| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الخميس 19/8/ 2010

 

الشروط الكردستانية التسعة عشر.... ومعاناة العرب والكرد ...؛؛

علي ألأسدي - البصرة  

وثيقة التسعة عشرة اقتراحا التي قدمتها القيادة الكردية لزعماء القوائم الانتخابية الكبرى كشرط للتعاون مع أي مرشح لرئاسة الحكومة القادمة ليست جديدة ولا غير متوقعة ، فالمتابع للعلاقات الكردية مع الحكومات الاتحادية المتعاقبة ربما كان يتوقع الأسوء. ولمن اطلع على الوثيقة دون المام مسبق بملابسات الموضوعات التي تناولتها ، لابد ويصاب بالصدمة والذهول ، وبدون شك سيتمتم مع نفسه " شبلونه أخوتنا الكرد ببلوة ، أي ميستقلون ويفكون ياخة ، شنو هيه نهيبة ، كردستان مامكفيتهم هالنوبة جوي علينه ، أي أحنه شنو لعد زاروعة خضرة ، أي ما تجوزون من حالنه ييزي قهر"؟؟

إن الكرد لا يجهلون رد الفعل هذا من أخوتهم العرب ، فهم أيضا لهم ردود فعلهم تجاهنا ، وهي في الحالتين جزءا أساسيا من الفولكلورالشائع بين أبناء شعبينا ، ولم تكن أبدا تعبيرا عن عنصرية شوفينية من أحدنا تجاه الآخر ، فحبنا للكورد فطري ، وعززه أكثر كفاحنا المشترك من أجل عراق ديمقراطي ، وعمق مداه المظالم التي تعرضنا لها كلينا. لكن دراسة متأنية ببال صاف سينظر للوثيقة بموضوعية ، باعتبارها مبادرة صريحة من شريك يحاول أن يقدم نفسه كلاعب مهم في تطورالأحداث في العراق التي يتفق أكثرنا على انحرافها ، واضطرابها بعيدا عن خدمة مصالح الشعب العراقي. ونكاد نتفق جميعنا على اخفاق السلطة التنفيذية في التعامل بجدية مع اساسيات التنمية الاقتصادية والثقافية والتربوية ، وعدم استشعارها بأهمية أن يكون لها مشروعها الوطني الديمقراطي الذي يمهد لبناء مستقبل زاهر وواعد للعراقيين. ورغم مرور أكثر من سبع سنوات على الاطاحة بالدكتاتورية ما يزال مستقبل العملية الديمقراطية في العراق غامضا ، بسبب النهج الفوضوي المنفلت للقيادة الحاكمة في ادارة شؤون البلاد .

تتضمن الوثيقة اقتراحات وشروطا لاقتسام السلطة الاتحادية ، تتمحور حول احترام مبدأ التوافق في اتخاذ القرارت من قبل القوى السياسية المشاركة في الحكومة والبرلمان ، وبضرورة ضمان مراعاة التوازن في كافة مؤسسات الدولة ، ما يعني ضمان مشاركة مكونات المجتمع العراقي في تلك المؤسسات وفق نسبتها في مجتمع البلاد ، وهو ما يطالب به العرب أيضا من غير المنتمين للأحزاب الدينية الطائفية المهيمنة على تلك المؤسسات. ويأتي في مقدمة ذلك الجيش وقوى الأمن والشرطة ، و تشترط المقترحات موافقة البرلمان ورئاسة الجمهورية على تعيين قادة الفرق وتعداد القوات المسلحة. و تطالب بتمويل ميزانية قوات البيشمركة ، وإقرار تعويضات عادلة لضحايا الكرد من النظام السابق كالانفال وحلبجة وغيرها ، وبتوزيع الصلاحيات في مجلس الوزراء باتفاق القوى السياسية ، وضمان احتفاظ الكرد بالمناصب السيادية كرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية إلى جانب مشاركتهم في أمانة وسكرتارية مجلس الوزراء ، والالتزام ببنود الدستور بدون انتقائية وبالأخص تنفيذ بنود المادة 140. كما تضمنت الوثيقة مقترحا يطرح ربما لأول مرة ، وهو حقهم في نقض القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء ، وفي حالة خروج الوزراء الكرد من الحكومة يتحتم عليها حين إذن تقديم استقالتها. وواضح من مجمل ما ورد في الوثيقة أن الغرض منها هو تعزيز الدورالكوردي في قيادة الدولة الاتحادية ومنح هذا الدور صفة الديمومة والحسم اعتمادا على بنود دستورية صيغت في ظروف قاهرة جدا ليس هنا مجال شرحها.

وينبغي الاشارة هنا إلى أن أكثر الآراء الواردة في المقترحات كانت موضوع سجال دائم بين القادة الكرد والحكومات الاتحادية وبالأخص مع رئيسها السيد نوري المالكي ، فهي ليست جديدة بمجملها ، بل تضمنت مطالب جديدة ، عبرت عن رغبة صريحة في تبوء مواقع جديدة في إدارة الدولة العراقية.

