| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الخميس 17/5/ 2012

 

الصين والغرب .... في القرن الحادي والعشرين
(2)

علي ألأسدي

"The Writing on The Wall : China and the West in The 21st Century "

تطرقنا في الجزء الأول من قراءة بيتر تاف لكتاب ويل هوتين " الكتابة على الجدار : الصين والغرب في القرن الواحد والعشرين " ، حيث بينا بأن الرأسماليين الغربيين وهم الذين خبروا مهنة الاستغلال وتحقيق أقصى الأرباح قد توقفوا عن استيراد العبيد السود من أفريقيا ودولا أخرى للعمل في مزارعهم ومناجمهم وصناعاتهم وبيوتهم في الولايات المتحدة وأوربا كما فعلوا قرونا خلت ، انهم اليوم يذهبون بأنفسهم الى مواطن العبيد في الصين والهند وبنغلادشت والفلبين وفيتنام واندنوسيا وغيرها حاملين معهم رؤوس أموالهم ، ومن هناك يباشروا مهنة الاستغلال من جديد. وهذه المرة يزاولون استغلالهم بالشراكة مع حكومات العبيد ، لكن بالشروط التي يملوها هم ، الشروط التي ليس بينها حق العمال بظروف عمل انسانية وأجور أسوة بزملائهم في الدول الرأسمالية المتقدمة. كتاب ويل هوتين لم يتحدث عن هذا ، بل عن نظام الصين الحالي الذي يريد أن يراه نظاما رأسماليا خالصا ، وأن يقطع علاقته كليا بالاشتراكية والشيوعية التي يمقتها أشد مقت.

لقد تناول هوتين في كتابه دور الحزب الشيوعي الصيني مبينا أن الاقتصاد الصيني يدار من قبل حزب لا ثوري بنفس الوقت الذي لا يمكن اعتباره حزبا ديمقراطيا يماثل في دستوره دساتير الاحزاب السائدة في الغرب أو في الدول المجاورة للصين في أسيا. (ص117) ويبين ايضا ، أن الحزب الشيوعي الصيني يبدي عدم رغبة في خصخصة أو بيع الجزء الأكبر من ملكية المشاريع الاقتصادية الحكومية الى مستشمرين افرادا في سوق الأوراق المالية خشية اضعاف دوره السياسي والاقتصادي في الصين ".(ص97)

وعن دور الاستثمارات الأجنبية يذكر: ان هناك قطاعا رأسماليا قد طور بدون شك بواسطة استثمارات أجنبية في مناطق الشواطئ وخاصة في الجنوب حيث 2/3 منها في المجال الصناعي ، كما أن 55% من صادرات الصين تتم من قبل الأجانب ، وكلما زادت الصناعات التكنولوجية كلما كان الاستثمار الأجنبي حاضرا ويلعب دورا رئيسيا. لذا نرى ان أكثر من 80% من الصادرات الأكترونية واجهزة الاتصالات ، و70% من منتجات السلع البلاستيكية ، و60% من المنتجات الكهربائية يقوم بها مصدرون أجانب. ان هذا الوضع ناتج من ان الصين أصبحت ورشة عمل عالمية لتجميع المنتجات المصنعة في دول اخرى ، ولهذا يكتب على السلع المنتجة المجمعة في الصين عبارة ( أنتج في الصين made in china ، في حين يشار الى السلع المصنعة من قبل الصين ذاتهاعبارة made by china ، والفارق بين الأثنين كبير. هذا الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية حقق نموا أعلى بكثير مما حصل في بلدان النمور الأسيوية في فترة الثمانينيات عندما كان النمو سريعا فيها.وهذا أحد الأسباب التي لم تتمكن الصين من تأسيس شركات وصناعات عالمية كما حصل في بلدان كاليابان وسنغافورة في زمن سابق. فمثلا من مجموع أكبر 250 شركة منافسة في العالم لا توجد بينها شركة واحدة صينية. وبحسب مجلة بزنس ويك فلا توجد أيضا شركة واحدة صينية بين 100 شركة كبرى عالمية في عام 2005- 2006. لكن هناك شركة واحدة صينية بين 300 شركة صناعية عالمية . أحد الأسباب لذلك كما يشرح هوتين هو ، أن الصين تشجع وتدعم الاستثمارات الأجنبية في البلاد بسبب احجام رأس المال المحلي عن ذلك تحت تأثير عدم الثقة في سياسة الدولة الاقتصادية ، وبنتيجة ذلك تتحول الصين الى ممول للمنتجين الأجانب بدل أن تلعب مثل هذا الدور تجاه المنتجين المحليين . السياسة المتعرجة التي تتبعها الدولة الصينية ناتجة عن خوف الأقلية الحاكمة من التذمر المتزايد وعدم رضا الجماهير الصينية عن تحول البلاد نحو الاقتصاد الراسمالي الذي قد يقود الى ثورة عارمة.

