| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأثنين 21/7/ 2008



الاحتكارات النفطية و المالية الأمريكية والبريطانية
وراء ارتفاع أسعار النفط

علي الأسدي

تشير أكثر الدلائل على أن الطلب العالمي على النفط ، لم يتغير كثيرا خلال العامين الأخيرين. فقد ازداد الطلب على النفط الخام في العام الماضي بحوالي 1% ، أي بحدود مليون برميل نفط ، وقد تجاوبت الدول المصدرة للنفط مع هذه الزيادة في الطلب ، من خلال زيادة العرض من نفطها الخام في السوق العالمي.

بعض التقديرات تنبأت ، بأنه خلال ربع القرن القادم ، سيزداد الطلب على النفط الخام من 90 مليون برميل حاليا في اليوم إلى 140 مليون برميل يوميا في العام 2030 . آخذين بنظر الإعتبار نمو الطلب على النفط الخام في الهند بنسبة 7% وفي الصين بنسبة 9 %. والتوقعات الحالية لزيادة إنتاج النفط في السنين القليلة القادمة ، تأخذ بنظر الاعتبار تحسن القدرات الإنتاجية لحقول النفط العراقية التي تعمل الآن بأقل كثيرا من طاقتها قبل الاحتلال.

وإذا ما استطاع العراق تطوير ومباشرة الإنتاج من حقلي غربي القرنة ومجنون العملاقين ، فأنه قد يرفع إنتاجه إلى أكثر من 5 ملايين برميل يوميا في نهاية 2010، وعندها لن تخشى الدول غير النفطية من أي شحة في النفط الخام على مدى القرن الحالي وربما الى أبعد من ذلك. فالإحتياطي النفطي العراقي الذي تتكشف يوما بعد يوم أرقاما مفرحة عنه ، سيؤمن النفط الخام للعالم لمدة قد تزيد عن 175 عاما قادمة.

وستلعب هذه الأرقام عن احتياطيات النفط العراقي في درء المخاوف المبالغ فيها بتعمد عن نقص الإنتاج الحالي للنفط الخام عن الطلب العالمي عليه. وكما بينا في البداية ، أن الزيادة في الطلب على النفط الخام لم تتجاوز 1% خلال العام الماضي والحالي ، وأن الدول النفطية تتجاوب مع تلك الزيادة بإيجابية ، بل وقد زادت المملكة العربية السعودية إنتاجها خلال الشهور الماضية بمقدار 30000 برميل يوميا، استجابة لطلب الرئيس بوش في زيارته الأخيرة إلى السعودية، إضافة إلى زيادة طفيفة في صادرات العراق النفطية.

ورغم تأكيدات المختصين في منظمة الدول المصدرة للنفط ، بأن الطلب الفعلي من قبل الدول الصناعية على النفط لم يشهد تغيرات غير عادية، إلا أن حمى ارتفاع الأسعار ترتفع دون أي مؤشرات بالتوقف. وقد بلغت أخيرا إلى مستوى 150 دولارا للبرميل الواحد ، ويتوقع أن يستمر الصعود الجنوني إلى مستوى 200 دولارا. فأين تكمن اللعبة في كل هذا؟

إن ما يشاع عن نفاذ قريب لاحتياطات النفط في العالم ، أو أن الطلب على النفط الخام ، يزيد كثيرا عن الطاقات الإنتاجية للدول المصدرة ، إنما هي حلقة واحدة من حلقات المسلسل الذي تبرع في لعبه المؤسسات المالية الكبرى ، وشركات النفط الاحتكارية ، والتي على رأسها بريتش بتروليوم وأكسون وشيفرون الأمريكيتان.

فهذه الشركات والمؤسسات المالية الكبرى ، ضالعة في عملية مضاربة بالعقود الأجلة لشراء النفط ، مستثمرة ملياراتها من الدولار الزائفة ، لتعويض ما تآكل منها أولا ، وتحقيق الأرباح الخيالية على حساب مستهلكي النفط في العالم أجمع ثانيا. معلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تحملت تكاليف بالغة نتيجة الحرب التي تخوضها في كل من العراق وأفغانستان. حيث تشير أرقامها إلى واحد تريليون وستمائة مليون دولار، وهو مبلغ لم يوفره النمو الأقتصادي الأمريكي الواهن ، وإنما الدين العام و والآفراط في طباعة الدولارات التي فقدت قيمتها. لقد أوجد هذا الوضع وفرة مالية في المصارف تتناقص قيمتها الحقيقية يوميا ، بفعل الهبوط غير المسبوق في سعر الدولار في الأسواق العالمية.

فمنذ عام 1986 فقد الدولار 60% من قيمته تجاه الين الياباني ، و57% من قيمته تجاه الجنيه الإسترليني ، وأكثر من 30 % تجاه اليورو. أن التراجع المستمر في القوة الشرائية للدولار الأمريكي ،وانخفاض قيمته أمام أغلب العملات في العالم ، كان له تأثيره المدمر على اقتصاديات كافة الدول ، وبالأخص الدول النامية الفقيرة.

