| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

 

الأربعاء 19/9/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 


المصالحة الوطنية خيار المالكي الوحيد للابقاء على العراق موحدا؛؛
 

علي الأسدي

يخطأ من يظن ان تفاوض الحكومة مع ممثلي المعارضة السياسية والمسلحة تعبيرا عن ضعف او تخاذل،ولايعتبر تراجعا عن مبادئ وتعهدات التزمتها القوى المشاركة في الحكم حاليا. ان هدف التفاوض، هوايجاد المناخ السياسي الملائم، لمشاركة اوسع من القوى السياسية في جهود التنمية الاقتصادية، التي وعد بها الشعب والتي لم تبدا بعد بالقوة والزخم المطلوبين. ولنا من التجارب التاريخية الغنية، ما يؤكد شرعية حماسنا للتفاوض مع الخصم وطنيا كان او اجنبيا. لقد تفاوض ممثلوا الحركة الكوردية العراقية مع الحكومة العراقية السابقة عدة مرات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من اجل نيل حقوقها الوطنية والقومية والديمقراطية. وتفاوضت حركة التحرير الفيتنامية مع الامريكيين، وحققت اهدافها الوطنية في اواسط السبعينيات من القرن الماضي. وهناك العديد من الامثلة المشابهة حيث اعتبر التفاوض مع الخصوم واحدا من وسائل الكفاح لنيل الحقوق واستعادة السلام الاجتماعي.

وكان للكفاح السلمي السياسي دروسه ونجاحاته ايضا. فقد تكلل النضال السلمي الذي قادته الشعوب الهندية بقيادة المهاتما غا ندي،لتحقيق الاستقلال الوطني للهند في منتصف الاربعينيات من القرن الماضي. وقد استطاعت الهند بفضل ذلك، ان تباشر بناء حياة ابناءها وتعزز النظام الديمراطي في بلد يزيد عدد سكانه في حينه عن الخمسمائة مليون انسان. وفي وضعنا العراقي، فان اضاعة المزيد من الوقت في التردد والتجاهل، وعدم الاستفادة من الفرص المتاحة،لا يخدم المصالح الوطنية لشعبنا في السلم و الوئام والوحدة .و ينبغي السعي دون هوادة، لايجاد وسائل الاتصال والتخاطب مع القوى المعارضة للعملية السياسية، والجلوس معها على الطاولات المستديرة او المستطيلة مباشرة او عبر اطراف ثالثة، لانهاء العنف الذي تدفع جماهير شعبنا ثمنه دما وعرقا وفقرا، ويستنزف مواردنا الوطنية التي يلزم التوجه الجاد لاستخدامها في تنمية وتقدم بلادنا.

.لقد انتهت تلك المرحلة الطويلة والشاقة من حياة العراقيين،وما اقترن بها من صنوف القسوة والظلم والتسلط. فتلك صفحة من التاريخ قد طويت،وعلينا ان نتطلع الى المستقبل بكل تفاؤل وثقة بالنفس. علينا ان نبدأ مرحلة جديدة في التعامل مع بعضنا البعض ومع الاخرين. لنضع اللبنات الاولى لمرحلة تاريخية جديدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المواطنين، وبينهم وبين مؤسسات الدولة .لقد كان قانون اجتثاث البعث قانونا انفعالياعقابيا، وكارثيا، فيما لو اخذ طريقه للتنفيذ بالفعل. فقد افتقد مشرعوه للحنكة السياسية والتربوية.ولهذه الجوانب اصبح الطعن بمصداقية مشرعيه واجبا اخلاقيا وسياسيا في الوقت نفسه. ان ماقاد الى ذلك القانون الجائرهو جهل السيد بريمر المطلق والدائرة المحيطة به، بالعلاقات الاجتماعية والظرف السياسي الذي عاشته جماهير غفيرة من شعبنا في ظل العهد السابق، التي رات نفسها مضطرة للانضواء او التعاطف مع الحزب الحاكم حينذاك.

لقد مرت فترة طويلة نسبيا قبل ان تنضج فكرة مناقشة جادة لمواد القانون، ورفع الغبن الذى وقع على افراد وعائلات كثيرة من دون مبرر. ان اعادة النظر بمواد القانون، سيرفع الحيف عن اوساط واسعة من الطبقة المتوسطة، ذات المخزون العلمي والثقافي والمعرفي والسياسي النادر، الذي لا تمتلك نظيره اكثرية شعوب العالم والذي يحتاجه العراق حاليا ايما حاجة. ان الوقت قد حان الان لمراجعة اخطاء جسيمة ارتكبها رجل،لم تكن على جدول اعماله خدمة المصالح الوطنية العليا لشعبنا،او تمتين وحدة الشعب وبناء جسور الثقة بين ابناءه. ان كل انسان معرض للخطأ، والانسان السوي هو الذي ينتفع من اخطاءه واخطاءغيره، وما علينا الا اعطاء الفرصة للجميع للعب دورهم في خدمة بلادهم.

