| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأربعاء 1/12/ 2010

 

كوريا الشمالية مشاكل كثيرة .. وخيارات محدودة
(1)

علي ألأسدي - البصرة  

تصنف كوريا الشمالية التي تأسست عام 1948 تحت قيادة الحزب الشيوعي الكوري بكونها دولة اشتراكية ، واعتبرت حينها جزءا من المنظومة الاشتراكية الآسيوية التي ضمت الصين الشعبية وفيتنام الديمقراطية. أما الحزب الشيوعي الكوري الذي غير اسمه فيما بعد إلى حزب العمال الكوري ، فقد تأسس عام 1921 في شنغهاي في الصين ، بعد أن اصدرت مجموعة من الكوريين من داخل الوطن الكوري ومن المهجر بيانا بينوا فيه ، أنهم وبعد قيام الثورة البولشفية في روسيا يعلنون عن قيام الحزب الشيوعي الكوري ، ليعمل في صفوف الكوريين في الوطن وبين المغتربين الكوريين في الصين ومنشوريا واليابان وروسيا ذاتها ، من أجل طرد المحتلين اليابانيين ، واقامة مجتمع بلا طبقات. وقد باشر بعض أعضائه نشاطهم المسلح لمقاومة الاحتلال الياباني الذي كان يهيمن على مقدرات البلاد منذ عام 1919 وحتى استسلامها عام 1945. كان كيم ال سونج زعيم حزب العمال الكوري لاحقا ، قائدا لمجموعة شيوعية مغتربة في منشوريا ، قبل أن ينتقل للعمل في الوطن ويرأس أول جمهورية لكوريا الديمقراطية.

يصعب على المتابع لما ينشر ويقال في المحافل الدولية عن كوريا الشمالية أن يلم بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية هناك ، أو أن يتعرف عن قرب على مدى استرشاد حزب العمال الكوري الشمالي بالفكر الماركسي ومدى ارتباط تطبيقاته في المجال الاقتصادي والاجتماعي بأسس الاقتصاد الاشتراكي. فقيادة الحزب والدولة منغلقتان عن العالم الخارجي في تصرف غير مفهوم ، وغير متعارف عليه في أنظمة الحكم المدنية التي تأخذ بأبسط التقاليد الديمقراطية. الحكومة في كوريا الشمالية لا تتيح للنشر العلني أي احصاءات عن ناتجها القومي ، أو تجارتها الخارجية ، أو عن ميزان مدفوعاتها ، أو عن تركيب وحجم القوى العاملة والبطالة بين السكان ، أو معدل النمو الاقتصادي السنوي فيها ، مما يجعل من المستحيل تكوين صورة عن تطور المستوى المعيشي للسكان عبر العقود الماضية من البناء الاشتراكي. الصحافة الغربية ومراكز البحوث السياسية والاقتصادية الدولية ، وبالأخص الكورية الجنوبية لقربها ، تعتبر المصادر الوحيدة التي يمكن الاستعانة بها ، للتعرف على بعض المؤشرات الاقتصادية عن الحالة الاقتصادية في كوريا الشمالية ، وهي في أكثرها تقديرات مثيرة لليأس لا يمكن الاعتماد عليها كتعبير عن واقع الحال.

كما يتعذر على المهتمين في الشأن الفكري الماركسي والحركة الشيوعية من خارج الصين الشعبية وكوريا الشمالية ، الالمام بنشاطات حزب العمال الفكرية والسياسية التي من خلالها يمكن التواصل والحوار مع رموزها الثقافية والأدبية ، لتكوين صورة أوضح عن التجربة الاشتراكية وانجازاتها ، وما حققته من تغيير في حقول المعرفة والعلوم والآداب منذ قيام الدولة ، مما يجعنا نشك فيما اذا كانت هناك بالفعل أية انجازات في أي من تلك الحقول. ولا نقلل هنا من دور التعتيم الاعلامي الرأسمالي المعادي في تشويه تجربة كوريا الشمالية ، واظهارها كدولة فاشلة مارقة غارقة في الفساد والتخلف ، لكن من الصعب رفض تلك الآراء أمام قلة المعلومات عن حقيقة الأوضاع في داخل كوريا الشمالية. ما يهمنا معرفته هو دور الطبقة العاملة الكورية في ادارة الدولة الاشتراكية ، ودرجة تمثيلها في قيادة الحزب المركزية وبقية منظماته ومؤسساته الاقتصادية. فنظام الحكم السياسي السائد منذ حوالي الستين عاما أشبه بنظام ملكي وراثي ، أسلوب في الحكم ينافي في ممارساته كليا مبادئ الديمقراطية ، المعترف بها داخل الأحزاب الشيوعية والعمالية والتي عبرها يجري انتخاب القيادات الحزبية والسياسية. فنظام الاشتراكية كما نعلم ، يعتبر مصالح الكادحين أولوية ، ويضطلع الكادحون فيه بمهمة تخطيط بناء اقتصاد بلدهم ، و طريقة توزيع ثروة وخيرات ما ينتجونه ، لصالح تحسين مستويات معيشة الجماهير في الأمدين القصير والبعيد.

