| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأثنين 15/2/ 2010

 

الأحزاب الدينية الحاكمة... و خيارات الناخب العراقي ..؛؛

علي ألأسدي - البصرة  

"
لا دين في السياسة ولا سياسة في الدينالشيخ محمد عبده

لمن لم يختلط ببسطاء المواطنين الطيبين ، ولم يتعرف عن قرب على خلفية وأهلية الوزراء ورؤساء مجالس المحافظات المنتمي أغلبهم لأحزاب دينية ،لا يستطيع التصديق بحقيقة ما يجري في بلاد الرافدين. فحكومة الوحدة الوطنية التي يتحدث عنها البعض ليست في حقيقة الأمر أسلوبا تقليديا في السياسة العراقية اليوم ، بل شكلا من اشكال التقمص المنافق يتطابق تماما مع المثل الشعبي " كلمة حق يراد بها باطل ". فما يطلق عليه حكومة هو مجموعة الأحزاب الدينية الحاكمة ، وبعضها مليشيات فوضوية مسلحة ، شاءت الصدفة التاريخية أن تتربع على الحكم من دون تجربة أو فكر أو أهلية أو برامج تنموية شاملة متنوعة المسارات ، لمحاكاة التقدم العالمي في حقوق المواطن وقيم الحياة الثقافية والفنية والروحية المتجددة. حكومة الوحدة الوطنية المهيمن عليها من قبل الأحزاب الطائفية ، ولدت كسيحة وازدادت عللها مع تعقد المناخ السياسي ، ولا مخرج للعراق مما هو فيه من كوارث لا حصر لها ، غير أن يقذف الناخبون العراقيون بها إلى أي مكان بعيد عن الذاكرة والحياة الحاضرة. وما يريده الشعب اليوم هو التغيير، برامج عمل جديدة طموحة ، نبذ الأوهام غير القابلة للتنفيذ ، أو انتظار فرج لن يأتي دون إرادة وعمل حقيقي من أجل إقامة حكومة تعتمد على الكفاءات وأصحاب الخبرة ، تكون لها القوة والصلاحية للبحث في افضل السبل لحل مشاكل البطالة والفقر والجهل والأمية ، ورفع الحيف والظلم عن المرأة وزجها في العمل والبناء من أجل عراق مزدهر محب للعدل والحرية والسلام.

أحزاب الدعوة والمجلس الاسلامي والتيار الصدري وحزب الفضيلة وأحزابا أخرى متفرعة من هذا أو ذاك من الأحزاب ، هي من بيدها السلطة والثروة والدين وأرواح أكثر من ثلاثين مليونا من الناس. منذ سبعة أعوام تعبث هذه الاحزاب ومازالت تعبث بتفاصيل حياتهم وتعتاش على معاناتهم وكدحهم ، حقيقة يصعب تصديقها لكنها واقع ، وما يجري في العراق اليوم هو عملية اختناق مستمرة بدون توقف منذ الاحتلال ولحد اليوم ، ولا خلاص للشعب إلا بإعادة الدين إلى المسجد حيث كان ، فهناك ملتقى الباحثين عن التوبة والخلود في الجنة ، وبفضل ذلك يحترم الدين وتعاد له هيبته واحترامه ويقدس الراسخون في علومه دون مبالغة أو تزييف.

لقد فشلت تلك الأحزاب في السياسة ، ومن الطبيعي أن يقلق قادتها على مستقبل وجودهم في السلطة التي احتكروها ، ويأملون البقاء فيها لأجل غير مسمى. وكأطفال الحي عندما يغضب بعضهم على بعض ينشرون عنه الاشاعات للاساءة إليه والحط من قدره ، لكنهم كما الأطفال في كل مكان يتصالحون بسرعة ويتناسون ما حدث من أجل استمرار لعبهم وألاعيبهم. في الحياة السياسية العراقية لنا أمثلة كثيرة على هذه الشاكلة. فالأحزاب الدينية تحاول هي الأخرى أن ترمي بالمسئولية عن الكارثة العراقية الراهنة على حزب الدعوة وزعيمه السيد نوري المالكي ، وكأنه صاحب العصا السحرية التي لم يستخدمها في حل الأزمات الكثيرة متناسين أنهم طرف مهم في مجلس النواب والحكومة ويتقاسمون المناصب والمسئوليات على كل المستويات ، ومن الطبيعي أن يتقاسمون الاخفاقات في أي مجال من مجالات السياسة والاقتصاد. إنهم يتحملون المسئولية الكاملة إلى جانب حزب الدعوة عن الفشل الذريع في مجال إعادة بناء الشبكة الكهربائية ، وزيادة انتاج الطاقة الكهربائية ، وتحسين إدارة الخدمات البلدية.

