| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

السبت 27/6/ 2009

 

هل من نهاية .. لتوتر العلاقات بين السيدين المالكي والبرزاني.......؟؟

علي ألأسدي - البصرة

ضباب كثيف يحجب الرؤيا في مسار العلاقات بين رئيس الحكومة السيد المالكي حصرا وسلطة إقليم كوردستان ، ومع أن الأخطار المحدقة بالوطن والشعب العراقي لا يمكن ولا ينبغي الاستهانة بها لا يبدو أن أي منهما قد أدرك أبعاد ما قد يحدث. ولا يجب في هذا الظرف الحساس الذي تمر به العملية السياسية الهشة أصلا تحميل أي طرف مسئولية استعصاء التوصل إلى حلول للمسائل الخلافية ، فكلاهما مذنب حتى يخمدا الدخان قبل أن يتحول إلى لهب يحرق الأخضر واليابس. إن موضوعات الخلاف بين الطرفين مرشحة للتصعيد أكثر إذا ما أقحم الإعلام في التدخل لصالح طرف على حساب الطرف الآخر ، فيما المطلوب والملح هو دعم الحوار وتوفير الأجواء لبناء الثقة وتعزيز التفاؤل للتوصل إلى حلول في صالح الجميع.

كان السيد المالكي رئيس الوزراء قد أبدى في وقت سابق من هذا العام عددا من الإشارات توحي باعتراضه على بعض سياسات حكومة إقليم كوردستان ، تعلق أكثرها بالدور السيادي لحكومة العراق الاتحادية والتي كان محورها عقود النفط التي وقعها الإقليم مع شركات نفط أجنبية واعتبرت من قبل وزير النفط الاتحادي غير شرعية. ومع أن مشكلة الناتج النفطي قد حلت جزئيا إلا أنها ما تزال تلقي بظلالها على جو العلاقات بين أربيل وبغداد. ومما زاد العلاقات توترا الرأي الذي طرحه رئيس الوزراء أخيرا بخصوص النظام الرئاسي ، الذي فسره الطرف الآخر بكونه تمهيدا لعودة ديكتاتورية الحزب الواحد.

إن لرئيس الوزراء الحق في إبداء ما يراه مناسبا لقيادة الدولة التي يطمح أن يراها قوية ومستقرة وقادرة على الوقوف على قدميها بعد انهيارها المريع الذي رافق الغزو الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة في 20 / 3 / 2003. وقد يكون رئيس الوزراء محقا تماما في سعيه لتطوير النظام السياسي الحالي ، مستفيدا من ممارسته لمنصبه خلال السنوات الأربع الماضية ، ولا ينبغي النظر لمبادراته بعين الريبة والشك ، وعدم التسرع في إصدار الأحكام بشأنها قبل أن تتوضح تفاصيل ما يعنيه من وراء ملاحظاته تلك. لكن كلمة الحق يجب أن تقال ، فقد كان الأولى برئيس الوزراء أن لا يبث آراءه على الهواء عبر وسائل الإعلام قبل أن يناقشها مع شركائه في العملية السياسية خلف أبواب مغلقة. وكان عليه أيضا أن يترك المجال للجان المشكلة لهذا الغرض لاقتراح ما تراه مناسبا لحل الإشكالات القائمة. إن الحساسية المفرطة لدى المسئولين في إقليم كوردستان قد أشعرتهم بالمرارة ، ودفعت بعلاقتهم برئيس الوزراء إلى أدنى مستوى لها ، وهو وضع كان يجب تلافيه بأي شكل في ظل الأجواء المتوترة في العراق عموما.

من خلال دراسة مختلف وجهات النظر التي ظهرت على السطح ، وما جرى الحديث عنه في مؤتمرات صحفية خلال العام الماضي ، يمكن إجمال موقف سلطة إقليم كوردستان من سياسة رئيس الحكومة العراقية في أربعة موضوعات رئيسية هي :

1- موضوع الشراكة في الحكومة الاتحادية : إحدى مواضيع الخلاف كما طرحها البرزاني مرار ا هي " إدارة الدولة " التي يجب أن تتم وفق قاعدة التوافق بين الكتل السياسية المشتركة في العملية السياسية وعلى أساس احترام ما نص عليه الدستور. ولأنه لم يحصل أي حزب على أغلبية مطلقة في الانتخابات السابقة ، فقد تم تشكيل الحكومة بالتوافق ، وهو المبدأ الذي يجب اعتماده واحترامه عند صياغة كافة السياسات الداخلية والخارجية للحكومة العراقية ، بما يعني أن رئيس الوزراء مقيد بالرجوع إلى القوى السياسية الرئيسية قبل اصدار قرارته أو اتخاذ إجراءات هامة.

