغيير لتعميق الانقسام وتفاقم التذمر داخل المجتمع الاشتراكي بهدف تشجيع الثورة المضادة للاشتراكية. الاحتمالان الأخيران هما الأكثر قبولا في تفسيرما جرى عبر العقود الأخيرة من حقبة الاشتراكية.

كان الابتكار والتجديد في تقنية في وسائل الانتاج قد أدى دورا أساسيا في النمو الاقتصادي السوفييتي حتى منتصف الخمسينيات ، حيث بلغ معدله السنوي في الفترة 1951 - 1955 ، 11.2 % . لقد تحقق هذا بفضل التقدم الصناعي الذي بوشر به في السنين الأولى من الحكم الاشتراكي. فمنذ عام 1927 تبنت الحكومة الاشتراكية بقيادة جوزيف ستالين خطة تحديث الصناعة السوفييتية كما بيينا في الجزء الأول من مقالنا هذا ، من أجل اللحاق بالتقدم الاقتصادي في الدول الصناعية المتطورة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتنفيذا لهذا الهدف أرسلت الحكومة حينذاك عددا كبيرا من الطلبة إلى دول الغرب لتأهيلهم بالعلوم التقنية التي بدورهم ينقلونها عند عودتهم الى بلادهم لتنفيذ هدف تطوير الاقتصاد السوفييتي وبالأخص الصناعة الوطنية. اضافة لذلك ، استقدمت الحكومة الاشتراكية حينها عددا كبيرا من كبار المتخصصين والخبراء من الدول الصناعية للعمل على خطة تحديث الاقتصاد السوفييتي. لكن عملية التحديث بدأت بالتباطؤ بعد ذلك ، وبنتيجتها تباطأ النمو الاقتصادي اعتبارا من عام 1970 ، وربما قبل ذلك ، فلم يتجاوز 3.3 % سنويا في الفترة 1981 – 1985 ، لينخفض في عام 1988 إلى معدل 1.5 %. (18)

