| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الثلاثاء 20/10/ 2009

 

العد العكسي....للحرب بين العرب والأكراد في العراق.....؛؛

علي ألأسدي - البصرة

(على القارئ العزيز أن لا يقلق ، فليست هناك أي حرب بين العرب والأكراد لا الآن ولا في المستقبل)
عنوان هذا المقال مقتبس من مقال " العد العكسي " الذي كتبه مراسل صحيفة الاندبندت البريطانية في العراق السيد باتريك كوبرن ، معبرا فيه عن رأيه لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية في العراق بعد الانسحاب الأمريكي من المدن إلى قواعد خارجها. قال المراسل كوبرن في مقاله : " ان العد العكسي لانسحاب القوات الامريكية بحلول شهر آب/اغسطس قد بدأ ولكن العراق يبقى غارقا في الصراعات والنزاعات الطائفية وحول الموارد النفطية." وعبرالسيد كوبرن في مقاله عن قلق العراقيين حيال الوضع في بلادهم ، وخاصة بعد أعوام من الحروب والعنف وسفك الدماء. قد أتفق مع الصحفي حول ما يساورالعراقيين فعلا من قلق تجاه الأحوال التي انتهوا إليها بعد احتلال بلادهم ، وما سيتركه الاحتلال من معضلات جسام اقتصادية وبيئية وسياسية واجتماعية وأمنية قد يحتاجون إلى عشرات من السنين من العمل الجاد والمضني للتخفيف من تبعاتها على أجيالهم الحالية والقادمة ، لكني لا أتفق معه بشأن النزاع بين العرب والأكراد. حيث جاء في مقاله - " ان انسحاب الجيوش الاجنبية لا يعني ان العراقيين وبخاصة السنة والشيعة سوف يتقاتلون، بل يمكن للحرب ان تقع بين العرب والاكراد ". معللا ذلك بقوله "أن الأكراد يشعرون بالضعف من جراء الانسحاب الامريكي ، ومن المتوقع ان يؤدي ذلك الى تقليص نفوذهم فيما يقوم العراقيون العرب في شمال العراق بتنظيم صفوفهم السياسية في ظل تحسن ملحوظ لقدرة الحكومة العراقية على ضبط الامور، مما سيؤدي حتما الى قلق على الساحة الكردية".

إن توقعات السيد كوبرن بالحرب بين العرب والكورد قائمة على الفرضية التي على أساسها خرج علينا السيد جو بايدن رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي حينها ، أي قبل انتخابه نائبا للرئيس أوباما ، بمشروعه لانقاذ العراق ،بتقسيمه إلى ثلاثة شظايا تحت رايات ثلاث ، سنية وشيعية وكردية. والعالم بالتأكيد قد لاحظ ردود فعل العراقيين على بيان السيد بايدن ، والتي اضطر بعد أيام فقط من اعلانه له إلى التراجع عنه.

قد يكون الأكراد قلقين بالفعل مما ستأتي به الفترة التالية لانسحاب كامل للأمريكان من العراق ، ومن حقهم ان يقلقوا ، فوجود المسئولين الأمريكان من عسكريين ومدنيين يشكل صمام امان للحالة الراهنة على" خط الزناد " حيث المناطق المتنازع عليها إضافة إلى مشكلة كركوك. فالاكراد يعرفون جيدا أن تمركزهم هناك ، وإعلانهم تلك المناطق جزء من الخارطة الكردستانية دون اتفاق مسبق مع الشريك الأكبر في الوطن العراقي سيؤثر سلبا على جو العلاقات بينهما ، ووجود الأمريكان بكامل ثقلهم الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي في تلك المناطق أو قريبا منها يشعرهم ليس فقط بالأمان بل بالثقة بما يتبعونه من إجراءات وتصرفات. ويعود ذلك إلى تجاربهم السيئة مع حكام العراق السابقين وسياسات القهر الهمجية وانتهاك الحقوق التي مورست بحقهم.

