| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                           الأربعاء 26/12/ 2012

 

لماذا يتدخل الغرب ... في الشأن الداخلي السوري...؟؟

علي ألأسدي

المزاج السياسي في العالم في الوقت الحاضر يذكر بالأجواء التي مهدت لها وسائل الاعلام الغربية عام 2002 استعدادا لغزو العراق. الرأي العام العالمي حينها كان قد عارض غزو العراق معبرا عن ذلك بمظاهرات صاخبة جماهيرية شاركت فيها مئات الالاف من الناس بعكس ما نشهده اليوم تجاه الوضع في سوريا. فلم تشهد لندن وواشنطن او حتى العواصم العربية مظاهرات احتجاجية ضد تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا ، كالتي خرجت للتنديد بغزو العراق عام 2003.

لعل السبب هو اليأس الذي أحاط بالناشطين السياسيين المعارضين للراسمالية الذين تتناقص اعدادهم يوما بعد يوم ، وهذا ما شجع حكوماتهم للسير قدما بخططها لاسقاط النظم التي لا تعجبها ، برغم أن صدام حسين الذي اشتبكوا مع شرطة حكوماتهم ضد شن الحرب عليه أسوء كثيرا من الأسد الابن.

ولعل السبب هو في الاسلوب الجديد المستخدم في الاطاحة بالنظم السياسية العربية غير المرغوب فيها من قبل الادارة الأمريكية وحليفتها اسرائيل الذي جرب بنجاح في اسقاط النظام الليبي عن بعد ، دون الحاجة لتحريك الجيوش الجرارة ذات التكاليف المالية والبشرية الباهظة. فهم يحاولون بنفس الأسلوب اسقاط النظام السوري من بعد ، وقد شكلوا لذلك غرفة عمليات مقرها تركيا ، ومن هناك توجه عمليات ارسال الاسلحة والمقاتلين والأموال ، ومن هناك توجه العمليات الداخلية الاستخبارية لتدمير مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية والمدنية.

انهم يعيدون السيناريو ويراقبون ويترقبون أخر لحظات تنفيذه ، فهم ليسوا على عجالة من أمرهم ، عملية القتل والحرق تأخذ مداها كما مخطط لها في داخل سوريا ، وما زال لهم الكثير من المرتزقة المستعدون لعبور الحدود للقيام بذلك. لقد حققت الولايات المتحدة أهدافها في ليبيا ، تماما كما تحققت أهدافها في حربها في العراق. فمثلا تم لها :

1- تدمير ترسانة السلاح التي كانت في حوزة القذافي ، وهذا حدث في العراق أيضا ، وتشير التكهنات ، وكما أكد السيد البرزاني أكثر من مرة بقوله : " فقط من له عقل العصافير يصدق أن تقوم قائمة للجيش العراقي." وأزعم أنه واثق مما يقول ، لأن قرار تسليح جيش العراق ، وتسليح أي جيش عربي منذ البدء ببناء الشرق الأوسط الجديد سيكون مرهونا باسرائيل وحدها. ولهذا السبب لم تنجح لحد اليوم اي حكومة عراقية نصبت من قبل الأمريكيين او عن طريق الانتخابات في عقد صفقة سلاح واحدة مع أي دولة. والدول التي لها اسلحة منذ ماقبل البدء ببناء الشرق الأوسط الجديد ستحتفظ بها كجزء من تراثها العسكري ، ولن تكون قادرة على تعويضها ، عدا السلاح الخفيف .

2 - اعادة السيطرة على آبار النفط ، وهذا قد حدث في العراق ايضا ، وشتان بين نفط العراق ونقط ليبيا.

3- وضع حكومة موالية للغرب 100% ، وهذا ما حاولت فرضه الولايات المتحدة في العراق لكنها لم تفلح تماما ، مما اضطرها للتعامل بأسلوب يترك لها حيزا واسعا لفرض رأيها على بعض الشركاء في العملية السياسية.

