| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الثلاثاء 15/9/ 2009

 

وأخيرا تكلم أبو داود....؛؛

علي ألأسدي - البصرة

عقد المجلس النيابي العراقي جلسته المخصصة لمناقشة الميزانية التكميلية للعام الحالي ، كجزء من أعمال المجلس في دورته التشريعية الأخيرة قبل حله في موعد لاحق نهاية هذا العام. وقد أثيرت في الجلسة عدة موضوعات في غاية الأهمية ، لم تأخذها وزارة المالية بالاعتبار عند مباشرتها إعداد الميزانية السنوية لعام 2009. إن مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا يرتبط مباشرة بالكيفية التي تستخدم فيها موارد البلاد الاقتصادية والبشرية ، ولأن الموارد المالية وسيلة الدولة لتحقيق ما تصبو إليه من أهداف فلابد أن تستخدم تلك الموارد لتحقيق أقصى المنافع للمجتمع بأقل تكلفة ممكنة. وانطلاقا من هذه القاعدة الاقتصادية ينبغي على وزارة المالية على وجه التخصيص ، والحكومة الاتحادية بوجه عام أن تأخذ بعين الاهتمام ضرورة أن يسبق إعداد الميزانية المالية للدولة دراسة شاملة وتفصيلية للنفقات التي ستضطلع بها خلال السنة المالية على أن تتم وفق جدول للأولويات تكون قد وضعته بناء على دراسات مسبقة بهذا الشأن. وبناء على جدول الأولويات هذا ترصد التخصيصات المالية التي يراعى فيها أسبقية الأهم من الأهداف على المهم منها. ولأن تخطيط الميزانية سواء تم بناءا على الموارد المتوقعة ، أو بناء على النفقات المتوقعة يجب أن يسبق بالضرورة عملية إعدادها ، فلابد أن تكون لوزارة المالية آلياتها المعتمدة التي تمكنها من حساب الموارد المالية التي ستكون متاحة في وقت ما من العام حين الاعداد ، أو التي يمكن إتاحتها في وقت لاحق خلال تنفيذها كما هو الحال في الميزانية التكميلية الحالية.

لقد تطرق السيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في مداخلته المهمة في تلك الجلسة لعدة مواضيع بالغة الأهمية تخص عملية إعداد الميزانية المالية للدولة ، ومعضلات البطالة وزيادات الرواتب ، وتشغيل المشاريع الصناعية المعطلة ، ودور الدولة في دعم الزراعة في الظروف الصعبة السائدة ، نتطرق لها بإيجاز كما وردت في سياقها خلال مداخلته.

1 – واقعية تخمينات وزارة المالية لمواردها المالية : حول هذه الفقرة بيّن أن عدم واقعية الميزانية التكميلية المطروحة للنقاش حاليا والتي فرضت الضرورة إعدادها قد جاء كنتيجة لعدم واقعية الميزانية العامة لسنة 2009 التي أعدتها الوزارة في حينها. فقد أعدت الميزانية العامة دون أن تؤخذ بالحسبان التغيرات الحاصلة في أسعار النفط العالمية حينذاك ، كما لم تؤخذ بعين الاهتمام القدرات الفعلية لانتاج النفط العراقي المخصص للتصدير والذي تشكل موارده الجزء الأعظم من موارد الميزانية. وذكر أعضاء مجلس النواب بما طرحه هو شخصيا في 2008 أثناء مناقشة ميزانية 2009 بأن تخمينات وزارة المالية لم تتوخى الدقة في حساباتها وهو ما سيقود إلى ضرررة إعداد ميزانية تكميلية ، وهذا بالفعل ما حصل. إن ما يناقشه مجلس النواب الآن بالفعل ، هو نتيجة مباشرة لعدم صحة وعلمية حسابات المختصين في وزارة المالية الذين أعدوا ميزانية 2009 غير الناضجة.

2- إخفاق الجهات الحكومية في تقدير حجم وخطورة مشكلة البطالة المتفشية في البلاد : انتقد السكرتير العام تقاعس الجهات المسئولة عن إعداد الميزانية لعدم تبنيها مهمة تشغيل العاطلين عن العمل من خريجي الكليات الذين يعدوا بالآلاف ، مذكرا بأن الحكومة قد جمدت قرار تشغيل الخريجين عند مناقشة ميزانية 2009 بحجة عدم وجود المال آنذاك ، لكن الأموال قد توفرت الآن فلماذا لا يفتح المجال لتشغيلهم ؟ وتساءل : اين يذهب العاطلون عن العمل؟ إن الدولة ملزمة أن تأخذ على عاتقها هذه القضية وتخصص المال اللازم في الميزانية التكميلية الحالية لتشغيل العاطلين ، مبينا أن في البلد مجاعة واسعة ولابد أن تأخذ هذه المسألة بجدية ، لأن توفير مصادر الرزق يساعد في إطفاء الحرائق الاجتماعية والسياسية في البلاد.

3- وتطرق أيضا إلى ضحايا الأعمال الارهابية من تفجيرات وسيارات مفخخة التي طالت المدن والقرى والأرياف ، وبضرورة إفراد تخصيصات مالية في الميزانية التكميلية لمعالجة ما ينجم عن تلك الأعمال لمساعدة الناس على تجاوز ما حل بهم والتخفيف من معاناتهم. فهناك ضحايا بشرية ومتضررون نتيجة حرق بيوتهم وسياراتهم ، ولابد من تعويضات تتناسب مع تلك الأضرار. ووجه سؤالا مباشرا إلى المسئولين عن إعداد الميزانية قائلا: أتمنى من الأخوان الإجابة على سؤالنا ، هل توجد تخصيصات كافية لتعويض المتضررين ، وهل شملت الميزانية شيئا من هذا؟

4- مشكلة المفصولين السياسيين إبان العهد السابق : تحدث عن العراقيل التي توضع في طريق إعادة المفصولين السياسيين إلى أعمالهم السابقة أو إلى وظائف أخرى ، وانتقد المبررات التي سيقت في حينها عن عدم وجود الموارد المالية لها ، مبينا أنها قضية هامة وعاجلة وملحة في الوقت نفسه ولا ينبغي التهاون في رصد الأموال اللازمة للإيفاء بواجبات الدولة تجاههم.

