| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                           الأحد  17 / 11 / 2013

 

أسئلة حول... الحركة الاشتراكية الأمريكية... ؟ ..
(2)

علي الأسدي

جاء في نهاية الجزء السابق من هذا المقال بأن زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني قد ذكر عام 1907 بان " الأمريكيين سيكونون أول من يعلن جمهورية اشتراكية " ، لكن ذلك المعتقد قد تضاءل بعد الثورة البولشفية في عام 1917. وقد بدأ الاشتراكيون الأوربيون النظر الى أمريكا كتعبير عن مستقبلهم المحزن ، وبعكس ما كان يتصور بكونها استثناء أو شيئا من هذا ، وبدلا أن تكون نموذجا اشتراكيا يمكن الحذو حذوه ، مازالت دولة رأسمالية. والآن ينظر الاشتراكيون في أمريكا الى الجانب الآخر من الأطلسي ( أوربا) ليتمعنوا في مستقبل حركتهم.

فبرغم كون الولايات المتحدة الدولة الصناعية الأعلى انتاجية ، لم يكن لها أبدا حزبا أو حركة عمالية يسارية يعتد بها. الاتحادات العمالية التي كانت أضعف من مثيلاتها في الدول الصناعية الأخرى تتناقص العضوية فيها منذ الخمسينيات. وفي الوقت الحاضر تبلغ نسبة العضوية فيها 14% من مجموع عدد العمال الاجمالي ، كما ان نشاطاتها أضعف كثيرا من الاتحادات العمالية في الدول الأخرى المتطورة اقتصاديا.

وللمقارنة مع الجارة الشمالية فالاقتصاد الكندي أصغر كثيرا من اقتصاد الولايات المتحدة ، لكن أكثر من ثلث عدد العمال فيها منتم للاتحادات العمالية. هذا الاختلاف يثير التساؤل من جديد ، لماذا تعاني الاتحادات العمالية والفكر الاشتراكي والوعي السياسي الطبقي من الضعف والانحسار في الولايات المتحدة ..؟

كان ماركس قد توقع ان الطبقة العاملة ستتجه لتشكيل الاحزاب الاشتراكية الثورية في المجتمع الرأسمالي وانهم سيخلقون حركة واعية طبقيا تعمل للاطاحة بالراسمالية. وقد استند ماركس في ذلك على الأحزاب العمالية العاملة التي تشكلت في عدة مدن شرق الولايات المتحدة نهاية 1820 وبداية 1830.

لكن البريطاني توماس هاملتون مؤلف كتاب MANNERS IN AMERICA الذي كان قد زار الولايات المتحدة عام1830 قد عزا استنتاج ماركس بقدرة القوى العاملة الأمريكية على تشكيل حركة واعية طبقيا تعمل للاطاحة بالراسمالية الى تأسيس أول حزب سياسي للعمال الأمريكيين في التاريخ وهو: WORKINGMEN`S PARTY " " .

وبرغم ضعف الأحزاب العمالية بداية 1830 فان ماركس وانجلس استنتجا بعد عدة عقود منذ ذلك التاريخ " بأن الأمريكيين كان لهم منذ 1829مدرستهم الاشتراكية الديمقراطية . وان أمريكا كدولة ومجتمع جديدان لم يحوزا على المؤسسات والتقاليد الاقطاعية ، وهذا ما جعل ثقافة الولايات المتحدة برجوازية حديثة وصافية."

وبعد وفاة ماركس اعترف أنجلس " بان الحركة الاشتراكية لم تحظى على جماهيرية واسعة بسبب التخلف السياسي للعمال الأمريكيين" . وقد كتب انجلس في عام 1890 " بان الأمريكيين قد ولدوا محافظين وهم فخورون بكونهم منظمة برجوازية صافية النقاء." وكان عالم الاجتماع الألماني MAX WEBER قد بين " بأن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد البرجوازي الذي لم يمر بالاقطاعية ".