4 - تخريب البنية التحتية ، وهذا ما حدث في العراق أيضا.

5 - تخريب العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الليبي بزرع نواة الحرب القبلية التي مازالت جارية ، وهذا هو النموذج الذي رسم في العراق أصلا وفشل لحد اليوم على الأقل في الناحية الفعلية ، لكنه نجح من الناحية النفسية نسبيا. وسيجري تنفيذه في الدول التي وضعت على قائمة التدمير بينها سوريا والسودان وايران ، والعملية سارية في الباكستان منذ سنين لتدميرها بحجة القضاء على طالبان باكستان ، بينما الهدف هو تفكيك سلاحها النووي الذي لعب خبراء باكستانيون في مساعدة ايران وحاولوا مساعدة القذافي.

6 - تمكين التيارات الاسلامية الموالية لها من الوصول الى السلطة وتعزيز وجودها في المجتمع والدولة الليبية. وهذا ما حصل في العراق.

الخراب الشامل الاقتصادي والاجتماعي الذي لحق بالعراق بنتيجة الاحتلال كان هائلا ، وبرغم مرور حوالي تسع سنوات عليه ما زلنا لم نستطع اعادة الحياة الطبيعية للعراقيين. فتبعات الاحتلال النفسية والأخلاقية والسياسية والصحية والبيئية من العمق بحيث يصعب تحديد المدى الذي ستستمر فيه معنا.

لا نتمنى لسوريا الشقيقة أن تواجه أهوال ما واجهنا ، أو أن يعيش أبناءها من ضعاف الحال كما يعيش ضعاف الحال من عراقيينا ، فهم يهجرون ويجوعون ويعانون ويهانون ويقتلون ويمرضون ويموتون بصمت ولا يتذكرهم أحد.

لقد شجع التدخل الأجنبي في الشأن السوري الداخلي عدم الاستقرار الداخلي في سوريا بشكل سافر وغير مسبوق. وبدفع مباشر من الولايات المتحدة كثفت دول الخليج من ارسال المرتزقة والأسلحة بحجة مساعدة حركة المعارضة ، تحولوا بعد فترة قصيرة من دخولهم ساحة الصراع الى قوة قتالية رئيسية ، فرضت أجندتها السياسية على المعارضة السورية وحولتها الى تابع وهامشي. وقد نجحت في تحويل الاحتجاج السلمي للمعارضة السورية الى صراع مسلح هدام وتخريبي ، ليس فقط ضد مؤسسات الدولة والأحياء السكنية ، بل ضد استقرار وأمن الأقليات من مكونات الشعب السوري التي تعرض ابناءها وبناتها للقتل وهجر بيوتهم وأعمالهم.

في آخر وأحدث تقرير للجنة التحقيق الدولية المستقلة، المكلفة من قبل الأمم المتحدة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والمجازر وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية في سوريا الذي يغطي الفترة من 28 سبتمبر الماضي 2012، وحتى 16 من شهر ديسمبر الجاري ، جاء فيه :

" أن الصراع السوري وبعد عامين من انطلاق مظاهرات الاحتجاج السلمية في سوريا ، قد أصبح صراعا طائفيا بامتياز، وأن الأقليات المسيحية والدرزية والتركمانية والكردية، وكذلك اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، قد تم جرهم إلى الصراع. أن تحول الصراع في سوريا إلى تلك الدرجة من الطائفية بات يشكل مخاطر واضحة بأن مجتمعات بأكملها داخل سوريا أصبحت مهددة بالاضطرار للخروج من البلد أو التعرض للقتل داخل البلاد، بما يعني أنها تواجه تهديدا وجوديا. أن الحاجة الآن إلى التفاوض والتوصل إلى تسوية سياسة، هي أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. أن العنف الذي لا يهدأ في سوريا قد أسفر عن وقوع الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمختفين، وكذلك الدمار هائل الحجم في كل مكان، وفى الوقت الذي فر الآلاف من منازلهم هربا من جحيم العنف المتصاعد، فان من بقوا يواجهون يوميا تحدي تأمين الاحتياجات الأساسية."

