| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                           السبت 15/12/ 2012

 

لماذا رفض الفلسطينيون .. القرار الدولي رقم 181...؟؟
(1)

علي ألأسدي

في يوم صدور قرار الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر\ تشرين الثاني الماضي بمنح فلسطين صفة مراقب ، كتب في موقعه الألكتروني أوردي أفنيري ، وهو أحد الضباط السابقين الذين شاركوا في حرب تحرير الأراضي الفلسطينية من سكانها تمهيدا لاقامة دولة اسرائيل ، تلك الحرب التي يعتبرها حربا من أجل الاستقلال ، كتب الكلمات التالية :

"هذا هو يوم فرحة. فرحة للشعب الفلسطيني. فرحة لكل الذين يأملون أن يحل السلام يوماً بين دولة اسرائيل والعالم العربي. وبكل تواضعٍ أقول: هذه هي فرحتي الشخصية أيضا."

ومع أني لم اجد في قوله أي شيئ من التواضع ، لكنه لو كان متواضعا حقا لاعتذر من اولئك الذين اجبرهم على مغادرة بيوتهم ووطنهم ، والى الضحايا الذين سحقتهم دبابات المناضلين من اجل الاستقلال في دير ياسين وتترا ، والى أولئك الأحياء الذين طردهم من وطنهم الى المجهول ويعيشون الآن أغرابا لاجئين في أنحاء الدنيا ، يأكلون ويشربون حسرتهم على وطن لا يستطيعون حتى تقبيل ترابه.

فهل يفعل بطل الاستقلال ذلك .. ويعتذر عما اقترفه بحقهم ..؟؟

و يكتب الضابط الاسرائيلي ايضأ قائلا : "في خضم معارك حرب عام 1948، الحرب التي بدأها الفلسطينيون على أثر قرار التقسيم ، توصّلتُ إلى القناعة أن هناك شعباً فلسطينيّاً وأن إقامة دولة فلسطينية هو شرطٌ مسبقٌ للسلام".

ماذا يمكن أن يقول قارئ تلك الكلمات عندما يعرف أن كاتبها شارك بفخر في حرب العصابات ضد الفلسطينيين لطردهم من وطنهم ويعتبرها حربا من اجل الاستقلال. الضابط الاسرائيلي هذا لم يشعر بالحرج عندما يقول أنه اقتنع أخيرا بأن هناك شعبا فلسطسنينا في مكان ما في الجوار ، وهو يعرف أن الشعب الذي اقتنع الآن بوجوده يتعرض منذ سبعة وثمانين عاما لحرب ابادة يخوضها أمثاله من العسكريين الاسرائيليين. ومنذعام 1925 يتعرض الفلسطينيين داخل اسرائيل وفي الضفة الغربية وغزة الى القتل والاذلال اليومي والتهجير وسرقة الأراضي وتدمير البيوت والممتلكات الفلسطينية. ياله من اكتشاف هائل ، اكتشاف قد يستحق عليه احدى جوائز نوبل للقتلة بدم بارد ، ولا غرابة فقد منحت الجائزة قبله لبطل حرب الاستقلال اسحاق رابين.

وليس ذلك فحسب ، فان بطل حرب الاستقلال ذاك يكذب علينا بادعائه بأن حرب عام 1948 قد بدأها الفلسطينيون على اثر قرار التقسيم.

أهناك تزييف للحقائق التاريخية أكثر من ذلك..؟

ان حرب الاستقلال المزعوم لم تبدأ عام 1948، ولم يبدءها الفلسطينيون ، بل بدءتها عصابات المستوطنين الصهاينة منذ عام 1925، عندما بدأت موجات المهاجرين اليهود الأجانب بالدخول الى فلسطين للاستيطان فيها على حساب سكانها الشرعيين. ولقد بدأت تلك الحرب الاستعمارية بناء على تخطيط مسبق من قبل الصهويونية العالمية التي شكلت لهذا الهدف منظمات ارهابية يهودية مسلحة قامت منذ ذلك التاريخ ( 1925) وليس من عام 1948 بتنظيم عمليات اعتداء على السكان العرب وارهابهم ليتركوا بيوتهم وأراضيهم.

وعندما اكتشف الفلسطينيون التواطؤ البريطاني مع الاستيطان ثاروا احتجاجا على ذلك وطالبوهم بوقف الهجرة الى فلسطين ، لكن البريطانيين بدلا من ذلك اعتقلوا قادة الاحتجاجات ونفوهم الى خارج البلاد ايغالا في ارهاب الفلسطينيين وتنفيذا للسياسة البريطانية الموالية للصهيونية.