2– موضوع النفط : بخصوص هذا الموضوع ترى سلطة الإقليم أن الدستور قد أتاح لها حق الدخول في عقود مع الشركات النفطية ، وهو حسب رأيهم ينسحم مع النص الذي يقر بأن النفط و الغاز ملك لجميع العراقيين ويجب توزيع موارده بشكل منصف عليهم وفق هذا المبدأ ، ولهذا اعتبرت المائة الف برميل التي انتجت من الحقول النفطية في كوردستان جزءاَ من الانتاج الاجمالي ( في العراق ) الذي يجب أن توزع موارده وفق الاتفاق مع الحكومة الاتحادية. والمشكلة الأخرى في هذا الموضوع هي السياسة النفطية التي تتبعها وزارة النفط الاتحادية التي تعتبرها سلطة الإقليم فاشلة. منطلقة من حقيقة أن الحكومة الاتحادية قد خصصت منذ عام 2005 ميزانية بثمانية مليارات دولار لإعادة تأهيل الصناعة النفطية العراقية من أجل زيادة مستوى الانتاج ، لكن الانتاج تناقص بدلا من أن يتزايد ، ولا يعرف ما حصل للميزانية المخصصة بالفعل ، ولماذا لم ينفق المال على الأغراض التي خصص لها؟. من الواضح أيضا إن الوزارة قد تقاعست في اصدار قانون النفط والغاز وهو صورة أخرى للفشل التي يجب أن يعرف الشعب العراقي أسبابه.

3 – موضوع القوات الأمنية والعسكرية : يعتقد الكورد أن الجيش أسوة بموارد النفط وغيرها من الثروات يجب أن يكون ملكا لعموم العراقيين وان يكون هناك توازن في تحديد نسب سائر مكونات العراق فيه ووفق أسسه العسكرية والمهنية. و يشعرون بأن هناك نزوعا وميلا لتهميش و معارضة المشاركة الكوردية (في الجيش)، ويبدو وفق رأي الكورد ، أن هناك تحركا من جانب واحد من اجل خلق جيش من شأنه أن يخضع لمسؤولية فرد معين، وهي أكثر إثارة للقلق قبل أي شيء آخر. و لا ينبغي على الجيش أن يشارك في الحياة السياسية ، أو يشارك في تسوية النزاعات الداخلية بين هذه المجموعات السياسية. أن تعيينات قادة الفرق في الجيش مرهونة بمصادقة البرلمان ، لكن رئيس الوزراء لم يعين أي قائد عسكري وفق هذا السياق ، مع أن للجيش العراقي 16 فرقة عسكرية. ان رئيس الوزراء هو (القائد العام للقوات المسلحة) ، ومن وجهة نظر قيادة الإقليم أن هذا لا يعني انه مخول ليقوم بكل ما يشاء ، أو أنه يتصرف بشكل مستقل وأحادي دون التنسيق مع وزارة الدفاع او مع رئيس أركان الجيش او مع أي جهة مسئولة أخرى.

4 – المناطق المتنازع عليها : يعتبر الكورد ان احدى الاسباب لبقاء اقليم كوردستان جزءاً من العراق هو الدستور الذي أقره الشعب ويجب الالتزام بكل بنوده . ان المناطق المتنازع تعتبر بالنسبة لهم مسألة تاريخية ، وأن المواجهات بين الحركة الكوردية ومختلف الحكومات العراقية السابقة كانت بسبب الاختلاف على تلك المناطق المتنازع عليها ، وتعتبر المادة 140 من الدستور خارطة الطريق لمعالجة هذه المسألة. لقد تم التصويت لصالح الدستور من قبل 80 % او اكثر من الشعب العراقي في عام 2005، والدستور هو حزمة متكاملة لايمكن التعامل مع بنوده بصورة انتقائية ، أو البحث عن بديل للمادة (140). إن الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها هو مفتاح الحل ، وتطبيع الأوضاع في تلك المناطق سيتضح من خلال احترام إرادة سكانها واختيارهم ، وهذا سيتم بعد إجراء الإحصاء السكاني.

لا شك أن بقاء الخلافات التي ذكرناها دون التوصل إلى حلول من خلال الحوار الجاد وتبادل الآراء والتنازلات وتليين المواقف فإن الاستعصاء مرشح ليكون سيد الموقف ، وعندها سيكون الجميع خاسرون. إن بعض الجهات داخل العراق وخارجه شغوفة بتصعيد التوتر الحاصل ، منطلقة من دوافع قومية متعصبة لا تستطيع التحلل من ماضيها العنصري الذي مثلته سياسة الصهر القومي التي اتبعها النظام السابق ضد كل القوميات غير العربية في بلادنا. ولهذا يجب عدم الخلط بين السعي لبناء عراق ديمقراطي حر تتمتع فيه جميع المكونات بالمساواة في الحقوق والواجبات ، وبين السعي لبناء عراق تكون الديمقراطية فيه وسيلة للاستئثار في السلطة والنفوذ ، وهو ما رفضته الجماهير الشعبية خلال نضالها القاسي الطويل ضد الديكتاتورية البغيضة.

وإذا لم يسعى ذوي النوايا الحسنة لإعادة الصفاء والتعاون بين حلفاء الأمس، فستبقى كلمات الحرية والسلام والعيش والمصير المشترك مجرد كلمات بدون معنى ، ولا أعتقد أن هذا ما كان ينتظره العراقيون ويتمنوه من قادتهم السياسيين.



البصرة 26 / 6 / 09



 

free web counter