| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 20/12/ 2011

 

الحرب غير المعلنة ... بين اليورو والدولار الأمريكي
(1)

علي ألأسدي

العملة الأوربية الموحدة ( اليورو ) التي ظهرت قبل عشرة سنوات مضت كرمز لأوربا جديدة وموحدة ، تصبح ضحية للمشاعرالقومية والمصالح الاقتصادية الضيقة لبعض دول الاتحاد الأوربي التي تهدد وجودها في المقام الأول. فبريطانيا ومعها بعض الدول الاسكندنافية ( السويد والدنمارك مثالا) تتشبث بمبررات تبقيها خارج الاتحاد النقدي الأوربي ، وكان الموقف الأخير لرئيس وزراء بريطانيا الحالي تجاه النظام المالي الجديد واحدا من أكثر المواقف القومية تطرفا ، عدا كونه موقفا سياسيا ممالئا للولايات المتحدة ودولارها الآيل للانهيار. تعمل الولايات المتحدة بكل وسائلها السياسية والاقتصادية والاعلامية والاستخباراتية ، بل والعسكرية من اجل أن تبقى للدولارالسيادة الكاملة على الاقتصاد العالمي و بوجه خاص على تجارة النفط العربي الذي تستورده مجانا مقابل ورق لم يكلفها غير تكلفة طباعته. وبينما تنحدر الدول الأوربية الأضعف اقتصاديا شيئا فشيئا نحو حافة الهاوية ، يتصاعد التوتر داخل اعضاء الاتحاد الأوربي الأفضل حظا في النمو الاقتصادي. قبل أسابيع فقط تحدث رئيس الوزراء الايطالي الأسبق رومانو برودي بتشاؤم عن " أنانية " ألمانيا في حين عبر ممثلو فرنسا وألمانيا عن استيائهم من الاسراف والتبذير الذي تمارسه الدول الأقل حظا في الرخاء الاقتصادي بين جيرانهما الأوربيين ، لكن ومع التكاليف الباهظة المتوقعة للدعم المالي لها فان الغرض بالأساس هو حماية اليورو من الانهيار(1). واذا حاولنا اجراء مقارنة بين تبعات الأزمة المالية الحالية في الولايات المتحدة والمشاكل التي ينوء بها الاتحاد الأوربي يمكن عندها تناسي الحالة الأمريكية. ومع الوضع الاقتصادي العالمي الذي يزداد سوء وتعقيدا ، فان الجهود المبذولة لتوحيد أوربا ستواجه تحديا عصيبا. الأزمة الراهنة التي يمر بها الاتحاد الأوربي هي نتاج التفاؤل المفرط الذي غمر دول أوربا الساعية للاتحاد الأوربي بصرف النظر عن المصاعب التي رافقت عملية ولادته. فشعور الأوربيين بان العملة الموحدة توحدهم تبدو للبعض ساذجة ، وان فكرة جمع دول متباينة تحت مضلة عملة موحدة لا يشكل في نظر أولئك البعض هدفا يستحق كل هذه التكاليف. لكن عند النظر إلى سجل دول السوق المشتركة قبل صدور ( اليورو ) وبعده نلاحظ أن الاتحاد النقدي قد نجح بالفعل.الدولارالأمريكي لم يكن العملة الموحدة للأمريكيين إلا بعد كفاح طويل خاضه الأمريكيون على جبهات عدة ، فقدوا خلاله أكثر من نصف مليون أمريكي حياتهم ، واستغرق عشرات السنين قبل أن يتوحدوا تحته كعملة موحدة لكافة الولايات الأمريكية. مسيرة الولايات المتحدة الأمريكية للتوحد تحت عملتها الدولار لم تكن يسيرة أبدا ولم تنجح إلا بعد تاريخ طويل من المحاولات الفاشلة ، وقد أفاد الدرس الأمريكي ذاك كثيرا من الدول في دعم عملاتها الوطنية الموحدة ، بما فيهم الاتحاد الأوربي الذي تعززت بناء عليه آمال دوله في اصدار اليورو. لكن فكرة اليورو موضوعا يحمل في طياته مشكلاته. (2)

فايجاد عملة موحدة ضمن حدود وطنية شيئ والايمان بفكرة أن عملة مشتركة يمكن أن توحد المجتمعات داخل بلدان أوربا شيئا آخر مختلف. لقد فشلت محاولة أوربية في عام1865 لاصدارعملة دولية موحدة ، ففي تلك السنة وقعت اتفاقية بين عدد من البلدان الأوربية للتعاون من أجل ايجاد عملة نقدية موحدة ، تلاها مؤتمر في بباريس عام 1867 أطلق عليه " مؤتمر الاتحاد النقدي الدولي ". لقد اتفق المشاركون في ذلك المؤتمر على أن اصدار وحدة نقدية ذهبية من فئة 25 فرنكا فرنسيا مساوية لباون انكليزي ، ولخمسة دولارات أمريكية ، وعشرة فلورينات نمساوية. وقد غادر المشاركون باريس بعد نهاية المؤتمر النقدي العالمي على أمل بدء مرحلة جديدة من السلام والتعاون والرخاء. وبناء على المؤتمر تم الاتفاق بين فرنسا وايطاليا وبلجيكا وسويسرا على توحيد كميات الذهب والفضة في عملاتهم المعدنية قياسا على ما يحتويه الفرنك الفرنسي من المعدنين ، وأصبح لعملات البلدان الموقعة على الاتفاقية نفس كمية الذهب والفضة. وبعد فترة قصيرة بعد تلك الاتفاقية التي اطلق عليها حينها " الاتحاد النقدي اللاتيني " انضمت لها كلا من اليونان واسبانيا ورومانيا وصيربيا وبلدانا أوربية أخرى. كان مهندس تلك الاتفاقية الاقتصادي الفرنسي فيليكس دي بلريو (3)، حيث دلل فيها بأنها ستوسع هذا الشكل من الاتحاد وتساعد على توسيع التجارة العالمية ، كما تجعل من السفر بين الدول أكثر يسرا ، والأهم من ذلك كله فانها تخفف التوترات السياسية بينها. وقد ظهرت بعد المؤتمرعلامات مشجعة من جانب الولايات المتحدة ، حيث أيد الاتفاقية جون شيرمان عضو اللجنة التشريعية في الكونغرس الأمريكي حينها. لكن الأمريكيين الذين لم يكنوا ودا للبريطانيين حينها طالبوا بأن تكون كمية الذهب بالباوند الانكليزي مساوية لما هي في الفرنك الفرنسي ، لكن بريطانيا رفضت المقترح ، مما دفع الأمريكان إلى رفض الدخول في الاتحاد النقدي. أما الحكومات الألمانية التي كان بسمارك في طريقه لتوحيدها في دولة واحدة فقد رفضت الاتفاقية التي كانت فرنسا محورها. الخطة الأصلية للاتحاد النقدي اللاتيني بقيت تتارجح لعدة عقود من السنين ، وفي النهاية تلاشى الحلم الذي كان يطمح لتأسيس العملة الموحدة لكل أوربا.