وكما هو معلوم فأن الولايات المتحدة تتعمد رؤية دولارها ضعيفا أمام العملات الأخرى ، لأنها بفضل ذلك وحده تحاول حل بعض مشكلاتها الاقتصادية. فهي تعمدت سياسة الدولار الضعيف منذ أمد ، بهدف إعادة هيكلة علاقاتها التجارية مع العالم لصالحها ، فتزيد بذلك صادراتها إلى دول الإتحاد الأوربي واليابان وكندا بصورة خاصة ، ودول العالم الأخرى بشكل عام. هذا إضافة إلى سعيها لمعالجة العجز الهائل في ميزان مدفوعاتها.

المتضررون بالدرجة الأولى من هذه العملية الاستغلالية ، هم الدول النامية الفقيرة ، ومستهلكي المشتقات النفطية في الدول الصناعية نفسها. حكومات الدول الصناعية التي تجري هذه اللعبة القذرة بعلمها، لم تعمل شيئا لوقف هذه العملية اللصوصية المفضوحة ، لكنها بدون خجل تطالب الدول المصدرة للنفط بزيادة إنتاجها النفطي. وتكشف هذه العملية الجشعة تشابك المصالح الاستعمارية بين الشركات النفطية الاحتكارية والمؤسسات المالية وحكومات الدول الإمبريالية الولايات المتحدة وبريطانيا.

أن الأموال التي توظف في عمليات المضاربة بعقود مشتريات النفط الآجلة للنفط الخام ، وما تحققه من أرباح أسطورية ، سيضاعف من رؤوس الأموال المستثمرة ، وستتضخم أرقامها على الورق ، لكنها لا تخدم عملية النمو الاقتصادي في بلدانها. فهي لن تؤدي إلى تحسين أداء الاقتصاد ألأمريكي أو البريطاني ، أو تحل مشاكلهما الراهنة ، لأن ما تحققه من ارباح نتيجة ذلك ، لا يعاد استثماره في القطاعات الإنتاجية وتجديد البنى التحتية الطبيعية والاجتماعية التي تخلق فرصا جديدة للعمل ، وهو ما يحتاجه الاقتصاد الذي يعاني من الركود والبطالة. بل بالعكس يؤدي كما هو في الوقت الحالي إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في العالم ، وتزايد معدلات التضخم النقدي ، وقد انعكست آثارها بالفعل على أسعار المواد الغذائية كافة ، مما أثر بشكل مباشر على فقراء العالم فزادهم فقرا.

ووفق ما أعلن عنه المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة ( فاو ) جاك ضيوف ، فأن ارتفاع أسعار الغذاء في 2007 زاد جياع العالم 50 مليونا. وانسحابا على أسعار الغذاء المتنامية منذ العام الماضي ، سيزدادون أكثر في 2008 نتيجة لاستمرار الغلاء وارتفاع أسعار النفط والمحروقات ، وانكماش النمو العالمي وتقليص فرص العمل.

وإذا ما علمنا أن أكثر من9. 2 بليون إنسان لا يتخطى دخل الواحد منهم 2 دولار يوميا ( القوة الشرائية للدولار تتناقص وباستمرار )، ولا يؤمنون بذلك الدخل السعرات الحرارية الكافية من الغذاء. علما أن سعر القمح و الصويا والحليب تضاعف في عام واحد فيما ارتفع سعر الذرة 50% والرز25 % فكيف ستكون عليه الحال مستقبلا؟

ولا حظ المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة أن " تزايد الإنتاج الزراعي في البلدان النامية لن يتأتى إلا من خلال زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في قطاع الزراعة " ، حيث " تقدر المنظمة احتياجيات الاستثمار السنوي للزراعة بنحو 24 بليون دولار ، ويتضمن زيادة الموارد لإدارة المياه ، والطرق الريفية ، ومرافق التخزين إضافة الى البحوث والإرشاد ". ويؤكد خبراء من المؤسسة الوطنية الزراعية في فرنسا على أهمية ضخ رؤوس أموال كثيفة في الزراعة ، فأن استثمار 400 دولارا في الهكتار الواحد ، يمكن أن يضاعف الإنتاج الزراعي ثلاث مرات.

أمام هذه الحقائق المأساوية عن حياة إنسان عصرنا ، تلوذ بالصمت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوربي ، عما تمارسه شركاتها النفطية وبنوكها الجشعة من نشاطات لا تمت بصلة إلى التنمية وزيادة إنتاج الغذاء أو زيادة فرص العمل. إنها تضارب بفوائضها المالية بعيدا عن حاجة المجتمعات ، تلبية للجشع الذي لا تحده حدود.
 

البصرة


 

free web counter