| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأربعاء 29/9/ 2010

 

هل يحلم الكوريون الشماليون ... بالتجربة الديمقراطية العراقية...؟؟

علي ألأسدي - البصرة  

تكاد تتفق أكثرية العراقيين على أن صورة ديمقراطيتنا ليست على ما يرام ، وان هناك الكثير من الأسباب تجعلنا اكثر تشاؤمنا يوما بعد يوم ، بسبب عجزنا عن تغيير مسارها المتعثر ، و الدفع بها في طريق التطورلتجاوزعقدة الأنا التي تضع الطائفية والقومية والقبلية فوق المصلحة الوطنية العراقية. لقد خضنا تجربتين انتخابيتين ، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحا مهما في طريق ممارستنا لحقوق حرمنا منها لعدة عقود من السنين ، لكننا نعرف أن هذا الحق هو واحد فقط من الحقوق التي تتيحها المبادئ الديمقراطية. ولأننا اعتدنا في الماضي الاعتماد على الأجهزة الحكومية لتنفيذ طموحاتنا ، فلم نشعر بالحاجة إلى ممارسة الضغط على تلك الأجهزة لانتزاع حقوقنا حتى المتواضعة منها. النظام الديمقراطي بناء متكامل ومعقد ، يشكل الدستور والبرلمان والقضاء المستقل أهم مؤسساته. لكن مجرد وجود هذه المؤسسات لا يعني أن الديمقراطية بخير ، أو أنها استكملت بناءها وترسخت ولا خشية عليها من التشويه والانحراف. بل هناك مخاوف مشروعة من تحويلها الى أدوات لخدمة رجل السلطة القوي على غرار حكام العهد السابق. لهذا يتطلب من الشعب حماية استقلالية تلك المؤسسات ، وابعادها عن هيمنة رجل السلطة من خلال الصحافة الحرة ، ومنظمات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات واتحادات ونقابات مهنية ، لتقوم بجهد جماعي تضمن بواسطته احترام السلطة التنفيذية لبنود الدستور واستقلال القضاء وحرية الصحافة ، وعدم التدخل في خيارات الناخبين في التصويت أو الترشح لعضوية مجلس النواب.

لكن هذه المؤسسات التي يعول عليها في حراسة الديمقراطية ما تزال في دور التجذر ، و حسب ما علمناه من الصحافة ووسائل الاعلام فقد رافق بناءها الكثير من النواقص والأخطاء ، يعود أكثرها إلى الارث الماضي ، والفساد السياسي والاداري والمالي الذي استشرى بعد سقوط النظام الصدامي. وحتى تتخلص هذه المؤسسات من نواقصها تقع علينا مهمة اصلاحها لتكون ممثلة حقيقية لمصالح الجميع ، بعيدا عن التأثيرات الطائفية والقبلية والأصولية الدينية. وقبل أن ننجح بالفعل في تقويمها لتكون حرة ومستقلة لايمكننا الادعاء بأننا بلدا ديمقراطيا ، لكننا اثبتنا وبما لايدع مجالا للشك بأن لنا التصميم والاستعداد لممارسة الديمقراطية ، كنظام بديل لنظام كان يزيف أرادتنا ويعبث بمصالحنا دون خوف من عقاب الناخبين.

أورد الكاتب في النيويورك تايمز توماس فريدمان في عدد 3 ديسمبر 2008 رأيا عن بوادر نجاح التجربة الديمقراطية في العراق ، مشيرا فيه الى قرار المحكمة العليا العراقية القاضي بعدم قانونية نزع البرلمان العراقي الحصانة عن النائب السيد مثال الألوسي لسبب زيارته لاسرائيل لحضور مؤتمر حول مكافحة الارهاب. حيث اعتبرت المحكمة أن زيارة النائب لاسرائيل ، لا تشكل جرما ، وعلى البرلمان أن يتراجع عن قراره برفع الحصانة عنه. وأشار الكاتب بهذا الخصوص الى الخطاب الذي وقعه 400 مثقف عراقي من الكرد والعرب يدافعون فيه عن الألوسي. ويقول الكاتب معلقا على الحدث : " لا يمكنني أن أتخيل أن هناك دولة عربية حالياً يمكن لمحكمتها العليا أن تخاطب برلمانها، كي تخبره أنه ليس بمقدوره رفع الحصانة عن أحد نوابه لقيامه بزيارة إسرائيل، ويمكن لمثقفيه أن يدافعوا عنه علناً من خلال الصحافة ولكن هذا ما حدث في العراق بالفعل."