يشير هوتين الى واحد من اسباب هذا التذمر في أوساط الجماهير ، فيقول : هناك ستة ملايين مالك لشركات خاصة في الصين ( ثلثيها ) أي 2/3 منها مملوكة لمسئولين سابقين في الدولة ( ص137) ، من بينهم جيانغ زيمين الزعيم السابق للدولة. زيمين يدير مناجم للفحم ، وشركات للنقل الجوي ، وشركات اتصالات ، وفنادق سياحية في أنحاء الصين. وكان الزعيم الحالي جياو بنغ قد أصدرأخيرا قرارا يقضي بضرورة تخلي الزعيم السابق عن كافة تلك المصالح الاقتصادية ، وألا ينخرط الجيش في نشاطات اقتصادية مستقبلا خشية تضاؤل دور ديكتاتورية البروليتاريا كآداة للدولة الاشتراكية. (125) ويلفت هوتين هنا الانتباه الى أن مصطلح ديكتاتورية البروليتاريا ودولة الاشتراكية قد وردتا في غير محلهما ، ولا تعبران بدقة عن الصين.وان قرار الزعيم الصيني الحالي جياو يعبر عن حقيقة أن سياسة الدولة الصينية عبارة عن خليط من بقايا الماوية ، وهذا يطرح على الماركسيين التحدي لتحديد سمات الدولة في هذه المرحلة من تطور الصين الشعبية.

يحتل قطاع الدولة في الصين حيزا مهما يجعل المجتمع والاقتصاد فيها في وضع يشابه الى حد كبير الحالة التي كانت عليها روسيا بوتين الذي اعاد تأميم بعض المصالح الاقتصادية التي سرقت من الشعب الروسي بداية تفكك الاتحاد السوفييتي. ويذكر ويل هوتين : منذ عام 1998 والحزب الشيوعي الصيني يحاول اعادة تنظيم الدولة بهدف توفير المال ، بنفس الوقت الذي يسعى فيه للوصول الى هيكلية جديدة واعادة توجيه الدولة بهدف فرض الرقابة على ذلك الجزء من الاقتصاد الذي لم يعد يخضع للخطة الاقتصادية. ووفق ادعاء الصينيين فان مراقبتهم للمشاريع المملوكة للأفراد هو محاولة الغرض منها معرفة كم هناك شركات أو مشاريع حكومية ، وكم هناك مشاريع خاصة وهمية من أجل تطوير المشاريع اللينينية Leninist Corporation " ص (147) ويعلق هوتين على ذلك قائلا : ليس للينين اي شيئ من هذا. سعى لينين لوضع نفسه على رأس الدولة التي تقام على انقاض الراسمالية وليس التدخل في ميكانيكية عمل الرأسمالية. لقد أقام لينين مع البولشفيك الدولة الأكثر ديمقراطية في التاريخ من خلال المجالس العمالية التي يقوم العمال خلالها بانتخاب مسئوليها أو تغييرهم وكان ذلك بعد ثورة أكتوبر 1917.