دراستنا للمقترحات المنوه عنها تلقي الضوء على حقيقة أن بعضها قد صيغ لمعالجة الخلافات التي نشأت مسبقا خلال فترة حكومات ما بعد الاطاحة بالنظام السابق ، فيما كرس البعض الآخر لتعزيز الدور الكردستاني في صنع القرار السياسي في بغداد ، بينما ترمي أخرى ولو شكليا على الأقل لبناء قيادة جماعية تشارك فيها القوى السياسية الكبرى يكون للكرد فيها دورا حاسما لبناء عراق فيدرالي مسالم مع مكوناته ومع محيطه الخارجي. إلى هذا الحد يمكن أن نتفق مع غالبية الآراء اعلاه ، ونقر بأهمية متابعة كل ذي حق حقه بالوسائل الديمقراطية ، ويبقى لنا أن نتساءل ، هل من اللياقة والأخلاق اللجوء للابتزاز بفرض مطالب على القوى السياسية كشرط للتعاون معها لتشكيل حكومة شراكة وطنية ، وهي تعرف التعقيدات السياسية والأمنية التي تحيق بالمجتمع العراقي؟

والمثير للغرابة أن المقترحات والشروط التسعة عشر لم تأت من قوة سياسية مهمشة ، لا وجود مميزا لها في مؤسسات الجهاز الحاكم ، فالتحالف الكردستاني كما نعرف قوة فاعلة وجزءا عضويا في هذا الجهاز. فهي ممثلة بالبرلمان الاتحادي السابق بأكثر من خمسين نائبا ، وحول هذا الرقم في البرلمان الحالي ، وهي تحتل مواقع مهمة في الجهاز التنفيذي سابقا وحاليا ، بينها رئاسة الدولة اعلى منصب في مدرج المناصب السيادية ، ويحتل ممثلوها نوابا لرئيس الوزراء ورئاسة مجلس النواب ، ويقود ممثلوها لجانا مهمة في تركيبته الوظيفية ويحتل ممثلوها أهم الوزارات في الحكومة الحالية ، بينها وزارة الخارجية ، ولهم ممثلون كثر في شبكة السفارات والممثليات الدبلوماسية والقنصلية في أنحاء العالم ، ولها قيادات عسكرية عالية الرتب في الجيش العراقي. ما يعني أن وجودها في الحكومة أوسع حتى من وجود ممثلي العرب السنة في الدولة ، ما يجعلها عمليا لاعبا فعالا في اقتراح وصياغة وتنفيذ ومعارضة سياسات الحكومة الاتحادية في أي مجال من مجالات نشاطها. وبناءا على هذا الوزن المهم وربما الأهم في معادلة الحكم ، يتوقع أن تكون كتلة التحالف الكردستاني أكثر من راضية عن حجمها ودورها في السياسة العراقية الداخلية والخارجية. ولكن ، وبرغم كل ذلك فإنها بدت غير راضية عن واقع وجودها وعلاقاتها مع قيادة الحكومة الاتحادية ،بل وناقمة بسبب ما تعتبره نكوصا عن تعهدات واتفاقات سابقة مع أطرافها.

وأمام هذا الدور القوي في الحكومة الاتحادية لم نلمس من التحالف الكردستاني ما يوازيه من فعل على صعيد الانجازات ، بل نكاد لا نرى اية انجازات على الاطلاق في مجال اشباع الحاجات الأساسية للشعب العراقي بكافة مكوناته. بل على العكس فقد كان للتحالف الكردستاني دورا سلبيا في اقرار قوانين لا ديقراطية ورجعية ، كقانون الانتخابات،والموقف من القائمة المفتوحة ، ومن أصوات الجاليات العراقية في الخارج ، ومن أصوات الكتل الانتخابية والمرشحين الفرديين التي ذهبت دون وجه حق للقوائم الطائفية النافذة ، ونظام الرواتب ومكافآت قادة الدولة والوزراء والنواب الذي شكل وما يزال وصمة مخزية في جبين قيادات الدولة وأعضاء مجلس النواب ، والكل يعرف أنه صيغ لشراء ضمائرهم إذ تزامن صدوره مع حملة تمرير قانون النفط والغاز السيئ الصيت الذي قبرته المعارضة التقدمية في مهده.

إن المعدمين من أبناء شعبنا عربا واكرادا وتركمانا وأيزيديين ومسيحيين وغيرهم ، لايسمعون من التحالف الكردستاني غيرالشكوى والحديث عن كركوك والمناطق المتنازع عليها ، ولا شيئ عن مشاكلهم المعاشية اليومية وعن الأمن المفقود. أما الوثيقة ذات التسعة عشر اقتراحا فلم يرد فيها اقتراحا واحدا لمعالجة سوء إدارة الموارد المادية والبشرية العراقية لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ، تعيد الحياة للقطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية والخدمية التي طالها الاهمال والتخريب ، فهي الوحيدة الكفيلة بحل مشاكل البطالة والفقر والعوز والتشرد ، وتخلف الخدمات الصحية والتربوية. ولم تشر الوثيقة إلى حلول لمشاكل المياه الصالحة للشرب وشحة الكهرباء والنقص الكبير في خدمات الصرف الصحي ، أو حل للأزمة السكنية التي تعاني منها ملايين من المواطنين في شتى أنحاء العراق. وأمام هذا الاهمال المتعدد الأوجه والاأبالية الشنيعة ، لا نرى في الوثيقة اكثرمن كونها محاولة لاقحام الكرد في حلبة الصراع على السلطة والنفوذ والموارد مع حلفائها في بغداد ، وهو صراع لا يطور اقتصادا ، ولا يرسخ حقوقا قومية أو دستورية أو ديمقراطية ، ولا يعززالتآخي بين أفراد الشعب ، بل يزرع الأحقاد والشرور، ويقود إلى الفوضى والخراب وضياع المستقبل.



 

free web counter