هذا الذي يحدث الآن بدفع واشراف الحلف الأطلسي ، فكيف يكون الحال في مرحلة ما بعد سقوط الأسد ..؟

المتوقع أن تنفجر في البلاد كلها حربا أكثر دموية تطهيرية عنصرية ، تذكر العالم بحرب الصرب ضد مسلمي البوسنة والكروات وكوسوفو في تسعينيات القرن الماضي. وتذكر أيضا بفظاعة حرب التطهير العنصرية التي نفذتها العصابات الفاشية الصهيونية ضد الفلسطينيين عشية اعلان دولة اسرائيل. حربا قذرة بكل المقاييس ، ظاهرها اسلامي بينما حقيقتها اجرامية وتخريبية لتدمير كل ما له صلة بالمدنية.

نقلت وكالة رويتر للانباء في 14 ديسمبر الجاري ، حديثا للمستشارة الألمانية ميركل قولها : " من المبكر جدا اعادة النظر بقرار حضر توريد السلاح للمعارضة السورية ، واننا مقتنعون بان هناك حاجة لانتقال سياسي للسلطة في سوريا لمستقبل بدون الأسد ، وحينها سيتم احترام حقوق الانسان وحماية الأقليات ."

تصريح مراوغ وخبيث ، فالاسلحة والأموال يتم توريدها بسخاء للمقاتلين الاسلاميين دون توقف باعتراف وزير الخارجية البريطاني وليام هيك ، فقد تعهد بتزويد المقاومة المسلحة بمعدات عسكرية اكثر واحدث ، معترفا بأنه لا حدود لما تتعهد به بريطانيا من دعم. وفي نيسان الماضي زيدت المساعدات الأمريكية وحدها لمجلس المعارضة السورية بمقدار 12 مليون دولار تحت مسمى (مساعدات انسانية).

انهم على علم بان هناك حربا تطهيرية عنصرية لكنهم لا يفعلون شيئا الا بعد رحيل الأسد كما يدعون ، يالها من مشاعر انسانية ، مشاعر يمكن تأجيلها حسب الظرف والهدف ، هي نفسها لا تتغير بتغير قادة الحكم في الغرب يمينيين * كانوا أو يساريين ، فاذا لم يتيقنوا بأن أهدافهم السياسية تتحقق على ارض الواقع ، فلن يرمش لهم جفن حتى لو غرقوا في بحر من دماء الأبرياء.

خطة اسقاط نظام الأسد موضوعة منذ أمد ، ففي تصريح للجنرال Wesley Clarke الذي عمل قائدا للعمليات المشتركة في الحلف الاطلسي بين 1997 – 2000 قال فيه : انه استلم رسالة من مكتب وزارة الدفاع الامريكية عام 2007 تقول " ان الحكومة السورية ستكون واحدة من سبعة حكومات ستقوم الولايات المتحدة بتدميرها خلال الخمس سنوات القادمة ". هذا الخبر لن يشمل دولا عربية مثل السعودية وأخواتها الخليجيات فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، لكن على دول مثل السودان والأردن ان تحزم أمرها قبل فوات الأوان.

