| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأحد 27/12/ 2009

 

عرب الجنسية.. والفرس المجوس..؛؛

علي ألأسدي - البصرة

كان النظام السابق قد أطلق تسمية " عرب الجنسية " على الزعماء العرب ، و تسمية " الفرس المجوس " على الزعامة الايرانية ، بعد أن ضاق ضرعا بأشقائه قادة البلدان العربية ، وبممارسات الايرانيين غيرالودية تجاه العراق في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي. وبعد أكثر من ربع قرن على إطلاق تلك التسميات يعيد التاريخ بعض مشاهد تلك الفترة للذكرى وأخذ العبر. لقد خص صدام العرب بتلك التسمية التهكمية الفاضحة حينها ، استخفافا بمواقف حكامهم الهزيلة من قضايا العرب المشتركة، نافيا عنهم صفة العروبة الحقة ، وبأنهم ليسوا عربا أقحاحا مثله ، بل عربا بالتجنس ممن لايتحلون بشهامة وكرم وعادات العرب الذين ينتصرون للشقيق والجار في المحن كما اعتقد في صباه. أطلق هذا الوصف بعد ما أبداه زعماء الدول العربية تجاه العراق من جحود صعب عليه فهمه أو تفسيره في حين كان هو بأمس الحاجة لتضامنهم ومساعدتهم وقت فرض على العراقيين الجوع والترمل والمرض والعزلة. لقد كان مصطلح " عرب الجنسية " ذاك تعبيرا عن المرارة التي عاناها النظام وقت كان يخوض حربا ضروسا بالنيابة عنهم ، مفتونا بشهامة عربية وكرما لاأساس لهما في الواقع والتاريخ. لقد استغفل العرب صداما قبل أن يكتشف بنفسه أن لا شيئ يربط أولئك العرب بالشهامة والغيرة والنخوة ، وأن ما يشغل أولئك العرب هو اشباع نهمهم للجنس والمال ، وأن ليس لديهم ما يقدموه للعراق غير الكراهية والموت. لقد بقي حتى أخر يوم في حياته يحمل هما لم يستطع الافصاح عنه ، وربما لو كتبت له حياة أطول في السلطة والحكم ، لأخبرنا عن ما اكتشفه عن معدن أولئك العرب ، وعن سر حقدهم على العراق وشعبه ، ولماذا يتلذذون بنهش لحمه وتهشيم عظامه ، وإذلال بناته وأبنائه؟

لقد كنا نحن العراقيون البسطاء اكثر فطنة ومعرفة بحقيقة عروبة واسلام الحكام العرب ، يوم كان هو مسحورا بالقومية العربية ، وبوحدة أمة أبت إلا أن تعيش في الماضي ، عهد الحريم والجواري والغدر والتآمر. لقد قدمنا له دروسا بألويات الأهداف الوطنية لخدمة بلاده أولا وبذلك وحده يمجده شعبه ، لكنه لم يصغي ولم يستفد ، وسار في طريق المغامرات الطائشة حتى أنتهى إلى ما انتهى إليه. مأساة إنسانية سيتذكرها التاريخ دائما ، رجل ، برغم عقده الكثيرة ودمويته تجاه خصومه ، توسمت فيه القدرة والكفاءة لقيادة دولة لخير شعبها وازدهاره ، لكنه لم يفعل ، و اختار الهاوية ، فهوى بنفسه وشعبه نحو الكارثة.

إن " عرب الجنسية " الذين خذلوا صداما مرات يذرفون الآن دموع التماسيح على نظامه ، ويدعمون اليوم مرتزقة وعملاء منحطين لاشعال الفتن في بلادنا ، وارسال عتاة المجرمين بالمئات عبر الحدود، لتكبيدنا المزيد من الفواجع والآلام ، ولمنعنا من تضميد جراحنا ودفن ضحايانا وإعادة بناء بلادنا. إنه تحالف غير مسبوق يشارك فيه العرب والعجم ، موحدين تماما مثل ما فعلوا في خمسينيات القرن الماضي. حينها اتهمونا بالشيوعية ، ولم يستقر لهم حال حتى أطاحوا بحكومتنا وسلامنا وأحلامنا، وحينها كما الآن لم نرمي عليهم حجرا ، ولم نقطع لهم شجرة ، ولم نصدر لهم الشيوعية أو ندعوهم لاعتناقها ، ولم نكن حينها رافضيين ونواصب.

وهاهم الايرانيون يكررون الخطأ ذاته الذي ارتكبه صدام ، عندما فسر إشارات الأمريكان كما يحلو له ، وهم بذلك يسلكون ذات الطريق الذي قاده إلى كارثة غزوه للكويت ، فاحتلوا أراضي ومياها وحقلا نفطيا ، متناسين أو متعمدين ، أن ليس العراق مرعا مشاعا ، أو أرضا بدون شعب. ولا نستبعد أن يكون الأمريكان قد أوحوا للايرانيين كما أوحوا لرئيس النظام السابق قبل غزوه للكويت ، بأن التمدد في الداخل العراقي شأن سياسي خاص بكم وبالعراق ، وإنهم لا يتدخلون في العلاقات السياسية بين دولتين ذي سيادة. فليس من المعقول أن يقوم الايرانيون بهذه الخطوة فيما للأمريكيين أكثر من مائة وثلاثون ألفا من العسكريين المدججين بالسلاح ، موزعين على عشرات القواعد العسكرية المنتشرة على الأرض العراقية ، مدعومة بمئات الطائرات العسكرية المتأهبة للقتال. هذا إضافة إلى أن العراق ما زال دولة محتلة وتحت الحماية الأمريكية وقوى التحالف الأخرى. ومما يؤكد هذا الرأي تصريح قائد عسكري أمريكي تعقيبا على الاجراء الايراني. فقد صرح الجنرال لانزا لـ مراسل صحيفة «الحياة» في عددها ليوم 27 / 12 / 2009 قائلا : أن «الجيش الأميركي لا يستطيع الخوض في الأزمة الناتجة من الخلاف الإيراني- العراقي على حقل الفكة كثيراً لأن المسألة سيادية، من حق الحكومة العراقية وحدها التحدث عنها، فالعراق اليوم بلد ذو سيادة، وعلى الجميع احترام ذلك». ونصح بغداد بتسوية المشكلة «بالطرق الديبلوماسية والقنوات السياسية السلمية».

نفهم من قول الجنرال الأمريكي أن دولته تحترم كثيرا السيادة العراقية ، وإلا ، ما كانت احتلت أراضيه ، وأحالت ملايين من أبنائه الى متسولين ، ودفعت بعدة ملايين أخرى خارج بلدهم طلبا للأمن والكرامة والمأوى ، وألقت بملايين من سيئي الحظ خارج محال سكناهم ومدارس وملاعب أطفالهم ليسكنوا الخيام والخرائب. ولولا هذه السيادة ما كانت فتحت حدوده البرية والبحرية للجريمة المنظمة ، لتنهب آثاره وتعبث بتراثه وتدمرمدنه وقراه،وتنشر بؤر التجسس لتستبيح خصوصياته ومحرماته ، ولتحرم الشعب من الأمن والاستقرار اللازم لبناء اقتصاده وتطوير أجياله.

ولا ندري كم من شعوب الأرض الآن وفي المستقبل تحلم بشيء من مثل هذه السيادة التي تحدث عنها الجنرال والتي يرفل متنعمين بها العراقيون.

 


البصرة 27 / 12 / 2009







 

free web counter