ومن أجل بناء وجود لها في العالم شجعت الصين اقامة 57 شركة كبرى استراتيجية يعتمد عليها الاقتصاد الصيني. ويقول هوتين تعليقا على ذلك :يعتبر هذا التشكيل النسخة الصينية للنموذج الكوري الجنوبي او الياباني ، وحيث لكل شركة من تلك الشركات ال 57 مصرفها الخاص بها. والشركتان الأكبر في هذه المجموعة هما Donglian and Qilu " " و Petrochemical Groups "". لكن هذه ليست بالضبط نسخة Baosteel " " الكورية او اليابانية ، انها أصلا شركتان رأسماليتان غربيتان مهيمن عليها من قبل مجموعة عائلية صينية عريقة ليست شائعة في الصين. الحزب الشيوعي الصيني يستعد لتخفيف هيمنته على القطاعات غير الاستراتيجية ، لكنه بنفس الوقت قادر على مراقبة حملة أسهمها ونظام الحسابات فيها. وحتى الشركات الخاصة المتعددة الجنسية مثل Huawei " " ظهرت وتنمو بسرعة كصناعات الأجهزة اللاسلكية واجهزة الكومبيوتر وهذه الشركات ليست خارجة عن سلطة حزب الدولة ، فهي تعمل بالتعاون مع الجيش الأحمر الصيني.

ويل هوتين مؤيد قوي وصريح للرأسمالية ، ومع انه يرفض بعض ممارسات اقتصاديي الليبرالية الجديدة البربرية فهو معارض متشدد ومعادي للشيوعية والاشتراكية ، وهو يرغب بازالة الابهام في الوقت الحالي عن الصين اليوم ، محاولا الانخراط في اشاعة الديمقراطية الرأسمالية. فالسبب وراء حالة وجود الاقتصاد الصيني في منتصف الطريق بين الرأسمالية والاشتراكية هو خشية - الأقلية الصينية الحاكمة – من ثورة الشعب الصيني ضد احلال الراسمالية كليا في الصين والتخلي عن المبادئ الاشتراكية الذي يعني رفع الرقابة الحكومية والسماح لقوى السوق الحرة بان تأخذ كل مداها في الاقتصاد الصيني. ومن وجهة نظر هوتين ، أن زوال " قدح الرز الحديدي " للنظام الماوي ، والأخذ بمبادئ الرأسمالية كليا سيمكن من استيعاب الفائض السكاني في كل من القطاع الحكومي والمناطق الزراعية من قبل الصناعة الصاعدة ، وبذلك يمكن تحاشي الانفجار الاجتماعي. وطبقا لهوتين فان على الصين أن تخلق 24 مليون فرصة عمل سنويا.

هناك وضعا خطرا في طريقه للحدوث في الصين ، حيث تحاول الولايات المتحدة اجبار الصين على تقويم عملتها " الايوان " واذا ما حصل ذلك ، فقد يتعرض النمو الاقتصادي في الصين الى انتكاسة. فالدول الرأسمالية وبخاصة الولايات المتحدة ترى أن العملة الصينية " الايوان " مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية نسبة الى الدولارالأمريكي بحوالي 15.5 – 40 %، واذا ما أعادت الصين تقييم عملتها بما يوازي 40 % زيادة عن قيمته الحالية نسبة الى الدولار فانها ستفقد نسبة من احتياطيها النقدي الذي أكثريته في الدولار والبالغ واحد تريليون دولار، حيث يساوي هذا خسارة 3.5% ناتجها القومي الاجمالي. وبنفس الوقت فان اسعار المنتجات الزراعية الصينية ستنخفض عن مستواها الحالي الذي هو منخفض أصلا ، وهذا سيضع الزراعة الصينية أمام كارثة حقيقية ، حيث سيتأثر الدخل الزراعي والاقتصاد الزراعي مما سيزيد الهجرة من الريف الى المدينة ، وهي أصلا كبيرة في الظروف الحالية.

اضافة لذلك فان السوق الأمريكي الذي يستوعب حاليا صادرات كبيرة من الصين وينمو باضطراد سيتوقف ، الحماية التجارية الأمريكية في كل الحالات ستتعزز في الولايات المتحدة ، وسيتقلص العجز التجاري الأمريكي البالغ حاليا 700 بليون دولار حيث تبلغ حصة الصين فيه 200 بليون دولار وهو حاليا في صالح الصين. ففي حالة رفعت الصين قيمة عملتها فستتعرض الى خسارة كبيرة ، بنفس الوقت سيواجه القطاع المصرفي ضعفا واضحا ينعكس على قدرته على الاقراض. تقويم الأيوان الصيني والقبول باعلان النمو ، او لا تقويم والقبول بالنمو ، واذا لم تفعل فورا أو في نهاية الأمر فالصين في واقع الحال ستواجه الوضع الياباني عام 1990 الذي نتج عن ضعف نظامها المصرفي.
 

free web counter