وعبر عن نفس الرأي عام 1920 المنظر البعيد النظر الشيوعيANTONIO GRAMSCI حيث ذكر " بأن الولايات المتحدة كانت قادرة على تجنب بقايا الاقتصاديين التجاريين MERCANTILISM والحكم المركزي والمنشآت الكنسية والتقاليد الأرستقراطية. وان الولايات المتحدة تعتبر مصدرا فريدا للقيم السياسية والاقتصادية ، حيث اقترنت بالليبرالية الاقتصادية ، دعه يعمل – دعه يمر ، والعلمانية وفردانية المعتقد الديني المنبثق عن البروتستانتية التي كما قال عنها وبر قد ساعدت على قيام الرأسمالية."

 

غرامشي بين أيضا " بأن الاختلاف بين الأمريكيين والأوربيين قد تقرر بنتيجة غياب العادات التقليدية التي تعني القبول بالماضي والموروث الثقافي المرتبط بالتشكيلات الاجتماعية البائدة ".

فالراديكاليون الأمريكان بشكل عام يتناغمون مع الليبرالية ونمط الكونفدرالية الصناعية التي يكون للعمال فيها دورا يلعبونه ، وان التعبير الأقرب لهذه الكونفدراليات هو السنديكالزم المناهض لمركزية الدولة وادارة الدولة للاقتصاد.

ووفق تحليل ديفيد ديليون DAVID DELION المؤرخ الفرنسي " فان الأمريكيين يعارضون الاشتراكية الديمقراطية الاسكندنافية والاشتراكية الفابية والسوفييتية حيث ينظرون اليها بريبة بل حتى بعدائية بسبب توجهاتها المعتمدة على المركزية المفرطة. وقد وجدت هذه النظرة تعبيرا لها في الليبرالية الاقتصادية والتعاونية والانارخية ".

ويمكن ملاحظة ذلك واضحا في الحركة العمالية الأمريكية. فأيديولوجية الفدرالية العمالية الأمريكية AFL) ) كانت سنديكالية لحوالي نصف قرن. لكنها واجهت منافسة من اتحاد عمالي آخر IWW) ) وهو اتحاد العمال الصناعيين الدولي WORKERS OF THE WORLD الذي عرف بميوله الأنارخية.

الموضوع المشترك بين المنظمتين العماليتين هو النظر الى الحكومة كعدو ، وان قيام الدولة بتملك الصناعة يجعل النضال ضدها أصعب من النضال ضد الشركات الخاصة. وينقل عن صاموئيل غوميرز قائد الفيدرالية العمالية AFL) ) لأربعين عاما قوله : " ما يمكن أن تتنازل عنه الدولة تتمكن من استعادته مرة أخرى. وان على العمال ان يعتمدوا على أنفسهم. غومبرز وكثيرا من أعضاء الفيدرالية ينحازون للأنارخية وكان نفسه قد صرح عام 1920 بأنه ثلاثة أرباع أنارخي".

وكان ريشارد فلاكس القائد الطلابي اليساري لمنظمة ( SDS)من أجل مجتمع ديمقراطي منذ الستينيات ، قد كتب في منتصف التسعينيات واصفا نشاطه من أجل مجتمع ديمقراطي بأنه تيار اليسار الجديد الأمريكي ، لكنه ليس اشتراكيا ، موضحا بأن التيار الذي كان سائدا في الستينيات لم يكن اشتراكية ديمقراطية أو لينينية أو ستالينية ، وانما يسارا أقرب للأنارخية والديمقراطية. ووفق فلاكس فان اتحاده بالتعاون مع العمال يشجع الناس ليكونوا مسئولين عن مستقبلهم من خلال تعزيزهم الرقابة الشعبية على شئونهم الحياتية عبر اقامة الكوميونات والتعاونيات حيث يسكنون ويعملون.

هناك تشابه واضح بين الفكر السائد في أوساط جماهير اتحاد العمال الصناعيين الدولي IWW واليسار الجديد حيث يتبنى كلاهما الفردانية وهي نظرية اجتماعية تسعى لتأمين الحرية الشخصية وتعارض التسلط الحكومي أو الجماعي.

لقد أشار انجلس في عام 1890 " بأن النمو والرخاء الاقتصادي في أمريكا سيصعب العمل والمشاكل لحزب العمال الأمريكي. فمستوى الحياة للعمال الأمريكيين أعلى كثيرا مما هو في بريطانيا ، وهذا وحده كافيا ليضع حزب العمال في المؤخرة سياسيا لسنين طويلة في المستقبل". وبعد عامين من ذلك وضح " بأن الرخاء الأمريكي لم يملأ خزائن البرجوازية لكنه في الواقع أفاد العمال".