لقد كان لتباطؤ التحديث أثره البالغ على حياة المواطنين ، لقصور الاقتصاد عن تلبية أو اشباع رغباتهم الاستهلاكية التي أصبحت بدورها من أهم المؤشرات على نجاح أو فشل حكوماتهم وسياساتها الانتاجية في ظروف السلم والاستقرار. فما كانت تعرضه المؤسسات الصناعية السوفييتية للمستهلكين من السلع ذات الاستهلاك الواسع منذ الستينيات لم يرقى في مواصفاته حتى إلى المستوى النوعي للانتاج الحرفي لما قبل ثورة أكتوبر. فالاتحاد السوفيتي كما تذكر بعض المصادر البحثية كان اكبر منتج للأحذية في العالم ، لكن نوعية المنتجات واشكالها وألوانها لم تناسب أبدا الذوق العام للمستهلكين داخل الاتحاد نفسه ، ولم يعرف من أين أتى مدراء الانتاج بتلك النماذج التي اعتادوا على انتاجها دون أي تغيير منذ قيام الاشتراكية ولأخر يوم من وجودها. والغريب أن مدراء الانتاج أولئك كانوا يقضون جل أوقاتهم خارج بلادهم يتجولون في مختلف الدول على حساب الشعب ، بحجة حضورالمؤتمرات والمعارض الدولية ، لكنهم لم ينقلوا إلى بلادهم ما كان يجري من تغييرات في تلك البلدان . ليس هذا فحسب ، بل أن الأنظمة والتعليمات المنظمة للانتاج والتوزيع على مايبدو لم تتغير مع تطور الادارة والتنظيم والتسويق والاعلان في العالم ، حيث أعاقت هذه الابداع والابتكار التي يتطلبها النشاط الانتاجي والتجاري ، لتكون للمنتجات السوفييتية القدرة على اشباع رغبات المستهلكين وعلى منافسة مثيلاتها في الأسواق الداخلية والعالمية. ولا غرابة أن تواجه المؤسسات الانتاجية خسائر مالية عالية لعدم قدرة منتجاتها على تغطية تكاليف انتاجها بسبب ضعف الطلب عليها ، تضطر الدولة إلى دعمها من الميزانية الحكومية. يعني هذا أن المؤسسات الانتاجية تستخدم الموارد الاقتصادية ، لكنها تنتج سلعا لا تتمتع بطلب كاف ، فمن الطبيعي أن يأخذ جزء كبيرا منها طريقه للقمامة. ويعود ذلك بشكل اساسي إلى عدم التفاعل مع العوامل المؤثرة على العرض والطلب في وضع خطط الانتاج ، علما بأن الاستعانة بذلك يساعد في التعرف على تفضيل المستهلكين. لقد أدار المواطنون السوفييت أنظارهم عن المنتجات الاشتراكية التي تنتجها مصانعهم ، بينما كانوا يقفون طوابير لساعات لشراء سلعا بديلة أجنبية وردت إلى المتاجر التي تبيع بالعملة الأجنبية. المستهلكون السوفييت يشكلون الرأي العام السوفييتي ، وعدم رضاهم عن انتاج مؤسساتهم هو صورة من صور التصويت ب (لا ) للسياسات الحكومية السوفييتية ، وتكراره على مدى السنين يعني الكثير ، وأهم ما يعنيه هو نزع الثقة عن النظام الاشتراكي نفسه الذي فشل في انتاج سلعا في مستوى أو تضاهي مثيلاتها في الدول الصناعية الرأسمالية. التقنية التي كانت سائدة في الصناعة السوفييتية ابان السبعينيات و الثمانينيات قد تم بنائها أوائل الثلاثينيات ، لذا لم تكن لها الكفاءة لتلبية حاجات ورغبات جيل الثمانينيات ، لأنها لم تتبنى لا التجديد ولا الجديد في التقنيات الانتاجية والادارية والاتصالات. لقد أدى عدم تحديث تقنيات الانتاج إلى بقاء مستوى التكاليف الانتاجية مرتفعا، فيما أدى عدم كفاءة العاملين إلى تناقص غير مقبول في انتاجية العمل ، وهذان العاملان يعتبران أهم مصدرين لزيادة التراكم الرأسمالي الذي يعتمد عليه حجم الاستثمارات المستقبلية في البلاد. فاذا كان حجم التراكم الرأسمالي في أي اقتصاد في العالم ضئيلا ، أو أن معدل نموه السنوي ضئيلا أيضا ، فان معدل الاستثمار السنوي في الاقتصاد الوطني سيكون ضئيلا هو الآخر بنتيجة ذلك.

