| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الأحد 17/6/ 2012

 

الشيوعيون اليونانيون .. بانتظار نصر انتخابي جديد

علي ألأسدي

تميزت انتخابات السادس من مايو الماضي في اليونان بتغيير في وعي الجماهير اليونانية ، حيث صوتت للاحزاب اليسارية بنفس الوقت الذي اكتسحت فيه الائتلاف الحاكم الذي قاد اليونان في أسوء أزمة اقتصادية نفذت خلالها أقسى سياسة افقار في تاريخ اليونان وهي " سياسة التقشف ". في فرنسا ايضا عبرت الجماهير عن رفضها لسياسة اليمين الفرنسي بقيادة ساركوزي الذي اختفى عن المسرح امام فوز فرانسوا هولند عن الحزب الاشتراكي الفرنسي المحسوب على اليسار،فقد لقي مساندة ودعم للسياسة التي دخل الانتخابات فيها.وقد صرح هولند عشية فوزه في الانتخابات قائلا : " أوربا تراقبنا ، وفي اللحظة التي أعلن فيها فوزي كرئيس لفرنسا أكون على ثقة بأن عددا من دول الاتحاد الأوربي ستشعر بالاطمئنان على أمل أن نضع نهاية لسياسة اعتبرت خيارا وحيدا". الخسارة المهينة للسيد ساركوزي هي أول كارثة تحل بيمين الوسط منذ 30 عاما. كلمات الرئيس الفرنسي جاءت كدعوة لحمل السلاح ضد السياسة الاقتصادية التي هيكلتها المانيا لمنطقة اليورو. وقد اعلن احد مرشحي هولند للحكومة الجديدة قائلا: " كلمات هولند هي اعلان بان سياسة التقشف ستستبدل بنمو أوربا ." ويتوقع أن ينفذ الرئيس الجديد وعوده بزيادة الضرائب على أصحاب البلايين لتصل نسبتها الى 75 % التي بدونها يتعذر تنفيذ خطته بتعيين 60000 معلم ومعلمة في المؤسسات التعليمية.(1)

وقد علق رئيس حزب العمال البريطاني المعارض كرد فعل للسياسة الجديدة التي أعلن عنها هولند بقوله : " القيادة الجديدة في فرنسا هي ما تحتاجه أوربا من أجل الخروج من التقشف ، وهي تعني بريطانيا ايضا ". اليونانيون اعلنوا بنفس اليوم تاييدهم بنسبة 60% من اصواتهم لصالح اليسارواليمين المعارض لسياسة التقشف. حيث عزز الحزب الشيوعي اليوناني من مركزه في البرلمان ، بحصول قائمته " التجمع الشعبي" على الآلاف من الأصوات الجديدة. فقد سجل الحزب زيادة قدرها 75000 صوتا مقارنة مع مجموع الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات النيابية لعام2009 ، بحصوله على نسبة تعادل ما يقارب ال 11 ٪ مجموع الأصوات ، مسجلاً ارتفاعا بنسبة قدرها3.3 % وبذلك يكون قد حاز على 26 مقعدا في البرلمان من مجموع 300 مقعدا ، بزيادة خمسة مقاعد.وقد حقق هذا النجاح برغم الحملة الاعلامية المناهضة التي قادتها القوى اليمينية واليسارية الانتهازية ضده وضد قائمته التي حضيت بتأييد قطاعات واسعة من اليونانيين.(2)