وقد ركز كلا من ماركس وانجلس اهتمامهما أيضا نحو التطور والتغيير الاجتماعي الأمريكي ، حيث أكدا " بأن الطبقات أثبتت وجودها ، ومع أنها لم تتجذر بعد ، لكنها في تغير دائم".

وكان توكفيلي قد توصل نصف قرن قبل ذلك الى رأي ينفي فيه وجود بروليتاريا في المجتمع الأمريكي. حيث أكد بأن بامكان أي شخص ان لم يكن رأسماليا فله كل الحرية للحصول على أرض خاصة به ليكون مستقلا في قراراته كمنتج أو تاجر بوسائله ولمصلحته الخاصة. وان النظام الامريكي ضمن لهم فرصا جعلتهم يشعرون بانهم متساوون في الحقوق والفرص ، وهذه هي بالذات " الاستثنائية الأمريكية."

هذه الاستثنائية قد بحثت منذ فترة طويلة من الزمن من قبل الاشتراكيين الأمريكيين أمثال ليون سامسون ومايكل هارينغتون. وكان عدد من المحللين قد عزوا ضعف الوعي السياسي في الولايات المتحدة مقارنة باوربا الى الاختلاف في المشاعر الطبقية. ففي اوربا اعتاد الناس على مدى الف عام على الاختلافات الطبقية التي حوفظ عليها من خلال القانون.

فمنذ وقت ماركس وانجلس اتفق الاشتراكيون مع موقف توكوفيلي بأن الاختلافات الاجتماعية بين الطبقات ( دون الاختلافات الاقتصادية) كانت اضعف في أمريكا.ففي العالم القديم كان الناس منقسمين الى طبقات من قبل المجتمع. فالعمال كانوا يوجهون لتاييد احزاب العمال كرد فعل للانقسامات العميقة التي حصلت بعد زوال الاقطاع ، وعلى العكس في الولايات المتحدة كانت الطبقات استثناء وقد عمل الاشتراكيون على تشجيع العمال على التفكير بكونهم طبقة.

وقد كتب الاشتراكي ويرنر سومبارت عام 1906 في كتابه المشار اليه سابقا الآتي: " الولايات المتحدة هي بلد المساواة في الحرية الشخصية وامتلاك الفرص الاقتصادية التي لم توفرها أوربا. والأمريكي في علاقته مع الناس الاخرين والمؤسسات الاجتماعية وموقعه في المجتمع افضل مقارنة بأوربا."

فالمساواة في الحقوق في أمريكا ليست فكرة فارغة من المعنى أو أحلاما كما هو الحال بالنسبة للطبقة العاملة الأوربية. شعور العامل في الولايات المتحدة مختلف عن شعور العامل في بلد يبدأ الشخص باعتباره شخصا عندما يكون أولا بارونا أو عسكريا أو طبيبا.

وكما كتب سومبارت ، كان عدد من الاشتراكيين قد اعترفوا بأنه برغم ما نتج عن الرأسمالية من نمو عدم المساواة بين المواطنين وتنامي اصحاب الامتيازات بين الأثرياء فان دخل الفرد والفرص المتاحة أمام العاملين بأجر قد تحسنت كثيرا وارتفعت انتاجيتهم في وقت تنخفض فيه أسعار السلع الاستهلاكية.

وبالمقارنة فان حياة الناس في الأحياء الفقيرة من ضواحي نيويورك وهم الأفقر بين الأمريكيين ، الا انهم في وضع معيشي افضل مع أقرانهم في لندن ، وان الناس العاديين في أمريكا افضل لباسا من الأوربيين.

المقارنة في المستوى المعيشي ما تزال تناقش حتى اليوم. فالمعلومات الاحصائية عن برمنغهام وبيتسبرغ وبنسلفانيا في الفترة 1890 – 1913 تبين بان الفارق بين الأجور على طرفي الأطلسي هو الآن أقل مما سبق نشره من معلومات احصائية. لكن مايكل هارينغتون وضح بأن تلك الارقام تبين محاباة المواطن الامريكي الأبيض المولود في امريكا في الأجور على عكس العمال الأجانب أو الأمريكيين الملونين الذين يستلمون أجورا أدنى.

