| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الثلاثاء 16/3/ 2010

 

ملف الاشتراكية ما يزال مغلقا ... فمن يفتحه ...؟؟
(1)

علي ألأسدي - البصرة  

عشرون عاما مرت على احتفال العالم الرأسمالي والرجعية العالمية بوهم موت الاشتراكية ، وفي هذه الفترة أخذت الأطراف كافة استراحتها ، فالاشتراكيون السابقون من الدول الاشتراكية السابقة توقفوا عن الزعيق بعد أن خلت القاعات من المتلهفين لسماع هذيانهم. وتوقف الاشتراكيون الديمقراطيون عن تصديق أنفسهم بكونهم مكتشفو موزائيك نظام العدالة الاجتماعية في ظل قوانين السوق والديمقراطية ، بعد ان نفذ ما في جعبتهم من أوهام حول أعاجيب المنافسة ، ولم يعد بامكانهم إحداث الصخب الذي برعوا به في ثمانينيات القرن الماضي عن أخطاء الاشتراكية وجرائم الأحزاب الشيوعية وكوارث اللنينية والستالينية. وخمدت أصوات مبتكري الماركسية التجديدية والتفكيكية ، وتفرق مروجوها كل إلى كهفه ، بعد أن ايقنوا متوهمين أن " المهمة انجزت " فعاودوا نومهم الأبدي. أما أعداء الشيوعية الآخرون فيمرحون سعداء بحياتهم في جنان الجشع الرأسمالي وواحات الريع النفطي. أولئك الذين استمرئوا الكسل والتسيب والتفلسف فلا حساب أو ضوابط على هراء ما يكتبون أو يدعون ، " فالجنون فنون " في كل العصور والأزمان. بالنسبة لهم لا يوجد صراع بين الرأسمال والعمل أو بين الطبقات البرجوازية والعاملة أو بين الدول الامبريالية والبلدان الفقيرة ، فلا معنى للخوف والهلع من الاستغلال والأزمات والبطالة والفقر والجوع. وحسنا فعلوا أن تنحوا جانبا فاستراحوا وأراحوا وتركونا نستعيد أنفاسنا ، فنحن الذين لم ننخدع بالأوهام ، لأننا نعيش الواقع ونتنفسه هواء فاسدا نتنا، ولا نجد له علاجا إلا بالعمل لاعادة بناء الاشتراكية ، فمهمة إعادة البناء ليست أصعب وأكثر تعقيدا من المهمة التي بدأها الشيوعيون الروس بقيادة لينين وستالين مهندسا أول دولة اشتراكية في التاريخ الحديث.

أعتقد أن الأوان قد حان لفتح كتاب التاريخ من جديد ، لدراسة واستذكار مآثر النظام الاشتراكي ، منذ عهد لينين والدولة الاشتراكية الأولى ، مرورا بالدول الاشتراكية التي نهضت من بين ركام الحرب العالمية الثانية وما بعدها. فالحقبة التاريخية تلك مجيدة وثرية بالدروس التي جسدت الجهد الحقيقي الذي بذلته الاحزاب الشيوعية والعمالية لتحريرالطبقة العاملة من العبودية نفسيا وعمليا ، ووضعها في مركز قيادة الدولة والمجتمع. وبذلك أصبحت قوى العمال وحلفائهم من صغار المزارعين وفئات رجال الفكر والقلم هي السلطة الفعلية في البلد الاشتراكي ، ففي أيديها وتحت تصرفها وضعت الثروة والناتج القومي ، وهي من خطط استخداماتهما ، للاستهلاك والاستثمار والتصدير. وبناء على ذلك تم توزيع الدخول على مختلف فئات المجتمع الاشتراكي وفق منظور هيئات التخطيط الاقتصادي التي استخدمت كما هائلا من الموازنات المالية والاقتصادية للتوفيق بين الحاجات المستقبلية للشعب وبين حاجاته الحياتية اليومية ، وبناء عليه وزع الدخل القومي للبلاد على أبعاد قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. ويخطأ من يدعي أن القائمين على تلك الموازنات قد أدوا مهمتهم بنجاح دون الوقوع بالأخطاء ، أو اعتمدوا على حسابات غير واقعية ، لقد وقعوا فعلا بتلك الأخطاء ، لكن التجربة والخطأ قد أثرت نظام التخطيط نفسه ، وأصبح للقائمين عليه الخبرة والدروس لرسم وتنفيذ سياسات أكثر واقعية وجدوى اقتصادية.