2- سباق التسلح و الانتاج المدني. تراوحت النفقات على التسلح في الاتحاد السوفييتي بين 15 % - 27 % من الناتج القومي ، بينما لم ترتفع هذه النسبة في الولايات المتحدة في فترة الولاية الأولى للرئيس ريغان عن 7 % الناتج القومي الأمريكي. وقد اختلفت تلك النسب في الاتحاد السوفييتي زيادة أو نقصانا باختلاف المناخ السياسي الدولي ، ففي فترة التوترات السياسية يتصاعد سباق التسلح ومعه ترتفع نفقات التسلح. النسب الحقيقية لنفقات التسلح في البلدين تبقى موضع شك ، فأرقاما مثل هذه تعامل بسرية تامة. وقدرت النفقات العسكرية في الفترة 1976 – 1980 ،11 % الناتج القومي السوفييتي ، لكن الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي ) قدرتها في حينها ب 15 % الناتج القومي. الآثار السلبية للنفقات العسكرية على شعبي البلدين تتباين بالضرورة ، فالاقتصاد الأمريكي وهو الأضخم في العالم لا تسبب نسبة تسلح 7% من الناتج القومي له ضررا كبيرا ، كما تسببه نفقات التسليح على الاقتصاد السوفييتي ، فحجم هذا الأخير أصغر بكثير من الاقتصاد الأمريكي ، ولابد لأي زيادة في نفقات التسلح أن تسبب معاناة كبيرة لمواطني الاتحاد السوفييتي الذي كان مايزال لم يستعد عافيته من آثار الحرب العالمية الثانية. ولهذا السبب لا يمكن القبول لا اجتماعيا ولا منطقيا بزيادة نفقات التسلح بالنسب العالية اعلاه وقت السلم الذي كان للاتحاد السوفييتي الكثيرمنه بعد الحرب العالمية الثانية. وبصرف النظر عن دقة تلك النسب وحقيقتها ، فان للمجتمع الحق في رؤية تحسن دائم ونوعي في حياتهم ، ولا يمكن للمواطنين أن يقضوا جل حياتهم في ظل أجواء التقشف والحاجة والحرمان من الترف ، وهو بالضبط ما كانت تهدف اليه سياسة سباق التسلح الأمريكية. فتطور دخل المواطنين والاستهلاك جعل الكثير من السلع والخدمات التي كانت ترفية في وقت ما في الماضي ضرورية لحياة المجتمع في وقت لاحق ، بينما بقيت في عرف السلطات الاشتراكية ترفا مع كل التغيرات في دخل المواطنين وحياتهم والسياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والفنون. حيازة سيارة مستعملة كان حلما لايمكن تحقيقه خلال حياة المواطنين في المجتمع الاشتراكي . الاتحاد السوفيتي تقدم على الولايات المتحدة في تقنيات انتاج وتحليق سفن الفضاء والأسلحة منذ خمسينيات القرن الماضي ، بينما لم تجر تحسينات تقنية انتاج السيارات السوفيتية حتى نهاية الاشتراكية ، واستمر انتاج أصناف من السيارات لعشرات السنين دون تغيير حتى في ألوانها. ونفس التوجه ساد في اغلب الصناعات السوفيتية ، الميكانيكية والكهربائية والألكترونية ، وحتى تلك المخصصة للتصدير التي ينبغي أن تكون مؤهلة للمنافسة الشديدة في السوق العالمية. في عام 1986 بلغ متوسط الدخل الفردي للمواطن السوفيتي 8375 دولارا ، وهو أعلى من دخل الفرد في أكثر الدول الاشتراكية والرأسمالية متوسطة التطور في تلك الفترة ، بينما لم يستطيع المواطن السوفيتي الحصول على الكثير من السلع الضرورية التي تشبع رغباته ورغبات عائلته ، ما يجعل المواطن في حالة حرمان دائمة رغم قدرته الشرائية المكبوته ، بل أكثر حرمانا من مواطني الدول الاشتراكية الأخرى مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا. فلم يكن متاحا له الحصول على السلع الاستهلاكية الشائعة الاستعمال في تلك الفترة ، كالملابس الحديثة ، والمئات من المواد الاستهلاكية المنزلية وغيرها المبتذلة حتى في الدول النامية ، اضافة إلى ذلك ان المواطن السوفيتي هو الأقل سفرا إلى الدول الأجنبية ، وخاصة خارج المنظومة الاشتراكية، بسبب القيود المعقدة على التحويلات المالية بالعملات الأجنبية ، فيما يعتبر هذا من الحقوق الأساسية للمواطن في جميع دول العالم. ومما لا شك فيه أن غالبية المواطنين السوفييت ستشعر بالخيبة وعدم الرضا عن سياسة حكوماتهم الاقتصادية ، وفي هذا يكمن التفسير المنطقي لتخليهم دون مقاومة تذكر عن اشتراكية وعدتهم بالكثير ولم تلتزم .