وعلى عكس العامل الأمريكي الملون والأجنبي فان العامل الأمريكي الأبيض يستطيع التقدم نحو الأعلى ويعيش حياة أفضل ، ولهذا السبب فانه يقاوم الاغراءات الاشتراكية أو التشجيع والترويج لها. ومع ان توزيع الثروة قد زاد من عدم المساواة ، لكن الاستهلاك والمستوى المعيشي لا ، فأولئك الأقل امتيازات هم افضل حالا من السابق.

لقد اشار كلا من ماركس وانجلس الى الفارق بين المجتمعين الأمريكي والأوربي ، فالأخير لم يتميز بالتنوع العنصري كما في المجتمع الأمريكي ، وذلك بسبب الرقم الهائل للمهاجرين اليها من مختلف ارجاء العالم. وقد أدى التمييز في المعاملة المختلفة تجاه الأمريكيين البيض على حساب المهاجرين الى قيام البرجوازية باستغلال الفوارق الاثنية لتحريض العمال بعضهم ضد البعض الآخر على حساب مصالحهم الطبقية.

وفي رسالة وجهها ماركس في 1870 الى صديق له في نيويورك بين فيها " بأن الطبقة العاملة الأمريكية منقسمة الى معسكرين متعاديين لبعضهما البعض , عمالا أصليين وعمالا أجانب ". واقترح على صديقه أن يقيم العمال من مختلف الأصول تحالفا بينهم".

وقد ابدى أنجلس نفس الملاحظة بعد عقدين من الزمن منذ ابدى ماركس ملاحظته تلك للصديق في نيويورك. ففي 1892 كتب لنفس الصديق ، قائلا : " مشكلاتكم الرئيسية تكمن حسب رأي في الموقع الذي يحتله العمال الأمريكيين البيض. فالأجور الواطئة تذهب للمغتربين الذين جزءا صغيرا منهم ينتمي للاتحادات العمالية الأرستقراطية."

وكان ريشارد هوفتادتر RICHARD HOFSTADTER قد كتب قائلا : "ان مآلنا كأمة هو أن لا تكون لنا أيديولوجية لكي نكون كلا واحدا بعيدا عن الاتحاد السوفييتي. البلدان الأخرى تعرف نفسها بكونها مجتمعات حرة قامت لا على الأيديولوجية بل على التاريخ المشترك." وكما حدد MICHAEL IGNATIEF " فان ما يميز الآمريكانية هي التقاليد والدين واللغة ، فهي أيديولوجية بنفس الطريقة كالشيوعية والفاشية والليبرالية".

وكما كتب LION SAMSON و HERMAN KEYSERLING في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي : " فان الأيديولوجية الأمريكانية قد انبثقت من الثورة ، ويمكن تلخيصها في خمس كلمات : اللاسلطوية ، دعه يعمل – دعه يمر ، توحد الشعب ، المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية والفرص الاقتصادية. الأمريكانية كما يعتبرها الأمريكيون كثيرة الشبه بما يعيشونه حاليا ، الديمقراطية والمجتمع اللاطبقي المضاد لاحتكار القلة."

ويقول الاشتراكي سامسون المعروف بأرائه الراديكالية : " عندما نتمعن في معنى الأمريكانية نكتشف بانها تعهد تماما مثل الاشتراكية للاشتراكيين ، هي ليست تقاليد أو منطقة كانكلترا للانكليز ، وفرنسا للفرنسيين. الأمريكانية تسعى لتذويب شخصية الفرد في المجتمع ، وحيث يرتبط الجميع بعلاقات ودية تضامنية ، وحيث تعزز الديمقراطية والليبرالية وتتعدد الخيارات للجميع ، وكما تعمل الاشتراكية لمصلحة الفرد فتوفر له العمل وتضمن له السعادة فان الأمريكانية التي تقوم بذلك كله فهي لذلك تعتبر بديلا للاشتراكية.
 

يتبع
 

 

 

free web counter