كانت الاشتراكية التي وضع اللينينيون أسسها ونظامها وهياكلها التنظيمية وبوصلتها الفكرية حقيقة ، والجيش الأحمر الذي أعادوا بناؤه وتسليحه ليكون واحدا من اقوى الجيوش في العالم كان حقيقة هو الآخر، والنظام السوفيتي الذي شيدوه في ظروف الحرب والحصار الرأسمالي كان هو الآخرحقيقة وليس أسطورة ، برغم أن كتاب الرواية الذين كتبوا عن إنجازات المجتمعات الاشتراكية في تلك الظروف قد اعتبروها من الأساطيرغيرالقابلة للتصديق لمن لم يعشها أو يمرعليها. إن العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل في الاشتراكية كانت حقيقة ، ومساواة المرأة بالرجل وتمتعها بكافة حقوقها الانسانية دون تمييز كانت حقيقة أيضا ،هذا في وقت كانت المرأة في ظل الرأسمالية في ذلك الحين نصف إنسان و نصف عبد. فلم تخض غمار السياسة في الولايات المتحدة إلا في الثلاثينيات من القرن الماضي ، وما تزال تواجه التمييز في التوظف في الكثير من دول العالم الرأسمالية ، فأجور المرأة في الولايات المتحدة حاليا تقل بنسبة 40 % عن عمل مساو تماما لما يؤديه زميلها الرجل. أما فرص العمل فكانت مضمونة لكل من هم في سن العمل رجالا أو نساء ، ولم يعاني المجتمع الاشتراكي من بطالة عامة أو هيكلية ، وكان لطلبة الجامعات حرية التعاقد مع المؤسسات الاقتصادية التي يودون العمل فيها بعد تخرجهم ، ويحصلوا بموجب تلك العقود على زمالة دراسية تتكفل المؤسسة المعنية المتعاقد معها بدفع راتب خلال أعوام الدراسة.

لكن الحقيقة التي لم تدركها الطبقة العاملة في الدول الاشتراكية هي الأوهام البرجوازية الصغيرة التي كانت الاستخبارات الغربية تبثها وتغذيها داخل المجتمعات الاشتراكية ليل نهار خلال العقود السبعة من عمر الاشتراكية. لقد كان فعل الأوهام البرجوازية في المثقفين والأجيال الشابة عبر الدعاية المكثفة لوسائل الاعلام الغربية فعل الأفيون في أدمغة المدمنين على المخدرات ، وفعل غسيل العقول الذي تمارسه القوى الظلامية التكفيرية في ضعاف النفوس والجهلة من الشباب لدفعهم للتضحية بحياتهم طمعا بسبعين حورية تنتظرهم لتستقبلهم بالأحضان في جنة موهومة.

لقد شكلت أجيال أولئك المدمنين مع مرور السنين قوة التمرد الرئيسية ، انجذبت إليها بوعي أو دون وعي فئات من القوى العاملة في الصناعة والزراعة والخدمات ، لتشكل قوة صاعدة مضادة للاشتراكية نمت باضطراد. حيث غذت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة روح التمرد في كافة البلدان الاشتراكية ، في نفس الوقت كانت أجهزتها الاستخباراتية المتخصصة تصطاد الناقمين على الوضع القائم وتدفعهم أبعد ما أمكن في طريق المغامرة وإحداث الاضطرابات. ومن جانب آخر تقوم الاستخبارات الغربية برعاية شخصيات قيادية في الأحزاب الشيوعية والعمالية والمنظمات الشبابية لتهيئتها للحظات الحاسمة من إضرابات عمالية أو تظاهرات طلابية وشبابية. فكان لها عدد منهم في بولندة والمجر وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي نفسه ، كان أبرزهم وأخطرهم ميخائيل كورباتشوف والدمية البولندي ليخش فاليسيا  وغيرهم. لقد ألقت الدول الغربية بكورباتشوف وأمثاله في مزبلة المنبوذين بعد أن استنفذت أغراضها منهم ، قبل أن تكتشفهم شعوبهم وتقذف بهم هي الأخرى في زوايا النسيان ، وتدون أسمائهم في سجل السياسيين المبتذلين الذين خدموا الدول الأجنبية على حساب مصالح بلادهم الوطنية وكرامة شعوبهم.

فها هو السيد ميخائيل كورباتشوف وقد تحول من قائد أعظم وأقوى دولة في التاريخ الحديث إلى مروج دعائي لبعض المنتجات الاستهلاكية لصالح بعض الشركات التجارية على القنوات الفضائية. لقد اختار بارادته وتصميمه تدمير الحزب الشيوعي لأنه كان مدركا تماما أن ذلك الحزب هو العمود الفقري للنظام الاشتراكي والدولة السوفيتية ، وكما نقل عنه رئيس الوزراء في عهده السيد ريجكوف في آخر مقابلة له بتاريخ 22 / 2 من هذا العام مع قناة روسيا اليوم الفضائية ، أن كورباتشوف كان يطمح منذ شبابه لتحطيم الحزب الشيوعي السوفيتي والاشتراكية.

لقد قدم كورباتشوف خدمة عظيمة لم يحلم بها كل قادة المعسكر الرأسمالي ، ولم تكن ممكنة حتى لو خاضوا الحرب العالمية الثالثة من أجلها. خدمة مجانية على طبق من ذهب لم يحصد لبلاده من ورائها غير المهانة والاذلال ، بينما تصدر هو قائمة أسوء خونة الحزب الشيوعي والاشتراكية.

في الجزء التالي من هذا المقال سنسهب في الحديث عن كورباتشوف نفسه من خلال أقواله هو وما صرح به رئيس وزرائه السيد نيقولاي ريجكوف في الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي.


يتبع ...

 

 

free web counter