| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأحد 20/6/ 2010

 

مظاهرة البصرة .. دراما شعبنا على الهواء مباشرة...

علي ألأسدي - البصرة  

مسئولية القوى السياسية الحاكمة في العراق لا تتلاشى بالتقادم كما يتهيأ للبعض أن يتصور، وسجلها السياسي خلال السنوات السبعة الماضية سيظل في ذاكرة الشعب ، وبفضله فقط ستحظى بقبوله أو رفضه لها ، وها هي علامات الرفض قد بدأت بالظهور تباعا ، سلميا أولا ودمويا ربما قريبا ، فشهر تموز في التقويم العراقي والعالمي بوابة الثورات الشعبية المظفرة. ومظاهرة شباب البصرة يوم السبت 19 / 6 / الجاري قد دخلت التاريخ العراقي من كافة أبوابه ، فقد عبرت بحق عن جزع الشعب بأسلوب درامي أخاذ. ولمن راقب الفضائيات ذلك اليوم ولاحظ حركة ذلك الشاب اليافع الواقف على ظهر ناقلة ، وهو يحتضن " نعش الكهرباء " الرمزي مرة ، ويرفع ذراعيه متوجها بها نحو السماء عاري الصدرمرة أخرى ، يجد نفسه أمام مسرحية درامية تعرض على الهواء مباشرة جمهورها العالم أجمع. مسرحية مثل فيها دور شعب ملتاع ، اغترب وتعرض للغدر في وطنه على مرأى العالم وسمعه في وضح النهار ، وخدع وما يزال يخدع حتى اليوم من قبل قادة العالم المتمدن.

لم تعد أمام الشعب العراقي خيارات كثيرة ، فقد استكمل الفرص التي أتاحها لحكومته الحالية ، وها هو يطلق شرارته الأولى في شوارع البصرة ليرمي أول حجر على محافظها رمز حكومة عاجزة وفاشلة ومراوغة. ولا نعني هنا شخص المالكي كما يرغب البعض في تحميله كل المسئولية ، فالمالكي يرأس حكومة ائتلاف يضم أكثر القوى السياسية في البلاد ، فهو معهم مسئولون بالتضامن عن تنفيذ سياسة الحكومة وفق التقاليد الديمقراطية وحتى الديكتاتورية. وتعتبر تلك القوى السياسية جزء عضويا من حكومته رغبت أم لم ترغب ، إلا إذا تركت الحكومة كما حصل مع وزراء التيار الصدري والعراقية الذين انسحبوا منها بعد فترة قصيرة من موعد تشكيلها. والقوى التي تتحمل مسئولية ما يجري في بلادنا ، هي ، أحزاب الدعوة بزعاماته العديدة ، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب المجلس الاسلامي الأعلى ، وحزب الفضيلة ، والحزب الاسلامي بزعامتيه السابقة والحالية ، والحزب الشيوعي العراقي ، وجبهة التوافق العراقية بزعاماتها المتعددة.

إن هذه القوى تتحمل المسئولية كاملة عن ما وصلت اليها حالة التردي الشامل في حياة الناس العاديين ، فالمعاناة من البطالة في صفوف القادرين على العمل وخريجي الجامعات والمعاهد المهنية بلغت نسبا غير مسبوقة ، فالاحصائيات غير الرسمية تقدرها بحوالي 50 % قوة العمل الحية في البلاد ، وهي سبب فقر وفاقة الملايين من أبناء شعبنا في المدن والريف. ويلي ذلك في الأهمية الخدمات الصحية الآيلة للتردي لمستويات خطيرة ، حيث نقص الكادر الطبي وخاصة المتخصص منه ، كما تعاني المستشفيات من نقص الأدوية والمعدات الطبية ، والأخطر من كل هذا أن الحكومة الائتلافية غير مبالية بما يجري ، ولا تتابع أو تحاسب المسئولين المباشرين فيما الموت يحصد أرواح الناس من كل الأعمار لحالات مرضية يمكن علاجها. والأغرب من كل هذا أن قادة تلك القوى السياسية كلها قاطبة ترمي بمسئولية تعثر الخدمات على رئيس الوزراء وحده وكأنها في حل مما يجري ، بينما هي في مقدمة من يتهم عن التقصير وخيانة تعهداتها أمام شعبها. فالقيادات العربية والكردية والتركمانية سنية وشيعية مشاركة مباشرة في تعذيب شعبنا وهدر حقوقه وثرواته ، ولا يمكن تبرئتها من تبعات غضبه وعقابه.