فهناك علامات استفهام كبيرة حول الأسس التي تسير بناء عليها شئون الاقتصاد والدولة ، وكفاءة القيادة السياسية ، والأسلوب الرقابي على أدائها ، هذا اذا ما وجدت أي سلطة رقابية حقيقية أصلا. وما يخشى منه أن يفاجئ العالم في يوم ما بنهاية لذلك النظام ، وهو احتمال وارد ، لتتكشف بعده حقائق محبطة كثيرة ، عن سوء استخدام السلطة والثروة وموارد البلاد البشرية والمادية ، وعن كبت للحريات الفردية وغيرها والتي بقيت طي السرية أمام العالم الخارجي. ومما لا شك فيه ، لا يمكن لأي شعب في العالم أن يدافع عن سلطة كهذه ، وسيكون تواقا لرؤية أية بادرة أمل للتغيير، وحتى الثورة للاطاحة بها واحلال البديل المناسب. وبالطبع لا بديل هنا غير النظام الرأسمالي الذي تأخذ به دول المنطقة جميعها ، وربما الاتحاد مع كوريا الجنوبية أو الاندماج اقتصاديا معها ، تماما كما توحدت الدولتين الألمانيتين في تسعينيات القرن الماضي ، وهو ما قد تسعى الصين إلى تحقيقه عبر الضغط على قيادة كوريا الشمالية ، لاقناعها بخيار ربما الوحيد لانقاذ شعب كوريا الشمالية من معاناة لا يستحقها.

فبحسب ما سربه موقع Wikileaks يوم الاثنين 29 تشرين الثاني الحالي ، من مراسلات بين البعثات الدبلوماسية الأمريكية في الدول الأجنبية والحكومة الأمريكية ، ان المسئولين الصينيين قد عبروا في عام 2009 للدبوماسيين الأمريكيين في بيكين عن شعورهم بالضيق من تصرفات حليفهم الكوري الشمالي. فقد ذكر وكيل وزير الخارجية الصيني السيد هي يافي للقنصل الأمريكي في بكين : " أنهم يشعرون بالضيق من تصرفات طفلهم المدلل " لجلب انتباه الولايات المتحدة باجرائه تجربة اطلاق صاروخ الى الفضاء في نيسان 2009. كما جاء في برقية أخرى مسربة من الموقع نفسه حول ما ذكره رئيس الوزراء الصيني السيد وين جياوبو لنائب وزير الخارجية الأمريكي جيمس ستاينبرك حول علاقة بلاده بكوريا الشمالية في عام 2009 ، قائلا : " ربما لا نحبهم ، لكنهم جيراننا ". ونقل ستاينبرك عن الرئيس الصيني ، انه سيدفع بالكوريين الشماليين للعودة الى طاولة المفاوضات السداسية التي يشارك فيها اضافة الى الصين الدولتان الكوريتان ، وروسيا واليابان والولايات المتحدة.

وفي برقية أخرى تم الكشف عنها تفيد بأن نائب وزيرالخارجية لكوريا الجنوبية ، قد ذكر لسفير الولايات المتحدة في سيؤل الآنسة كاثلين ستيفينسون ، أن جيلا جديدا من الصينيين ممن سيتسلمون مواقع في السلطة الصينية في الأعوام القادمة ، لن يتعامل مع كوريا الشمالية كحليف يمكن الاعتماد عليه أو الثقة به. وتوقع الوزير أن الاقتصاد الكوري الشمالي في طريقه للانهيار، وان النظام السياسي ، لن يستمر أكثر من سنتين أو ثلاثة بعد انتقال السلطة لأبن الزعيم الكوري الشمالي الحالي. ونقل عن السفيرة قولها : " أن الصين ستكون سعيدة أن ترى كوريا الشمالية متحدة مع كوريا الجنوبية وتحت قيادتها اذا ما احتفظت كوريا الجنوبية بعلاقات غيرعدائية مع الصين. لكن مراسل القناة الأخبارية البريطانية بي بي سي في سيئول يقول ، الكثير من الصينيين لا يعتقدون أن الصين ستقبل بزعامة كورية جنوبية لدولة كورية موحدة ، وليس من المتوقع أن تتخلى الصين عن كوريا الشمالية. (1)