والسبب الآخر لقلقهم هو سياسة المراوحة والتجاهل التي تتبعها الحكومة الحالية بخصوص قضايا عديدة محل خلاف طويل ولم تتخذ أي خطوة في طريق حلها ، وهذا ما يغضب الأكراد ويشعرهم بالخيبة من حكومة يشاركون فيها بأهم المسئوليات السياسية. فهناك اتفاقات مسبقة مع التحالف الحاكم لم يفي بها تجاه الأكراد ، إضافة إلى مشكلة ترسيم حدود كردستان والمناطق المتنازع عليها ، ومسألة كركوك ، والموارد الطبيعية وكيفية الاستفادة منها دون غبن لأحد الأطراف. فالحكومة مقصرة في تعاملها مع تلك الموضوعات الهامة لحياة طبيعية وعلاقات سلمية بين جماهير كوردستان وبقية العراق ، و لا أجد تفسيرا لتقاعس الحكومة عن لعب دورها الفعال في مفاوضات جادة مع الزعامة الكردية للتوصل إلى حلول ترضي الجميع. وكان على رئيس الوزراء أن يدرك أن ليس للزعامة الكردية في هذه الحالة خيارات كثيرة لتحقيق كل أو بعض مطالبهم المعطلة إلى أجل غير مسمى. فهناك خيار الحرب الذي تحدث عنه الصحفي كوبرن ، و ما يعنيه من ولوج ذات الطريق الذي أتبعه كل من الكرد والنظام السابق والذي لم يثمر عن شئ غير الأذى وسفك دماء الأبرياء ، ولا أعتقد أن الكرد يرجحونه ، ولا أخوتهم المواطنون العرب يتمنونه ، ولا الأمريكان يمكن أن يسمحوا به ، ولا أعتقد أن حكومة المالكي المثقلة بالهموم التي لا تنتهي تسعى له أيضا. إن الخيار الوحيد أمام الأكراد كما أرى هو البحث عن حلفاء يمكن الاستعانة بهم لاجبار الحكومة العراقية على الاعتراف والرضوخ للأمر الواقع ، باعتبار مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها مناطق كردستانية لارجعة عنها ، أو الوصول معها إلى حلول وسط ووضع حد للنزاع بشكل نهائي. إن الأمريكان مرشحين لهذا التحالف ، وقد عرض الأكراد عليهم في اكثر من مناسبة الدعوة لاقامة قواعد أمريكية ثابتة في كوردستان. لكننا لم نلاحظ على الجانب الأمريكي أي بوادر للقبول بذلك العرض وتلك الدعوة التي بلاشك يعرفون تعقيداتها على العراق وجيرانه. لكنهم من الجانب الآخرمنخرطون بحيوية في مفاوضات مع الجانبين للتوصل إلى حلول توفيقية ترضي الجميع ، وهو ما كان على المالكي القيام به منذ تسلمه مقاليد وزارته ، ولو كان قد فعل وتوصل إلى حلول لكان قدم للعراق أثمن إنجاز وطني دون منازع. وما دام لم يفعل فالجانب الأمريكي على ما يظهر يضطلع بهذه المهمة وربما ينجح فيها.

فخلال الأسابيع القليلة الماضية قام نائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن بزيارة إلى العراق التقى برئيسي الحكومتين الاتحادية واقليم كردستان ، وبعده بفترة قصيرة حل السفير الأمريكي الأسبق في العراق السيد زلماي خليل زاد ، والتقى هو الآخر القادة الكرد. وفي 13 / 10 الجاري أعلن الجنرال ستيف لانزا المتحدث باسم القوات الأميركية في العراق إن حدة التوتر بين العرب والأكراد تصاعدت في المناطق المتنازع عليها في شمال العراق وشرقه، وهذا أمر من شأنه أن يعزز عدم الاستقرار في البلاد. وأضاف «نقدر أن التوترات بين العرب والأكراد هي المسبب الأول لعدم الاستقرار في العراق». وتابع «نعمل بجد للمساعدة على تخفيف حدة التوتر في شمال العراق»، موضحا أن لجنة مكونة من كبار القادة العسكريين الأميركيين وكبار المسؤولين الأكراد في أربيل والحكومة المركزية في بغداد تعقد اجتماعات لمناقشة مبادرات من شأنها إعادة بناء الثقة.

