| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                    الأثنين 14/2/ 2011

 

العراقيون .... لو ثاروا....؟؟

علي ألأسدي - البصرة  

" من لا يقرأ التاريخ يبقى أبدا طفلا " ,,
شيشرون ,,

لقد أقامت بريطانيا الاستعمارية في العراق في العشرينيات من القرن الماضي دولة موحدة، علمانية ، طائفية ، لا دينية ، بينما زرعت الولايات المتحدة في العراق بداية القرن الواحد والعشرين دولة منقسمة على نفسها ، قوميا وطائفيا ، شبه دينية وشبه علمانية ، أعادت المجتمع عقودا عديدة إلى الوراء. ومع أن التغيرات السياسية التي سعى اليها دستورعام 2005 قد مهدت لنظام ديمقراطي يتمتع العراقيون فيه بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات ، غير أن العديد من صيغ مواده تركت المجال مفتوحا لاعادة صياغتها بما يتناسب مع تقسيم العراق طائفيا وقوميا ، وهو ما جسده القانون الذي أصدره لاحقا مجلس الشيوخ الأمريكي بناء على اقتراح نائب الرئيس الأمريكي القاضي بتقسيم بلدنا إلى ولايات. كما نجحت القوى الدينية من خلال دورها في لجنة صياغة الدستور من تمرير صيغة لقانون للأحوال الشخصية يكرس التقسيم الطائفي ، يكون بديلا للقانون السائد حينها الذي يحظى بقبول عام من المرأة والقوى العلمانية في البلاد يسمو على العصبيات الطائفية والقومية. كما صاغت اللجنة ذاتها ، ونجحت باصدار قانونا جديدا للانتخابات بدل القانون السائد ، أتاح لها الاستحواذ على أصوات الأحزاب والشخصيات الليبرالية التقدمية ، وتجييرها لصالحها لأجل الاستئثار بأغلب مقاعد المجلس النيابي. وقد تمكنت بالفعل واعتمادا على القانون الجديد من قطع الطريق على تلك الأحزاب والأفراد من دخول المجلس النيابي بعد الانتخابات العامة في 7 /3 / 2010 ، وقبلها في العام 2008 ، عندما أقصتها عن تحقيق أي مكاسب في انتخابات مجالس المحافظات ، ولم تكتفي بذلك بل همشت من فاز من الشخصيات المستقلة ( محافظة كربلاء مثالا ) من أخذ دورها في مكافحة الفساد.