3- نظام التخطيط الاقتصادي. اتسم التخطيط بالمركزية الفائقة والشمول طوال الحقبة الاشتراكية، كما لو أن البلاد في حالة حرب وشيكة ،حيث يخضع كل شيئ للخطة من أدنى السلع أهمية للنمو الاقتصادي كخدمة التاكسي وأزرار الملابس إلى أكثرها تأثيرا كالاستثمارات في صناعة السفن العملاقة. فالخطة الاقتصادية تقرر حجم ومكان وتوقيت ووظيفة الاستثمارات ، وحجم ونوعية المنتجات وأسعارها و قنوات توزيعها ، والموارد الاقتصادية البشرية منها والمادية ، وفق خيارات يتم دراستها والأخذ بها. للوهلة الأولى تعطي الخطة انطباعا بأن كل أهداف الخطة ستأخذ طريقها للتنفيذ بكل يسر،لكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فالجهد البشري لموظفي هيئة التخطيط المركزية والاقليمية مهما بلغت قدراته ، وما توفرت له من احصاءات تفصيلية عن الاقتصاد والمجتمع، يظل عاجزا من الناحية العملية عن صياغة وشمول كل متطلبات الحياة البشرية من سلع مادية وخدمية ، كما ونوعا ، وعلى مدى الزمن والمكان ، ومن ثم الرقابة لضمان تنفيذها. ولعظم هذه المهام واستحالة موائمتها مع واقع الطلب ، واجه تنفيذ الخطط الاقتصادية صعوبات بالغة ، أدت إلى اخفاقها في تحقيق الكثير من مستهدفاتها. لم تتمكن الدراسات التي تناولت القصور في تخطيط اهداف الخطة ، أو تنفيذها من حل مشكلات موائمة أهداف الخطة مع تطلعات المجتمع التي كانت في حالة تغير دائمة وسريعة ، واستمرت هذه العقدة عصية على الحل. ما كانت تحتاجه العملية التخطيطية هو تخفيف المركزية الفائقة بكبح سلطة المخطط ( هيئة التخطيط المركزية ) من جانب ، وزيادة صلاحية المديرين التنفيذيين للمؤسسات الانتاجية. الهدف من هذا التعديل مهم جدا ، بفضله يتمكن المدير التنفيذي من التعامل مع التغيرات المحتملة في عرض السلع والخدمات والطلب عليها ، عبر صلاحيات يمنحها المخطط ، تمكنه من تصحيح أخطاء وسوء تقديرالمخطط نفسه من جانب ، ومن جانب آخريتمكن من التجاوب مع تغيرات السوق. ولو منحت المؤسسات الانتاجية الصلاحيات لاجراء التغييرات اللازمة للتجاوب مع واقع السوق لما حصل التناقض بين مستهدفات الخطة والواقع المعاش.