ان روح الانتقام والثأر الماثلة امامنا، وردود الافعال تجاهها، تبدو وكأنها لا حل لها، ولا طريقا اخر يعيد الصواب الى اطراف النزاع. وفي خضم هذا الجو الملبد و المشحون بالكراهية، يفقد ابرياء حياتهم وتزداد معاناة الاخرين،وتتضائل فرص الوطن لاستعادة مكانته في هذا العالم، كموطن للثقافة والتالق والتسامح، بين القوميات والاديان والمذاهب والمعتقدات. ان كل ما يحتاجه الشعب العراقي لوقف هذا العنف، هو حكومة تصمم على سلوك طريق الشجعان،تفتح ابواب التفاوض مع المعارضة السياسية والمسلحة، وتتحلي بمرونة كافية في التعامل مع المسائل الخلافية. واعتقد ان الاعلان عن الرغبة في التفاوض بحد ذاته، سيسعد المواطن العراقي ويعزز اماله في السلام. وان العامل الاكثر حسما في هذا الاتجاه، هو رغبة الشعب في التسامح والصفح، عن كل اولئك الذين انساقوا خلف زمرة النظام السابق تحت اي مبرر او قناعة. والاهم من كل ذلك،هو الموقف من مرتكبي الجرائم، الذين حوكموا او ممن ينتظرون مقاضا تهم. ان التسامح والعفومن شيم الرجال المتحضرين المؤمنين بحقوق الانسان،وهي ليست غريبة على قلوب واسماع العراقيين من متدينين وغير متدينين. واترك للمتدينين الاجلاء،مهمة الاتيان بتلك الايات الكريمة التي تحث على العفو والمغفرة في قرآننا العزيز. كما انقل للسياسيين من رجالات العراق الجديد، ما تميزت به اعظم تجارب الكفاح ضد الاستعمار والعنصرية والتمييز التي خاضها شعب جنوب افريقيا.

في احدى مقالات القس ديزموند توتو، الحائز على جائزة نوبل للسلام يذكر: "ان العالم لم يقدر بشكل كامل حتى الان انتقال جنوب افريقيا السلمي تقريبا من القمع الى الديمقراطية. ولابد ان العالم يذكر الان، كما نذكر نحن، الايام الاولى من انتقال السلطة الى الاغلبية السوداء، حين تصور اغلب الناس انناسوف نغرق في حمام دم عنصري مروع.كان وقتا متسما بالياس وفقدان الامل، ومع انه استمر لمدة وجيزة الا انه باق في ذاكرتنا. كان القتل شائعا في القطارات و سياراة الاجرة، وكانت المذابح معتادة في مدن واحياء عدة نتيجة للخصومات الدمويةبين حزب المؤتمر الوطني الافريقي (الحزب الذي قاد المقاومة في جنوب افريقيا ضد الفصل العنصري) وحزب الحرية العرقي التابع لقبيلة الزولو( حزب قبلي كان متحالفا مع النظام العنصري في جنوب افريقيا).في العديد من المناسبات بدا الامر وكان مصير جنوب افريقيا بات على حافة الهاوية.الا اننا نجحنا في النهاية في تجنب الكارثة.مما لا شك فيه ان نجاح جنوب افريقيا يرجع في جزء منه الى معجزة: انها المعجزة التي تجسدت في نيلسون مانديلا الذي نجح بهدوئه وحصافته،ومكانته باعتباره رمزا للتسامح والتعاطف والشهامة والعزيمة،في تحويلنا الى موضع لحسد كل امة على وجه الارض. ان مواطني جنوب افريقيا العاديين يستطيعون ايضا ان يفخروا بانفسهم،فبفضل انضباطهم الذاتي وادابهم السلوكية البسيطة وقدرتهم على العفو والمغفرة، بات في الامكان منع حمام الدم. والحقيقة انهم ضربوا مثلا لابد وان يحتذى في اماكن اخرى مضطربة في العالم"

ان تجربة جنوب افريقيا في تحقيق المصالحة تعتبر درسا ينبغي عدم اهماله عند البحث عن السبل لتحقيق المصالحة في بلادنا التي يمزقها العنف.لقد شكلت لجنة الحقيقة والمصالحة التي سمحت للذين ارتكبوا جرائم عظيمة في ظل نظام الفصل العنصري بالاعتراف بافعالهم بصراحة،وبالتالي تجنب اقامة الدعوى ضدهم.

لقد كان اندمال جراح جنوب افريقيا راجعا الى الصدق والحقيقة وليس العقاب.فقد بادر ضحايا الفظائع والاعمال الوحشية الى مسامحة معذبيهم حتى انهم كانوا يعانقوهم في بعض المناسبات. ولقد ساعد تشكيل وعمل تلك اللجنة على فتح وتطهير الجراح المتقيحة وصبت عليها بلسما ساعد في شفائها واندمالها الى الابد.

ويذكر القس توتو ايضآ:"قد يكون من السهل ان ننظر الى عمل لجنة الحقيقة والمصالحة باعتبارهامن الامور المسلم بها،الا اننا ندرك مدى اهمية هذه اللجنة لما يجري في الشرق الاوسط والفوضى السلئدة في العراق، حيث يغذي الانتقام والثار حلقة مروعة من العنف.لقد حررتنا الحقيقة فعليا،حتى اصبح بوسعنا ان نعقد السلام مع انفسنا" وينهي مقاله بتمنياته للعراقيين بالجمل النبيلة التالية:" وبفضل التذكر والغفران، اصبح بوسعنا ان نسلم كوابيس الماضي الى صفحات النسيان. وانني لاتمنى بكل صدق، ان يتمكن العراقيون وكل الشعوب التي يطاردها ماضيها، من ايجاد الوسيلة التي تجعلهم قادرين على الحياة في سلام وراحة بال".

ان كل دروس الماضي ترى في التسامح والصفح الطريق الافضل لبناء ما خربته الكراهية والثار، ولعله الطريق الوحيد لاعادة بناء العراق وتوحيد شعبه الذي تتهدد وحدته لخطر التمزق بفعل التدخلات الاجنبية خدمة لاهدافها القذرة.


18.09.007