الولايات المتحدة باعتبارها راعية للديمقراطية في العراق تتحمل مسئولية مباشرة عن الثغرات التي تضمنها دستور عام 2005 ، كما ارتكبت أخطاء جسيمة في تعزيزها لدور القوى الدينية في قيادة العملية السياسية وفي تقرير مصير البلاد السياسي. فقد حرصت عبر سفيرها زلماي خليل زاد حينها على حصر السلطة الفعلية في أيدي القوى الدينية ، باعتبارها تمثل الأكثرية في هذا البلد. لكن الولايات المتحدة تجاهلت حقيقة أن بين الشيعة العراقيين رجال علم وأدب وفلسفة ، وبينهم فنانون وفقهاء قانون ومؤرخون وأساتذة جامعات من شتى الاختصاصات ، وسياسيون محنكون ، وانهم خير من خدم وطنهم وشعبهم عبر التاريخ العراقي. لا يعني هذا أن ليس بين القوى الدينية الشيعية رجالا أكفاء ووطنيون ، بل العكس هو الصحيح ، حيث كان منهم مناضلون وطنيون أفاضل خدموا شعبهم ووطنهم بكل نكران ذات ، وكان منهم من خاض المقاومة الوطنية ضد الغزو والهيمنة الاستعمارية، والشعب يتذكرهم باجلال وعميق التقدير. لكن القوى الدينية التي اختيرت من قبل الولايات المتحدة لم تكن مهيأة ولا قادرة على ادارة الحكم في العراق ، وفي هذا يكمن سبب فشلها الشنيع في خدمة الشعب عبر ثماني سنوات من المعاناة ، والولايات المتحدة تعرف ذلك جيدا. فلا يمكن بل من المستحيل حكم العراق من قبل مجموعة ضيقة الأفق المعرفي ، أحادية الثقافة ، منقسمة على نفسها ومتشرذمة ، وتخوض ضد بعضها البعض حروبا صامتة أحيانا وسافرة أحيانا أخرى. وهذا ما جعل منها منظمات منغلقة على نفسها تنظيميا واجتماعيا محليا وقطريا. وليس غريبا أن لا يكون لها قاعدة شعبية في أوساط السنة العرب والكورد والأقليات الدينية والقوميات الكثيرة الأخرى. القاسم المشترك الذي تلتقي عنده هذه القوى الدينية ، هو ضبابية رؤاها حول مستقبل العراق ، فهي لا تتبنى أي رؤى سياسية / اقتصادية / اجتماعية واضحة تسعى الى تحقيقها سلما أو عنفا ، كما هو الحال في الأحزاب السياسية في العالم. ولهذا السبب أخفقت في إفادة الشعب العراقي في شيئ ، بل خذلت المجتمع الشيعي الذي تنتمي اليه ، فهو ليس أحسن حالا من بقية مكونات الشعب الأخرى التي تعاني هي الأخرى من الفقر والحرمان والبطالة واليأس ، ومن انعدام الماء الصالح للشرب والكهرباء والاعمار. الأحزاب السياسية في اكثر الدول الديمقراطية في عالمنا لها برامجها الواضحة التي تتمحور حول تحقيق سعادة الناس ورخائهم ، عبر تطوير الاقتصاد واستئصال الأمية والأمراض والفقر، وتضييق حدة التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة ، واغناء نظام التكافل الاجتماعي ، ومكافحة البطالة والجريمة والعاهات الاجتماعية. وأمام غياب مثل هذا البرنامج ، من جدول عمل الحكومة الحالية ، يجعل من الثورة ضدها أمرا محتما ، واذا ما تأخر الناس عن القيام بها لحد الآن لا يعني أن العراق بخير،فأسباب الثورة قائمة وملحة ، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة ، فالحكم فقد مصداقيته ، ومعضلة الكهرباء والخدمات البلدية أدلة دامغة على ذلك. ولذا لا نجد أي سبب لاستمرار دعم الوسط الشيعي لها ، وإذا ما علمنا أن الغضب قد بلغ أقصى مداه بين السنة العراقيين والأقليات العرقية والدينية والسياسية المتجاهلة والمهضومة حقوقها ، فإن ثورة المهمشين القادمة ستوحد الشيعة والسنة والأكراد وكل مكونات شعبنا. الثورة القادمة ستنطلق من كل مدينة وحي عراقي بلا استثناء ، يشارك فيها محبي العراق كافة ، متدينون وغير متدينين ، عمالا وفلاحون وكسبة ورجال علم وادباء وفنانون ، كبارا وصفارا ، نساء ورجالا ، شيوخا وشبابا من كل الانتماءات السياسية والفكرية والدينية والقومية. الثورة القادمة ستكون عراقية خالصة ، باساليبها النضالية وشعاراتها المطلبية والحقوقية ، مسالمة وتضامنية وطنية ، هدفها الرخاء للجميع والسلطة والثروة للشعب ، من أجل المساواة في الحقوق والواجبات ، والاخاء الطوعي بين مكونات العراق جميعها ، لاتمييز بينهم بصرف النظر عن الجنس والقومية والدين والمذهب واللغة والمعتقد ، ثورة ضد الفساد والظلم والتسلط والانتقام ، تحترم الجيش والشرطة الوطنية والنظام العام ، وتلتزم وتحمي القانون وتعززه ، فلا تخشوها ، بل ساندوها.

ثورة العراق القادمة ليست ثورة جياع ، بل ثورة ضمائر ، و ستكشف وتحاسب فاقدي الضمير لصوص أموال الشعب ، ثورة ، لن يحتاج الفنانون للبحث عن لون مميز لها ، فهي وحدها من ستختار لونها المفضل ، كما اختارت لونها ثورة أكتوبر المجيد.


 

 

free web counter