وبصرف النظر عن صحة أو خطأ زيارة الألوسي ، فإن معالجتها بالطريقة التي تمت ما كانت لتحدث في العراق بأي حال في ظل أي حكومة عراقية سابقة ملكية أو جمهورية ، لأن حقوق الانسان مهما كثرت لن يكون بينها حق زيارة اسرائيل. أما في ظل الوضع الجديد فقد اختلف الأمر نسبيا ، فالركون للقانون في قضية كهذه برغم ما أثارته من جدل هو حق من حقوق المواطنة ، وأن الرجوع للسلطة القضائية في الحكم فيها ، هو الطريق الطبيعي لحسم الخلاف بشأنها ، فلها القوة الملزمة انطلاقا من بديهة ديمقراطية أن لا أحد فوق القانون ، فردا كان أو مؤسسة تنفيذية أو تشريعية. لقد شكل هذا الحدث سابقة قانونية وسياسية لم يتكرر مثيلا لها في السياسة العراقية ، إذ من غير المتصور أبدا أن يعطى زائر اسرائيل فرصة مخاطبة القضاء للنظر في موضوعه ، ولا يمكن تصور حدوثها في فترة الحكم الصدامية التي كانت ستستغل الحدث سياسيا للظهور كمدافع لا يهادن عن فلسطين والفلسطينيين والقومية العربية ، وكانت ستنزل بالمتهم أقصى العقوبات ليكون عبرة لمن اعتبر. ولولا هذه الديمقراطية التي ما زلنا نعج بالشكوى من طقسها الساخن ، لكنا لحد اليوم نصفق وقوفا لقائد لم نختاره ، ولم تقنعنا أبدا تصرفاته وسياساته ، وكنا نشك في سلامة نواياه ، ولم يثق به حتى أطفالنا ، تماما مثلما يفعل شعب كوريا الشمالية مع ديكتاتورها الحالي.

ولا شك بأن الشعب الكوري الشمالي يحسدنا على ديمقراطيتنا العليلة هذه ، ولا شك أيضا، أنه سينصحنا بالحفاظ عليها لتستكمل نموها ، ولا شك أيضا أنه ينتظر منقذا ، كما كنا نحن في عهد صدام ، أو كأولئك اليهود والنصارى والمسلمين الذين يحلمون بظهورالمنقذ الفذ ليخلصهم من شرور ما هم فيه. أبعثوا بتمنياتكم لشعب كوريا الشمالية الطيب ، بظهور مخلصه بأسرع وقت ليحرره من القيود التي تكبله منذ ستة عقود ، ابعثوا الأمل في نفوس أجياله الحديثة ، بأنهم سيتحررون ولاشك ، كما تحررنا نحن. لكننا دفعنا ثمنا غاليا وما زلنا ندفعه ، ولا نتمنى لهم أن ينزفوا كما ننزف الآن ، فهم لحسن الحظ في أحسن حال منا ، لأنهم على دين آخر غير ديننا ، فديننا مع كل الأسف والحزن ، يكافئ سفاكي دماء الأبرياء بالخلود وبجنات ونعيم .

في كوريا الشمالية شعب تزور ارادته منذ أكثر من ستة عقود ، ولا يعرف في أي مرحلة تاريخية يحيا ، والى أي مآل تأخذه قيادة بلاده ، والى أي الأنظمة السياسية ينتمي. نموذج حكم هو أقرب لأنظمة القرون الوسطى ، لم يعد لها أثر في عالمنا ، حيث لا يملك المواطنون فيه أي حق في ابداء الرأي في أي سياسة ينتهجها قائدهم ، المجتمع بأكمله رهن اشارته في السلم أو الحرب. وهاهم الآن أمام مصير مجهول آخر ، سيقودهم نحوه مراهق ، كل ما في جعبته أنه ابن زعيم البلاد ، تماما كما يراد لمصر الآن في أن يتولى قيادتها ابن قائدها الحالي ، وتماما كما كان يخططه لنا صداما ليحكمنا أحد أبنائه بعد موته. إن الحزب الذي لا يستطيع انتخاب قيادته ديمقراطيا وبحرية ، لا يمكن أن يسمى حزبا ، بل يخون الطبقة التي يدعي التحدث باسمها أو تمثيلها. الوقت الذي كان بامكان قائد الحزب أن يبقى في منصبه مدى الحياة قد ولى ، و على كل عضو في ذلك الحزب أن لا يسمح بحدوث ذلك أبدا. حزبا كهذا اذا ما وجد يفقد شرعيته كممثل لأي طبقة أو فئة اجتماعية ، و يتحول رغب قائده أو لم يرغب الى فصيلة الأحزاب الفاشية التي أتت بهتلر وموسليني الى السلطة. إن هتلر وموسيليني والخمير روج ، قادت شعوبها والعالم الى كوارث انسانية لم تكن مبررة لولا حماقة أولئك القادة السياسيين المهووسين بشعورالعظمة وحب الذات حد المرض. لكن الشعوب مهما بلغت من الوعي السياسي والثقافي يمكن أن تنخدع بديماغوغية قادتها السياسيين ، وإلا ما اختار الشعب الألماني أدولف هتلر زعيما لحكومته بأكثرية ساحقة في الانتخابات العامة قبيل الحرب العالمية الثانية.

 

 

free web counter