الموقف البريطاني ذاك يتكررالآن ، فقد رفضت بريطانيا عملة اتحاد النقد اللاتيني في عام 1867 ، وقد كررت رفضها في عام1999 ، حين رفضت التخلي عن عملتها الوطنية " الباوند " وتبني " اليورو " بدلا عنه ، وها هي بعد 144 عاما تعرقل جهود الاتحاد الأوربي لانقاذ اليورو من الانهيار بمحاولة بناء مؤسساته المالية والنقدية استكمالا لكيان أوربي منسجم ومزدهر. وقد اقترحت دول منطقة اليورو السبعة عشرة اجراء تعديلات على اتفاقية لشبونة التي ينضوي تحت بنودها 27 دولة أوربية ، وقد متوقعا أن يوافق اجتماع القمة لدول الاتحاد على التعديلات المقترحة ، لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استخدم حق النقض لوقف التعديلات المقترحة ، وبذلك يتعذر على دول منطقة اليورو تنفيذ المقترحات الخاصة لاقامة الاتحاد المالي المناسب والضروري لدعم اليورو ولتجاوز الأزمة المالية الحالية وتحاشيها مستقبلا. وقد أحدث الموقف البريطاني خيبة أمل كبيرة داخل منطقة اليورو ، وخاصة على فرنسا وألمانيا ، لكن اليمين الأوربي ، وفي داخل حزب المحافظين الحاكم رحب بقرار كاميرون واستقبل قراره بحماس كبير في جلسة مجلس النواب التي تلت قرار بريطانيا في مؤتمر الاتحاد الأوربي ، ورحبت أيضا كلا من حكومتي السويد والدنيمارك غير العضوتين في اليورو بالفيتو البريطاني.

لقد ناقش ممثلو منطقة العملة الموحدة الموقف الذي عليهم اتخاذه للسير قدما في التعديلات بصرف النظر عن الموقف البريطاني ، وتحاشيا لمواقف مشابهة فقد اتخذوا أخيرا قرارا مهما يخص نظام اتخاذ القرارات. فقد ألغي مبدأ الاجماع الذي كان مأخوذا به لحد الآن ، ليحل محله مبدأ الأخذ بأكثرية الأصوات. وقد عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في نهاية اجتماع دول منطقة اليورو عن أسفها ، لأن بريطانيا غير قادرة على الانضمام اليها في رحلتها لاقامة النظام الماليStability Mechanism ESM) European المقرر أن يبدأ العمل به في 2012 - 2013. وبينت " أن بريطانيا لم تكن أبدا من ضمن منطقة اليورو ، لقد عارضته ووقفت ضده منذ البداية ، ولذا فنحن معتادون على ذلك. لا يمكننا المساومة على مصير اليورو ، ولذلك يجب أن نتخذ خطوات صعبة باتجاه هذا الهدف ، لكن هذا لن يوقف أوربا جميعها عن السير قدما نحو هذا الموضوع ." وفي اشارة إلى بريطانيا دون ذكر اسمها قالت: " أنا مقتنعة بأنه اذا كان لنا الصبرالكافي والتصميم ، واذا لم ندع للقوى التي تحاول اعادتنا إلى الوراء واليأس ، واذا قررنا السير قدما في سبيل الاتحاد والاستقرار المالي ، واذا أتممنا الاتحاد النقدي والاقتصادي وهو ما اتخذناه كهدف منذ بداية الأزمة فاننا سننجح لا محالة." (4)

الموقف البريطاني جاء نتيجة الضغوط التي تقودها الشركات المالية الكبرى في لندن ، لخشيتهم من تعاظم دورالاتحاد المالي الجديد المقترح على حساب المركز المالي العالمي الذي تشكل العاصمة البريطانية لندن قلبه ، ولتحاشي الضريبة التي اقترحتها مجموعة دول اليورو على الخدمات المالية التي ستحرم بريطانيا فيما لو طبقت ما نسبته 30% ناتجها القومي الاجمالي ، والتي كانت ستكون سارية المفعول حالما يبدأ تنفيذ النظام المالي المقترح. وفي مقال لصحيفة الديلي تلغراف البريطانية ، ليوم 15 /12/ 2011 كتب جيريمي ورنر(5) " اذا قدر لليورو أن يحترق في العام القادم ، فسيكون السوق المالي في لندن هو المسئول عن ذلك بالتأكيد ".

يتبع











 




 

free web counter