5- وعن المشاريع الصناعية المتوقفة ، ناقش السكرتير العام مبررات الجهات الحكومية غير المقبولة عن عدم الإيفاء بواجباتها تجاه هذه المشكلة التي تدلل على عدم الجدية في العمل لإعادة تشغيل المشاريع الصناعية المتوقفة عن الانتاج. وشدد على طلبه بضرورة قيام الجهات المسئولة بالاسراع في إنجاز هذه المهمة خاصة وقد توفرت الموارد المالية التي تتطلبها لإعادة تشغيلها. إن تلك المشاريع لو أعيدت للعمل فستستوعب آلاف العاطلين عن العمل ، وينتفع المجتمع في الوقت نفسه من منتجاتها الهامة.

6- وحث الدولة أيضا على أهمية دعمها للنشاط الزراعي ليتخطى الصعوبات التي تواجهه في الظروف الراهنة سواء بسبب شحة مياه الري أو بسبب الزيادة في نسبة ملوحتها.

7- وفي ختام مداخلته حث وزارة المالية على إلغاء قرارها بإيقاف الزيادات في رواتب المتقاعدين الذي اتخذته في وقت سابق من العام ، وخاصة بعد أن توفر للوزارة المال اللازم لذلك، ونبّه إلى أهمية دفع تلك الزيادات بما فيها تلك التي تخص العمال المتقاعدين والذين يبلغ عددهم 15000 عامل الذين لم تدرج أسماءهم في سجل المتقاعدين عند إعداد الميزانية التكميلية.

وإضافة إلى ما أورده السيد السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي من أراء بخصوص موارد الميزانية المالية التكميلية والتي ستليها ، أود التنويه بأن وزارة المالية تتوقع عجزا في الميزانية العامة للعام 2010 بحدود 8 – 10 تريليون دينارا عراقيا ، بسبب التخصيصات المالية التي وجهت للميزانية التكميلية الحالية.

إن أرقام وزارة المالية هذه تؤشر لأهمية أن تكون للوزارة دراسة عن المصادر المحتملة لزيادة موارد الدولة خلال الفترة الحالية لتأمين سد العجز المتوقع في ميزانية 2010 الذي خمنته وزارة المالية. لا نعتقد بالمعجزات ، ولذلك ينبغي على الوزارة أن تسعى من الآن وصاعدا إلى البحث عن مصادر تمويل لميزانية العام القادم ، وكلنا يعرف ان مصدر الموارد المالية للميزانية الحكومية الرئيسيين هو موارد صادرات النفط والضرائب المباشرة وغير المباشرة ، وهذه الأخيرة شحيحة جدا مما يجعل من صادرات النفط المصدر شبه الوحيد. وهنا يظل سوق النفط العالمي أملا مرتجى لكنه الأمل غير المضمون وغير المؤتمن ، وعليه من الحكمة أن تسارع وزارات الصناعة والنفط والزراعة إلى مد المساعدة والعون لوزارة المالية لتتمكن من إعداد ميزانية طموحة ومتوازنة تدفع بالاقتصاد نحو النمو دون هزات تفقد الدينار العراقي حيوته وقوته الشرائية ، وبعكس ذلك يدفع به نحو تضخم منفلت يصعب السيطرة عليه.

إن مهمة وزارة النفط يجب أن تتركز باتجاه زيادة دور المشتقات النفطية في صادرات العراق بموازاة زيادة القدرات الانتاجية للنفط الخام ومن ثم صادراته. أما وزارة الصناعة فيجب أن تكثف جهودها لإعادة تأهيل الصناعة البتروكيماوية وكل الصناعات الكبرى التي كان دورها مهما في العهد السابق في صادرات العراق وفي السوق الاستهلاكية الوطنية ، والتي قللت إلى حد بعيد اعتماد العراق على استيراد السلع البديلة من الخارج. وأن تباشر وزارة الصناعة أيضا إلى بناء صناعات كيماوية وبتروكيماوية تستفيد من المواد الكاربوهيدراتية في إنتاج المواد التي تحتاجها السوق المحلية والعالمية على السواء.

أما وزارة الزراعة وهي مصدر آخر مهم للموارد المالية لو اتبعت سياسة إنتاجية رشيدة ، تبدأ في دعم المزارع العراقي لتزيد من دور المنتجات الزراعية في سلة الغذاء العراقية بدل المستوردة من الخارج كما هو الحال حاليا ، مما سيوفر للاقتصاد العراقي موارد مهمة بالعملة الصعبة ، وإذا ما ذهبنا في طموحنا أبعد من ذلك فستساهم الزراعة بدور متزايد في زيادة الصادرات وبالتالي زيادة في الموارد. لا وقت هنا للمزاح فكل جهد جاد لابد يدر على أصحابه مردودا ضئيلا في البداية ثم ينهمر، وما نحتاجه هو الجدية والاخلاص والنزاهة في العمل ، وكما قال نابليون بونابارت ذات مرة :

"لا يوجد مستحيل تحت الشمس ، بل المستحيل فوقها " .

 


البصرة 15/ 09 / 2009



 

free web counter