فالحرب اذن لم يبدءها الفلسطينيون ، بل عصابات المستوطنين الذين دربتهم الحركة الصهيونية لخوض العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين لاستعمار فلسطين وطرد سكانها منها. وهانذا أذكر بطل الاستقلال ببعض الحقائق التاريخية التي يجهلها ربما. لكني قبل أن أفعل أطلب منه أن يقول لنا عن أي فلسطين يناضل ، أهي فلسطين اليوم التي هي في طريقها للتجزءة الى كانتونات لا تكاد ترى بالعين المجردة على خريطة العالم ، أم فلسطين الفلسطينيين التي ابتلعت دولته اكثر من 80 % منها ..؟

أيعرف بطل الاستقلال المزعوم أنه مع بداية الوصاية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية كانت نسبة اليهود من مجموع السكان في فلسطين 5،8% خمسة بالمائة وثمانية أعشار الواحد. لكن التزايد المستمر بكثافة لعدد المهاجرين اليهود من اوربا رفع نسبتهم الى حوالي ثلث مجموع السكان ، وذلك تهيئة لفبركة قرار التقسيم الذي يعرفون ويعلمون بصدوره في عام 1947. ورغم أن عدد اليهود أقل كثيرا من عدد السكان الفلسطينيين فقد جاء القرار الأممي رقم 181 في 29 نوفمبر\ تشرين الثاني لعام 1947 في صالح الأقلية اليهودية على حساب الأكثرية الفلسطينية ، وهذا ما دفع الفلسطينيين لرفض القرار.

فكيف حصل ذلك ..؟

لقد منح القرار اسرائيل 56 % من مساحة فلسطين التي ضمت أفضل الأراضي فيها ، وكان واضحا أن القرار قد آخذ في الاعتبار المناطق المفضلة من جانب الصهاينة لتكون جزء من دولة اسرائيل. فمنذ بدء نشاطات الحركة الصهيونية في فلسطين في عشرينيات القرن الماضي بدأت بنفس الوقت كشفا جيولوجيا شاملا لكل فلسطين ، وأعدت بذلك خرائط مفصلة أشرت فيها على الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة ، وأدق التفاصيل عن مصادر المياه والمنافذ الحدودية الحالية والمستقبلية بما يمنحها الهيمنة على المياه العذبة ، وأن تكون مهيمنة أيضا بصورة كاملة على الموانئ والشواطئ البحرية الفلسطينية والجرف القاري.

لقد تضمن الكشف الذي أجرته المنظمة الصهيونية حتى عدد الأشجار واصنافها والمواقع السكنية الأفضل ، كما حددوا أي القرى والمدن التي سيطرد منها الفلسطينيين لتكون جزء من اسرائيل. وكذلك المناطق الحضرية الأكثر عمرانا ، كما اختاروا أفضل 400 قرية من مجموع الف قرية مملوكة للفلسطينيين تقع في أفضل المناطق جغرافيا اضافة الى انها الاكثر خصوبة. وقد تم طرد أصحابها منها بالفعل في عمليات عسكرية قبل صدور القرار الدولي وبناء على الخريطة الصهيونية المفصلة أعلاه صيغ واتخذ القرار رقم 181 لسنة 1947.

ومنذ صدور القرار رقم 181 في 29 نوفمبر\ تشرين ثاني عام 1947 وحتى 14 أيار \ مايو عام 1948 ليلة اعلان الدولة الاسرائيلية كثفت الحركة المسلحة لليهود من الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية ، وفي 9\4\1948 قبل 33 يوما من وضع قرار التقسيم موضع التنفيذ تم طرد 250 ألف فلسطيني من مساكنهم .

لقد تم ذلك قبل أن يدخل أي جندي عربي الى فلسطين لانقاذ الفلسطينيين والذين لم يغيروا من الواقع الذي فرضته الصهيونية شيئا حتى بعد دخول الجيوش العربية فلسطين ، لأن الجيوش التي أرسلت لمحاربة اسرائيل لم تكن لها أوامر بالمشاركة في الحرب بسبب تواطؤ دولهم مع سادتهم الانكليز. أغلب الحكومات العربية كانت تابعة وليست حرة ، وهي لذلك كانت مشاركة في مؤامرة تقسيم فلسطين بأمر من سادتهم الانكليز. الجيش العراقي الذي كانت له عدة آلاف من الجنود أمرته حكومته بعدم مهاجمة اسرائيل ، بل فقط حماية الضفة الغربية المحاذية للاردن المرتبطة بها.

لكن الجيش العراقي تجاهل الأوامر الصادرة له وشارك في الحرب ، وقد تمكن من انقاذ 15 قرية في وادي عارة من سيطرة اسرائيل عليها ، وقد استمرت تلك القرى تحت سيطرته حتى عام 1949. لكن عبد الكريم قاسم لم يعي ربما أن حكومته لا حول لها ولا قوة ، وانها مجبرة على قبول قرار التقسيم وان اعلنت انها لم توافق عليه ، وان ارسال وحدات عسكرية الى فلسطين كان فقط استجابة لضغط الجماهير وللظهور بمظهر المدافع عن الحق العربي الفلسطيني.