تحتفظ كوريا الشمالية بجيش ضخم تعداده أكثر من مليون ومائة ألف مجند ، أي حوالي ضعف تعداد جيش جنوبي كوريا البالغ حوالي 600 ألف عسكري ، وفي حين تصل الميزانية الحكومية السنوية لكوريا الجنوبية 24.5 بليون دولار ، لا تزيد هذه عن 5 بلايين دولار في كوريا الشمالية ( أرقام 2009عام ). وبينما يبلغ تعداد القوة الجوية في الشمال 110 آلاف عسكري ، و3500 دبابة ، و63 غواصة ، و388 طائرة مقاتلة ، يبلغ في الجنوب حوالي 64 ألفا ،و 2700 دبابة ، و13 غواصة ، و467 طائرة مقاتلة على التوالي.(2) حيث تنتهج كوريا الشمالية ومنذ سنين طويلة سياسة تسلح محمومة ، تستنزف ما يصل إلى ثلث ناتجها المحلي وفق بعض المصادر الغربية.(3) يأتي هذا في ظل سباق للتسلح غير متكافئ ماديا وتكنولوجيا مع كوريا الجنوبية واليابان ، وحصار اقتصادي دولي قاس تقوده الولايات المتحدة ضدها، تحت مبرر منع الانتشار النووي ، بهدف اجبارها على وقف ما تعتقده انه انتاج أسلحة نووية ، وهو مبرر يعتمد ادواجية المعايير، فهي مثلا تلتزم الصمت تجاه دولا لاتخفي جهودها في هذا المجال كاسرائيل والهند والباكستان وربما تركيا. الدولة الكورية ليست دولة غنية ، بل هي دولة فقيرة نامية ، فالجزء الأكبر من مساحة كوريا الشمالية البالغة 120.5 ألف كم ، عبارة عن مرتفعات وأراضي وعرة ، 16 % منها فقط مخصصة لانتاج المحاصيل الزراعية التي تساهم بنسبة 36 % من ناتجها المحلي الاجمالي ، ولايسد هذا حاجة سكانها ، وهي لذلك مضطرة للاستيراد لتعويض النقص في انتاج الحيوب. وفي حين توجه النسبة الأكبر من موارد البلاد الاقتصادية والبشرية للانتاج الصناعي العسكري ، فان الجزء الأكبر من حصيلتها من العملات الأجنبية يذهب لكفاية هذه المتطلبات ، فهذه من وجهة نظر القيادة الكورية تحتل أولوية في سياستها الاقتصادية لذلك فهي تشكو عجزا شبه دائم في ميزانها التجاري.

ما تقدم من مؤشرات ، يرسم صورة قاتمة لمستقبل دولة فقيرة نامية، ويمكن بعدها تقدير الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب الكوري لبناء ترسانة عسكرية ، يواجه بها اليابان زعيمة ثالث اكبر اقتصاد في العالم ، وكوريا الجنوبية التي يعادل دخل الفرد فيها ستة أضعاف دخل المواطن الكوري الشمالي ، هذا عدا أن هانين الدولتين عضوتين في حلف الأطلسي ، وليس من الصعب بعد هذا ، تقدير حجم المعاناة التي يكابدها عامة الناس في ظل هذه السياسة التي لا يمكن وصفها بأقل من مغامرة ومقامرة. البديل الوحيد لمثل هذه السياسة ، هو خيار السلام والتعاون مع دول المنطقة ، واستبدال سياسة سباق التسلح بسياسة نزع الأسلحة بكافة أصنافها ، وعقد مفوضات مباشرة لحل الخلافات حول الأراضي والمياه ، واستغلال الثروات السمكية والطبيعية التي تزخر بها تلك المناطق.

واذا كان للصين من تأثيرعلى قيادة الحزب والدولة الكورية ، وهي بالفعل لها ذلك ، فينتظر من القيادة الصينية أن تضع القيادة الكورية أمام الصورة الواقعية لبلادهم وشعبهم. فالصين قادرة على فعل ذلك ، فهي تحتفظ بعلاقة تعاون وتحالف مع القيادة الكورية ، وهذا يشكل ضمانة لانهاء حالة الحرب بين الدولتين الكوريتين اللتين لم توقعا معاهدة سلام بينهما منذ نهاية حربهما عام 1953 . المتضرر الأكبر الوحيد من حالة الحرب هذه هو كوريا الشمالية ، فاقتصادها الضعيف أصلا في اسوء حالاته منذ سنين ، وبخاصة بعد أن قطعت العلاقات السياسية والتجارية مع كوريا الجنوبية بعد حادث اغراق سفينتها الحربية 26 مارس الفائت . وبحسب ما نشره البنك المركزي لكوريا الجنوبية أخيرا ، فان اقتصاد كوريا الشمالية قد تراجع عام 2009 بنسبة -1% ، ويتوقع أن يتراجع أكثر في الأعوام التالية.
 

يتبع




 

 

free web counter