| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                           الأثنين  16 / 9 / 2013


 

دور كومونة باريس .. في اعادة كتابة فكر ماركس ..
(1)

علي الأسدي

يأتي مقالي هذا بمناسبة الذكرى المائة والثانية والثلاثون لكومونة باريس الخالدة على ضوء كتاب فلاديمير لينين "الدولة والثورة" الذي أدرج أدناه تقديمه للطبعة الأولى من الكتاب.

"كتبت هذا الكراس في أغسطس وسبتمبر سنة ١٩١٧. وقد وضعت منهاج الفصل التالي، السابع «خبرة ثورتي سنة ١٩٠٥ وسنة ١٩١٧ الروسيتين». ولكن لم يتسن لي أن أكتب من هذا الفصل أي سطر عدا العنوان، فقد «أعاقتني» الأزمة السياسية، عشية ثورة أكتوبر سنة ١٩١٧. و من شأن مثل هذه «العقبة» أن تدخل السرور فعلا الى قلب المرء. ولكني أعتقد أني سأرجئ لزمن طويل الجزء الثاني من هذا الكراس (الذي يتناول «خبرة ثورتي سنة ١٩٠٥ وسنة ١٩١٧ الروسيتين»)، إذ أن تطبيق «خبرة الثورة» أطيب وأجدى من الكتابة عنها."

المؤلف
بتروغراد
٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) سنة ١٩١٧

"الثورة هي بالتأكيد أكثر الأمور سلطوية؛ إنها الفعل الذي يفرض من خلاله قسم من الشعب مشيئته على القسم الآخر بواسطة البنادق و العصي و المدافع أي بوسائل سلطوية. و إذا أراد الطرف المنتصر أن لا يذهب قتاله سدى فعليه أن يحافظ على حكمه بأساليب ترهيبية بأسلحة تردع الرجعيين. أكانت كمونة باريس لتبقى ليوم واحد لو لم يستعمل الشعب المسلح هذه السلطة ضد البرجوازية؟ ألا يجب علينا على العكس أن نلومهم على عدم استعمالها بأكثر حرية؟ "

فريدريك أنجلس

لم يحدث أن تجاهل المؤرخون حدثا تاريخيا باهرا خلال المائة والثانية والثلاثين عاما الماضية مثلما تجاهلوا مآثر ثورة وثوار كومونة باريس عام 1871. محاولة طمس معالم ثورة كومونة باريس مازالت جارية لحد هذا اليوم ، لا لقلة أهميتها ، بل للخشية من تكرار مثالها ضد النظام الرأسمالي الذي يترنح تحت تأثير أزماته المتلاحقة.

قد تكون ثورة أكتوبر 1917 في روسيا الأطول عمرا الوحيدة التي حضيت بالاهتمام منذ قيامها لحد اليوم ، لكن ذلك الاهتمام لم يكن لكونها أطول عمرا وأعمق تأثيرا في التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أحدثتها خلال العقود الثمانية الماضية من تاريخها ، وأنما لأنها اعتمدت على تجربة ثورة كومونة باريس ذاتها.

ويعتبر فلاديمير لينين الى جانب كارل ماركس وفريدريك أنجلس أكثر من كتب عن تجربة ثورة كمونة باريس كمثال للاقتداء بها من قبل الثوريين في جميع بقاع العالم.

لكن التاريخ الذي كتب للثورتين الفشل ، لا يعني أبدا أن مبادئ الثورتين قد تلاشتا الى الأبد ، وأنهما غير صالحتين للحياة ، وان الرأسمالية التي أطاحت بهما تثبت أفضليتها وبأنها النظام الوحيد الجدير بالبقاء.

واذا كان ماركس قد توقع فشل ثورة الكومونة الباريسية لأسباب اعتبرها أساسية ، فلنين لم يضع في حسبانه فشل أو انهيار ثورة أكتوبر، ولو كان قد عاش عدة سنوات أطول فربما كان العالم غير هذا الذي نعيشه.

الاختلاف في النهايات الدرامية للثورتين أكتوبر وملحمة كومونة باريس هو أن الطبقة العاملة الروسية قد تخلت عن الاشتراكية للبرجوازية الطفيلية والبيروقراطية الفاسدة دون مقاومة. وما شجع الطبقة العاملة الروسية على الاستسلام هو اعتقادها الساذج ان حياتها ستكون أفضل في ظل الراسمالية ، بينما استبسل الكومونيون ببطولة نادرة في الدفاع عن نظام الكومونة.

كان للكومونيين ايمانهم الذي لم يتزعزع بأن النظام الكوموني جدير بالبقاء وأنهم على حق وقد صدقوا ، وبناء على هذه الحقيقة نالت كومونة باريس تاييد وحماس كارل ماركس وفريدريك انجلس وفلاديمير لينين بعدهم.

التضحيات الجسام التي قدمها جنود ثورة أكتوبر للاشتراكية إبان فترة قيامها وأثناء الدفاع عنها ضد الأعداء الداخليين والأجانب يصعب وصفها ، ولن يفي حقها لو كتب عن مآثرها كل كتاب الأدب والمؤرخون في العالم. لقد كانت وفق كل المعايير مأثرة تاريخية ينحني لها اجلالا واحتراما كل كادحي اليد والفكر في العالم.

لكن هناك حقائق لا يمكن التغاضي عنها أو التقليل من شأنها ، فالتغيرات العميقة التي تعرض لها الوعي الفكري والاقتصادي والنمط الاستهلاكي في العالم كان له تأثيره المباشر على موقف المجتمع الاشتراكي من تلك التغيرات.

فلم يعد ممكنا للمجتمعات في البلدان الاشتراكية الاستمرار في القبول بالمستوى الاستهلاكي الذي كانت تعيشه المقارب لمستوى أو أدنى من مستوى البلدان النامية في حين تتقدم روسيا على الولايات المتحدة في تقنية بناء سفن الفضاء. وهذا بالذات ما دفع نسبة كبيرة من المجتعات داخل البلدان الاشتراكية الى الانحياز لأول مبادرة للتغيير حتى لو قادتها مجموعات معادية للاشتراكية تأتمر بتعليمات وكالة الاستخبارات الأجنبية وخاصة السي آي أيه.

هذا عدا الأخطاء الجسيمة الكثيرة التي ارتكبتها السلطات البيروقراطية في الاتحاد السوفييتي في مجال الاقتصاد والتخطيط وسباق التسلح في العقود الثلاثة الأخيرة من حياة النظام الاشتراكي (الاتحاد السوفييتي بصورة أخص). تلك السلطات التي يعود اليها القسط الأكبر من المسئولية عن انهيار تجربة ثورة اكتوبر، قد تركت شروخا عميقة ما تزال حية في ذاكرة الجيل الحالي وستتناقلها الأجيال القادمة ، سواء هناك في الوطن الأم للاشتراكية أم في بقية العالم.

تلك الأخطاء التي كانت جسيمة في معظمها تشكل وستشكل عبئا ثقيلا على كاهل الحركات العمالية الثورية في مختلف البلدان، حيث ستواجه مصاعب جمة في كفاحها لكسب التأييد لصالح البرنامج الاشتراكي ، مما سيؤجل الى أمد طويل انتقال العالم الى الاشتراكية. ويبقى مستقبل أي ثورة بروليتارية في المستقبل حلما ورديا دون وجود حزب شيوعي منبثق عنها يقود ويمثل بحق الطبقة العاملة في نضالها من أجل الاشتراكية.



 

free web counter