خدمات الطاقة الكهربائية التي قادت إلى غليان الشارع البصري تتردى بعلم القوى السياسية وسمعها ولا يثير في مسئوليها وخزة ضمير. ويلي الكهرباء في التردي نقص امدادات المياه الصالحة للشرب ، حيث وصل التقصير في أدائها حدودا لم يعد السكوت عنه ممكنا ، لأن صحة الناس باتت في خطر ، ليس فقط بسبب شحة المياه ، بل بتلوثها الذي يهدد الصحة العامة ويعرض حياة الكثير من الناس لخطر الموت.

الوعود التي اعتاد أن يطلقها وزيرالكهرباء بين حين وآخر أصبحت مثار سخرية وغضب كل المواطنين ،حيث يعلن مرارا إن وزارته ستصل بإنتاجها من الطاقة الكهربائية الى حوالي تسعة آلاف ميكاواط خلال الصيف الحالي، وهو ما سيغطي ثلثي الحاجة المطلوبة من الكهرباء البالغة 27 الف ميغاواط. وفي واقع الحال فإن وزارة الكهرباء اليوم تنتج فقط حوالي 3000 ميغاواط من مجموع ما تملكه نظريا 8700 ميغاواط. وهذا الوعد ( 9000 ) ميغاواط كسابقه من الوعود لا دليل على تحققه لحد اليوم ، فأين هي اذن المحطات التي تعاقدت الوزارة حولها مع الشركات الأجنبية ، ولماذا لم يسمح لممثلي الصحافة للوصول اليها والتحقق منها ونقل صور عن مراحل بنائها للمواطنين؟

أسئلة كثيرة تطرح على المسئولين ، ولا نلقى اجابة شافية أو مقنعة ، ولهذا السبب يظل السؤال قائما ، أين يكمن الخلل اذن؟

هل في ثقافة ووعي ووطنية ممثلي الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة الائتلافية الحالية؟

هل الخلل في شخص رئيس الوزراء بسبب انشغاله في قضايا أخرى يعتبرها أكثر أهمية من موضوع الخدمات ، أم في ضعفه تجاه وزرائه من أعضاء حزبه في الحكومة المسئولين عن ملف الخدمات ، أم في قلة خبرته وغروره ، أم في جهل وقلة ثقافة ومهنية مستشاريه الذين يعتمد عليهم في البت بالكثير من قراراته؟

كل أو بعض ما نتسائل عنه وارد بدون شك في ثقافة وتفكير وممارسة وأخلاق النخبة الحاكمة العراقية ، وهي من يقف وراء الحال المأساوي الذي انتهى اليه العراق ، وسيتكرر هذا الواقع على مدى السنين القادمة أيضا ، اذا لم يعي سياسيونا بأن ما حصل كان نتيجة أخطائهم وتخبطهم وغرورهم بقدراتهم الخاصة.

ولهذا وكأمر حتمي أن تحتج الجماهيرالشعبية ، وأن تستمر في الاحتجاج حتى تنفيذ مطالبها التي جوبهت بالتجاهل الفظ خلال السنوات السبع الماضية. واذا لم يستجب بسرعة وتتخذ القرارات لحل الأزمات عاجلا فعلى السلطات الحكومية أن تتوقع ما ليس في البال، فقد تقوم الجماهير بمحاصرة المسئولين أينما وجدوا في المنطقة الخضراء ، وقد تقطع عنهم امدادات الكهرباء والماء ، فتحول حياتهم البالغة الترف إلى نفس الجحيم الذي تعيشه الجماهير في أحيائها وقراها ومدنها المهملة والمنسية. ولا يمكن استكشاف ما تأتي به الأيام والأسابيع التالية من مفاجئات ، فالشعب العراقي الذي خدرته المشاعر الطائفية ورموزها السياسية والدينية يستعيد وعيه الآن ، وسيوجه في الوقت المناسب ضربته القاضية وسيتكفل هو بمصيره دون وصاية وكيل أو انتظار مخلص.

 

 

free web counter