وفي 18 اكتوبر/ تشرين أول الجاري حل في كردستان وفد أمريكي رفيع المستوى بدعوة من السفيرالأمريكي في العراق كريستوفرهيل والجنرال أديرنو القائد العام للقوات المتعددة الجنسيات في العراق. لقد أجتمع الوفد الأمريكي بمسئولي المحافظة واستمع إلى وجهات نظر كافة الأطراف السياسية فيها وفي شتى المجالات ، وبالتحديد الجانبين السياسي والخدمي ، وتقييمهم للأوضاع الراهنة في المحافظة. لقد ضم الفريق خبراء دوليين في مختلف الاختصاصات ، مما قد يساعد على تفهم المشاكل الموجودة والتوصل إلى حلول بشأنها. إن حكومة المالكي حتى اللحظة الراهنة تعتبر جزء من المشكلة ، وليس جزء من الحل الذي عليها أن تكونه. وهي لذلك تتحمل تبعات ما سيترتب على التحالفات التي يبنيها الأكراد مع اطراف أجنبية أو داخلية لحماية وتحقيق تطلعاتهم التي اهملتها الحكومة الحالية.

إن ما لم يدركه الصحفي البريطاني باتريك كوبرن خلال تغطيته لتطورات الأحداث في العراق هو عمق جذورالإخاء والانسجام الاجتماعي في التاريخ المشترك للعرب والكرد ، وبفضلها عاشا على هذه الأرض المعطاء وتبادلا خيراتها عبرالعصور. إن أسلوب الحوار الديمقراطي هو الطريق إلى تسوية كافة الاشكاليات التي تنشأ خلال الحياة المشتركة بين المكونات العراقية ، وعبره وحده يتمتع الكرد كما العرب بخيرات النظام الديمقراطي الذي سيتطور بالنهاية بفضل تعاونهما المشترك مع بقية مكونات شعبنا لحمايته وترسيخه. إن قعقعة السلاح والتفاخر بالقدرة والاقتدار البائسين التي خدشت آذان وضمائر العراقيين في العقود الماضية قد صمتت إلى الأبد ، وإذا لم أخطأ مع أني على يقين بأن ما من رجل دولة عراقية حاليا أو في المستقبل سيعتبر أسلوب الحرب خيارا لحل الخلافات داخلية كانت أو مع الدول الأخرى. وتجربة العقود الماضية مع صدام حسين ، وما سببته سياسات القوة الهوجاء من كوارث ، قد تركت درسا بليغا لكل القادة والحكومات، بأن لغة القوة وانتهاك حقوق الناس والأقليات مكتوب لها الفشل والخيبة والإدانة.

وبخصوص ما خلص إليه الصحفي باتريك كوبرن بأن حربا بين العرب والأكراد موشكة على الاشتعال ، إنما هو تفكير ثقافة عهود مضت ولن تعود ، إن الحرب بين الكرد والعرب كانت نزوات حكام ديكتاتوريين زجوا بشبابنا قسرا إلى الاقتتال ولم يكن للعرب يدا في اشتعالها ، فقد عارضها الشباب والمثقفون ورجال الدين وطبقات عريضة من جماهيرالشعب بوسائل عدة ، بل وعارضها الجنود بامتناعهم عن الخدمة في الجيش بافتعال شتى الأسباب للتخلف والتهرب من المشاركة فيها. ويعرف الأكراد ذلك ، ولهم كل الأسباب لنفي وجود أي نوع من الكراهية والتمييز على أسس العنصرية أو اللغة أو الجنس أو الطائفة ضدهم. وسيرتكب أي طرف خطأ تاريخيا بحق شعبه إن احتكم للسلاح في حل مشاكل تخص الحقوق في الموارد والحدود والسلطة ، بل على الجميع الركون إلى التفاوض بدون نوايا سيئة او عدوانية ، فما بذله الكرد من تضحيات من أجل دفاعهم عن حقوقهم كان باهظا ، والعرب الواقعيون يعرفون ذلك جيدا ، أما الممانعة والمراوغة ومحاولة استضعاف أي طرف للآخر فطريق باتجاه واحد ولا يؤدي بسالكيه إلى أي هدف.
 


البصرة 20 / 10 / 2009






 

free web counter