لقد قدمت وسائل الاعلام الغربية وصفا مضللا عن حزب سيريزا الخليط غير المتجانس كمنتصر في انتخابات 6 /5 وباعتباره زعيم تحالف اليسار الراديكالي أو حتى كحزب شيوعي وهو أمر نفاه الحزب الشيوعي اليوناني ، كاشفا حقيقته والقوى التي يتكون منها. فهو جزءا مما يسمى بـ " تحالف اليسار "سيناسبيسموس ذو البرناج الاشتراكي الديمقراطي ويضم في صفوفه قوى يمينية منشقة عن الحزب الشيوعي الأم في عام 1968، وعام 1991 وبعدها ، وعن حزب الباسوك الاشتراكي اضافة الى مجموعات تدعي اليسارية كالتروتسكية والماوية. وقد جاءت الانتخابات ايضا ولأول مرة منذ الانقلاب العسكري عام 1974 بممثل النازية الجديدة " الفجر الذهبي" وهو نذير شؤم لكل أوربا ، حيث يحدث هذا بالتناغم مع ظهور مجموعات مماثلة بدأت تنشط في عدد من الدول الاشتراكية السابقة كأوكرانيا وبولندا وجيكيا وهنغاريا ودول البلطيق.

ما سيصوت له اليونانيون اليوم ( 17 يونيو الحالي ) ليس البقاء في منطقة اليورو أوالخروج منها والعودة الى " الدراهما "، وانما لمستقبل اليونان والخروج بها من الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يدفع ثمنها غالبية شعب اليونان وبالأخص ذوي الدخل المحدود من العمال واصحاب المهن الصغيرة التي توظف عاملين أو اقل ، وتلك التي يديرها اصحابها والعاطلون عن العمل. أما الضرائب فقد وجهت في غاليتها لاستهداف الطبقة الوسطىى وما دونها ، حيث أحدثت فقرا واسعا في البلاد. سقوط الحكومة اليونانية السابقة كان بسبب رفض اليونانيون لسياسة التقشف ، تلك السياسة التي لم تحقق ايا من أهدافها في اي دولة من دول الاتحاد ، بل بالعكس ، فقد انحدرت اكثرية الدول الأعضاء نحو مرحلة جديدة من الركود الاقتصادي بما فيها الدول الصناعية الكثر تطورا. سياسة التقشف لم تساعد على النمو الاقتصادي ، بل بالعكس قادت الى انكماشه ، لأنها تسببت في انكماش الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات ، وهذا بدوره لم يشجع المنتجين اليونانيين على زيادة الانتاج المحلي وزيادة الاستخدام ، كما اعاقت الاستثمارات الجديدة داخل اليونان ، بل وأجبرت بعض رؤوس الأموال للهجرة الى الخارج ، كما حدت من تدفق الاستثمار الأجنبي الى داخل اليونان الذي تفتقر اليه كثيرا حاليا ، فهي اذن سياسة كابحة للنمو لا محفزة له.

الخيار امام اليونان اليوم ليس البقاء مع اليورو أو العودة الى الدراهما ، بل بين سياسة خفض الانفاق المفقرة وبين سياسة تفعيل النمو اعتمادا على ضخ الأموال في الاقتصاد الوطني عبر آليات الاقراض الميسر للمشاريع الصغيرة ، وتشجيع بناء العقارات وزيادة الاستثمارات في المشروعات الصناعية والبنية التحتية. اليونانيون بحسب استطلاعات الرأي يتوقون للاندماج باقتصاد أوربي يعجل النمو الاقتصادي لبلدهم لتحسين ظروفهم المعاشية ، وهذا ممكن فقط اذا ما روعيت ظروف اليونان الاقتصادية ، وهذا لم يحصل إلا متأخرا جدا. لكن يبدو الآن أن قيادة الاتحاد الأوربي بدأت تدرك ذلك اكثر من أي وقت مضى. حيث تدور مناقشات على مستوى عال داخل المانيا وفي البنك المركزي الأوربي حول اعفاء اليونان من بعض ديونها ، واصدار نسخة جديدة من اليورو اقل قيمة يتم تداولها داخل الدول الأقل نموا ، تكون اليونان أحدها اضافة الى أيرلندا والبرتغال واسبانيا وايطاليا وقبرص وربما يضاف لها لاحقا دولا أخرى. التباطؤ في اتخاذ مثل هذا القرار ليس من صالح استقرار اليورو ، ولا في استقرار الوضع السياسي والاقتصادي اليوناني والاسباني التي تزداد الحالة الاقتصادية فيهما حرجا. واذا لم ياخذ الاتحاد الأوربي مصالح البلدان الأفقر المشار اليها فلا مفر حينها من خروجها من اليورو والعودة الى عملاتها المحلية ، وهو ما ينصح به الكثير من الاقتصاديين والخبراء الماليين ، لأنه كفيل باعادة التنافسية الى السلع التصديرية ، وتحفيز الاستثمارات في الاقتصاد الوطني وما يؤديه ذلك من زيادة في الناتج القومي.