4- الفساد وتسلط المكتبيين على حساب البروليتاريا والديمقراطية. لقد شكلت هذه الظاهرة البرجوازية المنشأ علامة فاقعة في الحياة اليومية لحياة السوفييت منذ ستينيات القرن الماضي وربما قبل هذا التاريخ ، فقد تقوقعت الرموز الحزبية في مكاتبها الوثيرة التي تعددت وتضخمت على حساب مصالح البروليتاريا. واذا كان المبدأ في الاشتراكية هو قيادة البروليتاريا للسلطة فيها ، فكان ملزما لأي قيادة سياسية أن تجري انتخابات عامة يرشح العمال اليها ممثليهم للقيادة السياسية الجديدة بكل حرية ، فهي التي تقود السلطة ، ولمصلحتها يوظف الوزراء والسفراء والعسكريون. لقد جرى الالتفاف على هذا المبدأ بشكل صارخ ، عندما استبدلت البروليتاريا كطبقة ، بمدعي تمثيلها من المكتبيين ، والموظفين المحترفين الذين امتلأت بهم مقرات الحزب المركزية وفروعها في طول البلاد السوفيتية وعرضها ( لا نستثني هنا البلدان الاشتراكية الأخرى). وحتى يضمن هؤلاء مناصبهم ذات الامتيازات غير المحدودة ، زرعوا لهم مؤيدون انتهازيون داخل منظمات الحزب واتحادات العمال ، ليضمنوا دعمهم أثناء أي انتخابات تجرى في مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي. لقد أدى هذا النهج ألى أن يقضي أعضاء المكتب السياسي ، وأعضاء اللجنة المركزية ، وقادة المنظمات الحزبية في المصانع والمدن والمحافظات ، والجمهوريات السوفيتية ، والجمهوريات ذات الحكم الذاتي ، أعمارهم في مناصبهم الرفيعة ، أو يطاح بهم بانقلابات يخطط لها وتنفذ داخل الدوائرالمحيطة بأصحاب النفوذ. ففي المراحل المتأخرة من الحقبة الاشتراكية لم تجر انتخابات ديمقراطية عامة لانتخاب الهيئة التشريعية والقيادة الحكومية للدولة ، أو انتخابات ديمقراطية في مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي لانتخاب قياداته. فما كان يجري هو اعداد قائمة داخل القنوات الحزبية باشراف السكرتير العام للحزب ، ويجري التصويت عليها وينتهي الأمر. بمعنى آخر كانت الانتخابات العامة وانتخابات مؤتمرات الحزب الشيوعي تجرى في مواعيدها ، لكنها وكأنها تجرى لتجديد الولاء لا لتجديد القيادات أوالسياسات. وخلال أكثر من سبعة عقود فقدت الشعوب السوفيتية ، وشعوب البلدان الاشتراكية الأخرى الأمل في تغييرالسلطة الحاكمة أو نهجها.

وعندما حاول كورباتشوف إحداث تغييرات في هيكلية الاقتصاد ، للتقليل من مركزية الخطة وشموليتها ، تمهيدا لاجراء ما أطلق عليه " البيروسترويكا " التي أفصح عنها ، تعذر عليه ذلك في ظل النظام ذاته ، لعظم القيود والأنظمة والتعليمات ، والفساد المالي والاداري الذي عرقل المنتفعون منه أي محاولات للاصلاح ، خشية حرمانهم من امتيازاتهم المتنعمين بها على حساب الشعب. محاولة كورباتشوف كانت لتنفيذ اصلاحات لم ينفذها سلفه أندروبوف بسبب موته المفاجئ ، تتلخص بمنح مديري المؤسسات الانتاجية حرية التصرف خارج اطار الخطة وتعليماتها ، وهو أفضل ما أعلن عن تطبيقه ، لكن تلك الرغبة انتهت قبل أن تبدأ. فغريمه يلتسن كان اكثر مباشرة في الكشف عن نواياه ، فقد رغب هذا في الانتقال من اقتصاد قائم على الملكية العامة نحو الاقتصاد الرأسمالي بأقصر فترة ممكنة ( في 500 يوم فقط ) كما نصحه مستشاروه ، وهنا حانت فرصة صندوق النقد الدولي ليتقدم ببديله المفضل ، وهو العودة إلى الرأسمالية ، فاقترح على سلطة يلتسن مشروع خصخصة مؤسسات الدولة الاشتراكية ، والتحول كليا نحو اقتصاد السوق ، الذي فتح أبواب الجنة على مصراعيها للصوص ، لاقتسام ثروة بلادهم التي أشادها الشعب بالجهد الشاق والتضحية ونكران الذات في أحلك ظروف البلاد السياسية والاقتصادية و أشدها ضراوة وقسوة.

آخذة بكل هذه الأسباب بنظرالاعتبار بنت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها البعيدة المدى لانهاك الاتحاد السوفييتي عبر الحرب الباردة ،ابتداء بالرئيس ترومان ، ومرورا بالرئيس كندي ، وانتهاءا بأشدهم عدائية للاتحاد السوفيتي الرئيس ريغان. الرئيس رونالد ريغان لم يترك البيت الأبيض قبل أن يشرب وقادة الدول الرأسمالية أنخاب النصر على النظام الاشتراكي.