لكن لماذا يتدخلون أصلا في شئون الدول الأخرى ، ما شأنهم بما تنفذ من سياسات و ما تتخذ من اجراءات في داخل حدود بلادها ..؟

من خولهم بالتدخل .. ومن أعطاهم الحق في تهديد أمن وسلامة واستقرار شعب دولة من الدول ..؟

أليست المنظمة الدولية هي المرجعية لأي دولة عضو فيها ، وهي من يقرر فيما اذا خرقت هذه الدولة أو تلك ميثاقها الموقع عليه من الدول جميعها ، وأن جميع الدول الأعضاء متساون في الحقوق والواجبات..؟

ألم تصدر الأمم المتحدة قرارها بانهاء الاستعمار .. وتحريمه في ستينيات القرن الماضي..؟

الجنرال كلارك لم يعطي أية تفاصيل سوى أن حكومة سوريا على القائمة ، لكننا نعرف التفاصيل ، حتى لو لم يقلها الجنرال كلارك. لم يكن المقصود بتلك القائمة شخص حاكم الدولة ، بل الدولة ذاتها ، مؤسساتها المدنية بما فيها تراثها الحضاري ، جيشها وأجهزة أمنها ، نظامها التعليمي والصحي ، كادرها الثقافي والعلمي ، جامعاتها ، متاحفها ، نظامها السياسي والتعليمي والتربوي ، أمنها الخارجي ، وبيئتها الطبيعية ، وأهم من ذلك كله كرامتها وشرف مواطنيها..هذا هو الهدف وقد خبرناه في العراق ، فليسألونا عما تركه الأمريكيون في بلدنا ، وعلى أولئك الذين ينتظرون سقوط هذه الدولة أو تلك أن يتذكروا جيدا ما عانيناه خلال السنين التسعة الماضية ، فهو درس لمن لم يتعلم التاريخ.

هذه الحقائق لا تتحدث عنها قناة الجزيرة والعربية ، بينما يجري التغطية على ما يجري من فظائع يرتكبها المسلحون المرسلون من خارج سوريا الممولون من قبل قطر والسعودية ، بينما يعطون الانطباع بأن المقاومة المسلحة هي ضد الصهيونية ، وان الأسد جيد لآسرائيل. اذا كان الأمر كذلك فلماذا اذن تعادي اسرائيل ايران في وقت هي حليف رئيسي لسوريا.

وبينما يهيمن الاعلام السعودي والقطري على الراي العام ، فان الصوت الديمقراطي قد تضاءل اكثر وأكثر داخل سوريا ، وهذا ما أوصل الأمور الى هذا الواقع المأساوي. حركة جماهيرية بدون حزب جماهيري لا يمكن أن يكتب لها النجاح. الحركة الشيوعية في سوريا مترهلة وعاجزة عن لعب دورها كوعاء للحركة الديمقراطية ، فهي منقسمة على نفسها منذ عقود ، ومن الطبيعي أن يكون دورها السياسي غير منظور وغير فاعل وهامشي.

ضعف دور الحركة الديمقراطية في مسار الأحداث الجارية منذ 22 شهرا ليس وليد اليوم ، بل منذ عهد الأسد الأب. لقد كانت هناك فرصة للحزب وللقوى الديمقراطية لتوحيد جهودها حول برنامج اصلاح ديمقراطي يطرح على الأسد الابن بعيد استلامه السلطة. الاخفاق في اجبار النظام حينها لاجراء اصلاحات ديمقراطية حقيقية في البلاد خلال العقد الماضي قاد سوريا الى هذا المأزق الذي هي فيه ، وها هو وبقية القوى الديمقراطية السورية يدفعون الثمن غاليا.

البديل القادم للحكم والحاكم ليس أفضل من نظام الأسد ، وستنتظر سوريا مرة اخرى عقودا أخرى من انعدام الديمقراطة ، فالفاشية الاسلامية قادمة ، تحت حماية وتشجيع الولايات المتحدة ، وستلتزم بسياساتها حرفيا. ان التغيير القادم لن يكون ديمقراطيا ، بل تغييرا فوقيا ثيوقراطيا تلعب فيه القوى الرجعية الدينية الموالية للصهيونية دورا رئيسيا.

 

* (نقصد هنا ميركل وكاميرون من المحسوبين على اليمين ، بينما فرانسوا هولند ، الله يجرم من الاشتراكيين.)

 

free web counter