نتائج الانتخابات التي أطاحت بالائتلاف الحكومي الذي قاد اليونان الى الحالة الاقتصادية الراهنة لم تأت بقوى يمكن أن تشكل حكومة بديلة مدعومة بقاعدة برلمانية واسعة تأخذ باليونان الى بر الأمان. لهذا فان الأحزاب السياسية القريبة من حزب اليسار الأوربي قد صعدت من دعايتها الانتخابية استعدادا للفوز في انتخابات اليوم لتعزيز وجودها في البرلمان القادم بأكثرية نسبية تمكنها من تشكيل حكومة قادرة على الصمود أمام المعارضة المتزايدة لسياسات الافقار التي يتبعها الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي. ففي هذه الحالة لن يحصل التغيير المنشود ، لأن أي حكومة تصر على استخدام السياسة الاقتصادية الراهنة المرسومة لها سلفا من الاتحاد الأوربي لن يكتب لها النجاح وستعارضها اكثرية الشعب اليوناني، كما يتوقعه الحزب الشيوعي اليوناني.

الحزب الشيوعي يشكك في نزاهة وقدرة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية اليونانية على انتهاج سياسة اقتصادية تنقذ البلاد من أزمتها الراهنة. فهو " يدعو العمال للتغلب على معضلة "يورو أم دراهما" التي هي الوجه الآخر للترهيب بوقوع إفلاس غير منضبط ، الذي هو حقيقة واقعة سلفاً ، ليستطيعوا ابتزازه عند قيامهم بتشريع قوانين ضد مصالحهم ، ليقولوا له أن يختار بين قبول التدابير الوحشية و بين العودة إلى الدراهما، التي يساوون بينها و بين الفوضى والبؤس. إن الرد الوحيد من زاوية المصلحة الشعبية بحسب رأي الحزب هو : فك ارتباط البلاد بالاتحاد الأوروبي واقامة سلطة شعبية تلغي الديون من جانب واحد وتكون لها عملتها الخاصة ".(3)

لكن الحزب الشيوعي اليوناني لا يستطيع في الواقع الحالي التأثير على ميزان القوى السياسية في البلاد ، واجراء التغييرات الجذرية التي أعلن عنها الا من خلال اقامة جبهة واسعة للقوى الديمقراطية اليسارية ، وهذه غير متاحة في ظل الانقسام الحالي داخل المعارضة اليونانية. الانتخابات القادمة في السابع عشر من هذا الشهر ستكون حاسمة ، فاليمين واليسار الانتهازي ممن يسمون بـ " اليسار الأوربي " قد شكلوا تحالفا عريضا ضد الحزب الشيوعي اليوناني لتقليص نفوذه المتزايد في الساحة اليونانية والأوربية سياسيا ونقابيا وانتخابيا. ويسعى ايضا لضرب الحزب الشيوعي اليوناني عبر أطروحة ما يسمى " وحدة اليسار " في اطار محاولاته دفع الحزب الشيوعي للتخلي عن برنامجه والقبول بالامر الواقع " النظام الرأسمالي ".
 


للاطلاع اكثر أنظر:
(1) 5/6/2012-1 Henry Samuel and Bruno Waterfield,The Telegraph
(2) المؤتمر الصحفي الذي عقدته الأمين العام للحزب الشيوعي اليوناني في اثينا في 6/5/2012
(3) نفس المصدر السابق


 

free web counter