في مؤلفه " الاتحاد السوفيتي ورونالد ريغان " كتب استاذ العلاقات الدولية البروفيسور هاري بابا سوتيريو ،ما يلي (19)

" الاتحاد السوفيتي قد انهار نتيجة ثقله هو ، لكن رونالد ريغان ساعد في تسريع عملية انهياره ".



المراجع ، وبعض الأحداث التاريخية التي لها علاقة بالموضوع:

أولا- الأحداث التاريخية

1- 1985 انتخب ميخائيل كورباتشوف سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي السوفيتي.
2- 1987 أعلن كورباتشوف عن برنامجه الاصلاحي المعروف بيروسترويكا وغلاسنوست ، وتعني اعادة هيكلة الاقتصاد والشفافية.
3- 1988 ازاحة أندريه غروميكو رئيس الدولة السوفييتية، وخلفه كورباتشوف بالمنصب اضافة إلى موقعه كقائد للحزب الشيوعي السوفيتي.
4- 1988 السماح للقطاع الخاص بالنشاط الاقتصادي.
5- 1989 انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان.
6- 1990 اعلان جمهوريات البلطيق انفصالها عن الاتحاد السوفيتي وهي أستونيا وليتوانيا ولاتفيا ، بعد أن فشل كورباتشوف في ابقائهم في داخل الاتحاد.
7- 1990 بعد انتخاب بوريس يلتسن رئيسا لجمهورية روسيا الاتحادية ، أعلن في أول قرار يتخذه في منصبه الجديد انسحابه من دولة الاتحاد السوفيتي ومن الحزب الشيوعي السوفييتي ، واعلن اعترافه باستقلال جمهوريات البلطيق وأوكرانيا ، كما أعلن عن منع الحزب الشيوعي السوفييتي من العمل في روسيا ، واستولى على كافة ممتلكاته فيها.
8- 1991 فشل محاولة الانقلاب على كورباتشوف.

9- سبتمبر 1991 وافق مجلس نواب الشعب بحل الاتحاد السوفييتي.

10- الثامن من ديسمبر 1991 أعلن قادة أوكرانيا وبيلاروس وروسيا الاتحادية تأسيس اتحاد بينهما سمي اتحاد الجمهوريات المستقلة.

11- 25 / 12/ 1991 أعلن ميخائيل كورباتشوف عن استقالته من رئاسة الاتحاد السوفييتي.

12- 26 / 12 / 1991 انتقلت كافة ادارات ومكاتب الاتحاد السوفييتي السابق إلى حكومة روسيا الاتحادية.*

*-  بي بي سي الاخبارية البريطانية 3/ 3 / 2006


ثانيا - مراجع البحث :

1- Global Security News ,Cold War
2- National Archives Eduction. .Cold War. The RussiaWar
3- Global Security News
4-The National History of the Soviet Union 1927-1953
5- History Learning Site, Modern World, the Cold War
6-The National History
7-The National History
8- Clogg Richard, Concise History of Greece, Cambridge University Press,1992
9- Global Security
10- Iran Chamber Society
11- Archie Brown, Perestroika in Perspective,Oxford University Press, 2007
12- Paul Smith ,End of the Empire:The Demise of The Soviet Union
13- Harry Papasotirio,’’ Soveit Union and Ronald Regan’’ Penteion University ,Athens, Greece
14- Paul Smith
15- Harry Papasotirio
16- Paul Smith
17- Ronald Hilton,’’ The Collapse of the Soviet Union’’ ,www.stanford.eduction /group/history
18- Samay Catherine, The Experience of The So-Colle Socialist Countries, Institue For Research and Eduction, Amsterdam, 1988,p13
19- Harry Papasotirio
 



الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية .... (5)
الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية .... (4)
الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية .... (2)
الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية .... (1)













 

 

free web counter