وهو ما أثبته الواقع بعد شهور من بداية الحرب عندما قررت الأردن التخلي طواعية عن الضفة الغربية الى اسرائيل ، قيل فيما بعد أنه تم بموجب اتفاق ثنائي بينهما ، ولا علم لي بالاتفاقات الثنائية الأخرى بين دول عربية واسرائيل. المهم في الأمر أن للعراق ما يفتخر به أمام شعبه وشعب فلسطين. لقد انسحبت القوات العراقية من فلسطين الى الوطن وكأن شيئا لم يكن. الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم كان قائد العمليات العسكرية حينها في فلسطين ، وقد استشهد على أيدي البعثيين من عملاء أل سي أي أي الذين كانوا وراء انقلاب عام 1963. لا يعرف اذا كان مقتل عبد الكريم قاسم هو الثمن الذي دفعه مقابل تحرير القرى الخمسة عشر من أيدي القوات الاسرائيلية.

وبناء على ما ذكر أعلاه هل كان رفض قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947من قبل الفلسطينيين والدول العربية صحيحا أم خاطئاً..؟

لقد رفض العرب الفلسطينيون قرار التقسيم رقم 181 ، كما رفضه الاسرائيليون ايضا ، لكن شتان بين الرفضين ، فاسرائيل كانت لها شروطها للموافقة سنعرفها بعد قليل. لقد رفضوا القرار لكنهم رقصوا طربا ، لقد اعتبروه نصرا عظيما للحركة الصهيونية ، وهو بالفعل انتصارا عظيما ، لكنه بنفس الوقت جريمة عظيمة بفظاعتها بحق أمن واستقرار ووحدة دولة وشعب فلسطين.

لكن لنرى لماذا لم يكن رفض القرار خاطأ..؟

رفض العرب الفلسطينيون للقرار كان بسبب الغبن الذي عوملوا فيه وهم أصحاب الأرض الشرعيون. فقد أكتشفوا منذ اللحظة التي تم فيها تداول القرار في دواليز الأمم المتحدة أن القرار في صالح اسرائيل وعلى حسابهم. ويمكن تلخيص ما عناه الغبن من وجهة النظر العربية. وهي :

أولا : لقد جعل القرار الأراضي الأفضل نوعية ضمن القسم المفترض أن يكون الدولة الاسرائيلية. وهذا تم بالتواطؤ بين الحركة الصهيونية و الأمريكان والانكليز على صيغته بكل تفاصيالها.

ثانيا : التوزيع الجغرافي للمناطق التي ستشملها الدولة الفلسطينية كان مجحفا ولا يمكن أن يقبل به العرب الفلسطينيون. فالقرار كان واضحا في محاباته للصهاينة بجعل الدولة الفلسطينية المقترحة شبه جزيرة محاطة بكيان الدولة اليهودية العدوة.

ثالثا : أن قرار التقسيم المقترح قد وضع الأساس لمشاكل صعبة الحل مع اسرائيل أمام الدولة الفلسطينية الجديدة التي ستقام بناء عليه.

رابعا : وضع القرار قطاعا الضفة الغربية وغزة تحت ادارة الأمم المتحدة لا ضمن دولة فلسطينية موحدة دون أن يعطي تفسيرا لذلك القرار، مما برر تصاعد المخاوف حول عائدية القطاعين مستقبلا. وقد أكدت تلك المخاوف واقعيتها لاحقا عندما ضمت الضفة الغربية للأردن وغزة لمصر.

خامسا : جعل قطاع غزة كمنطقة جغرافية معزولة تماما عن الدولة الفلسطينية المقترحة.

سادسا : اقتناع الفلسطينيين والعرب عموما بأن الأمم المتحدة قد أخذت بوجهة النظر الاسرائيلية عند صياغة القرار رقم 181 ، وانها قد اعتمدت الخريطة المفصلة التي وضعتها اسرائيل لفلسطين والتي تنوي تنفيذها على الأرض. تلك الخريطة التي خططت الى المستحيل لاقامة دولة فلسطينية موحدة جغرافيا وشعبيا واقتصاديا وسياسيا. فكيف يمكن لأي مواطن حر فلسطينيا كان أم عربيا أو حتى أجنبيا أن يوافق على ذلك..؟

مراجع المقال التاريخية سأدرجها نهاية الجزء الثاني والأخير لذا اقتضى التنويه.
 

 يتبع




 

 

free web counter