إن ملف الخدمات البلدية يعكس صورا مأساوية عن تقصير وتجاهل المسئولين عنها لا تصدق. وما أكوام القمامة التي تنتشر في الشوارع والأحياء في كافة أنحاء العراق ، إلا مثالا واحدا على الفشل. فليس من المعقول أن لا يجد المسئولون من يرفعها ليخلص الناس من آثارها على صحة الأطفال والشيوخ ، ولا يعرف لماذا توقفت السلطات البلدية عن القيام بواجباتها ، كما كانت تفعل منذ عشرات السنين. ففي محافظة بغداد مثالا يتقاسم المسئوليات فيها أهم حزبين دينيين في الحكومة ، فمحافظ العاصمة من حزب المجلس الأعلى ، بينما رئيس مجلس محافظة العاصمة من حزب الدعوة ، لكنهما أظهرا فشلا ذريعا في الأداء مما أضر بموقع الحزبين بين الناس. تحت تصرف هذين المسئولين مئات المليارات من الدنانيرسنويا كميزانية للانفاق على الخدمات ، لكنهما رغم ذلك عاجزان عن السيرعلى خطوات بلدياتنا قبل ستة أو سبعة عقود من الزمن. في ذلك الزمن كانت ميزانية بلدية بغداد لا تصل إلى عشر ميزانية حي صغير من أحياء بغداد الحالية ، لكن العاصمة كانت وقتها تتباهى بنظافتها مع أرقى عواصم الدنيا. لم يحدث مثيلا لهذا الوضع حتى إبان الحكم العثماني المتخلف ، ولم يحدث مثيلا لها في ظل أي حكومة عراقية منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي. إن الاخفاق في هذه الخدمة البلدية ، وهي الأبسط من كل مهام المحافظين ، تعبرعن مدى جهل وتخلف وعدم أهلية المسئولين في الدولة على كل المستويات ، ولا يمكن استثناء رئيس الدولة ورئيس الحكومة العراقية من هذا التقصير.

العراق اليوم أغنى من قبل بكثير، وأعداد متعلميه ومثقفيه أضعاف ما كان له في خلال القرن الماضي كله ، ووسائل النظافة ومعدات نقل القمامة والتخلص منها أو الاستفادة منها هي الأكثر تقدما منذ قرون. لا يمكن تبرير السكوت عن ذلك بقلة الموارد المالية ، فلنا منها الكثير بفضل النفط ، كما لنا من الموارد البشرية العاطلة عن العمل ما يكفي لتنظيف العراق كله ، ولا نجد من الأسباب ما يبرر هذا التهاون في نظافة مدننا وأحيائنا. فأين يكمن الخلل ، ومن المسئول عنه ، هل هو الحزب ، أم المحافظ ، أم رئيس الوزراء ، أم جميعهم ؟

الخلل في اعتقادنا يكمن في عقلية القائمين على هذا الحزب الديني أو ذاك ، فقد كانت لنا تجربة مع رئيس وزراء أسبق هو السيد الجعفري زعيم حزب الدعوة قبل تشظيه ، فالرجل يصلح لحديث ما قبل الافطار في رمضان لا اكثر ، وما نتوقعه من السيد الحكيم لا يقل او يزيد عن قراءة المقتل ايام عاشوراء. أما في حالة السيد مقتدى ، زعيم التيارالصدري ، وجيش المهدي ، وحركة الممهدون ، وألوية اليوم الموعود وعصائب أهل الحق وغيرها ، تعفيه من التفرغ والتفكير والالمام في السياسة ، وفهم قانونها الصارم كونها " فن الممكن " ، ما يعني أنها تعتمد كثيرا على المساومة في المواقف ، واعتماد المكر والتلاعب بالألفاظ ، وهو ما لا يحتمله عقل طالب ما يزال يبحث ويتعلم. وإلى نفس نمط التفكير تنتمي أجنحة حزب الدعوة والفضيلة التي ترعرعت في المسجد وحوله ومن العقلانية العودة إليه عاجلا لا آجلا..

أمام كل هذا التقصير الذي تناسل ليكون كارثة وطنية كبرى ، ربما تفوق بآثارها الحضارية كارثة هايتي الأخيرة ،لا نستبعد أبدا أن يعاقب العراقيون الأحزاب الدينية الحاكمة ، فيطيح بها جميعا ، لتخلفها في استيعاب الاصلاح والتطور الحضاري الضروري للحياة الانسانية ، ولإساءة استخدامها لموارد البلاد والعبث بمقدراته. المنتظر من الناخبين أن يركلوا هذا النمط من التفكير غير القابل على التطور والتغيير ، ويختاروا بدلا عنه فكر الناس الذين يحترمون طموحاته ويعيشون معاناته. إن كل الأمل مرهون بقرارات الناخبين ، وإليهم تتوجه أنظار العالم أجمع في السابع من آذار القادم. لكن الخطر الداهم هو عمليات تزييف إرادة الناخبين ، وهو ما نتوقع حدوثه ، لأنه الوسيلة الوحيدة والأخيرة لبقاء الأحزاب الدينية في السلطة ، وهي المتوجسة خوفا من أجيال الوطنين الذين يمثلون النزاهة ونقاوة النوايا ، الساعين من أجل التطور والتقدم الثقافي والعلمي والاقتصادي الكفيل بتحقيق طموحات شعبنا في حياة معيشية كريمة يستحقها بجدارة.

إنها كارثة حضارية سادتنا الأفاضل قادة الأحزاب فيما لو سمحتم بالتزوير ، حيث لا تكفي مياه المحيطات للتطهر من نجاسته وآثاره على مستقبل العراق ، دعوا إرادة الشعب تأخذ طريقها ، وبذلك وحده تكسبون رضا واحترام الجماهيرالعراقية.

 


15/ 2 / 2010




 

free web counter