| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

الأثنين 13/4/ 2009

 

ملاحظات حول مقال... " بعض خصائص تطور الماركسية التاريخي "
المنشور في العدد 2614 للحوار المتمدن

علي الأسدي

"
إننا نتعلم من التاريخ ، أن المرء لا يستطيع أن يتعلم شيئا من التاريخ "
                                                                         هيغل

أود أولا- أن أشير إلى أن مترجم المقال غير معروف ، وهذا يجعل من بعض ما جاء فيه في دائرة عدم اليقين.

وثانيا - وإذا كان المترجم غير معروف أيضا لهيئة تحرير الحوار المتمدن فما كان من الصحيح الدفع به إلى القارئ رغم ذكر اسم الصحيفة وتاريخ النشر، فهذا لا يلغي أهمية ذكر اسم المترجم. كما أن اسم الصحيفة الوارد في نهاية المقال وهو( زفيزدا ) واعتقد أن المقصود هو صحيفة ازفيزتيا الروسية ، وهنا يتطلب من السادة الذين درسوا في روسيا لتصحيح الاسم إن كان غير ذلك.

وثالثا- ورد في المقال العديد من الأخطاء اللغوية التي غابت عن المترجم ، وكذلك عن إدارة النشر التي ما كان لها أن تجيز نشره قبل تصحيح تلك الأخطاء ، خاصة وأن المقال يعتبر مادة ثقافية هامة ،كما يشكل في الوقت نفسه مصدرا مهما تعتمد عليه مقالات وبحوث مستقبلية ، وأن وجود مثل تلك الأخطاء فيه تنفي عن المقال أهليته لذلك للأسف. (
على القارئ العزيز أن يأخذ في الاعتبار أن العبارات والجمل المنقولة عن النص المترجم قد تم نقلها كما هي ولذلك فقد حصرتها بين قويسات)

ورابعا- يبدو لي أن المترجم قد تصرف ذاتيا في صياغة مفهومه لبعض ما جاء في مقال لينين ، وهذا يسيء كثيرا إلى الفحوى الذي أراد لينين أن ينقله إلى مستمعيه أو قرائه في حينها. ففي المقال أراء وأفكارا أشك أن قائلها لينين نصا بسبب ركاكة صيغتها ، إضافة إلى أن ثقافة لينين أهلته لأن يكون شديد الوضوح وقوي الحجة في كتاباته ومناقشاته. ففي المقال المذكور ينقل عنه هذا النص:

" كان أنجلس يقول في معرض حديثه عن نفسه وعن صديقه الشهير أن مذهبهما ليس بمذهب جامد، إنما هو مرشد للعمل ". إن استعارة لينين لقول أنجلس بالصيغة التي وردت غريبة جدا ،" ف " الصديق الشهير " عبارة غير معتادة في كتابات لينين للإشارة إلى أستاذه ماركس ، وإن إيرادها بتلك الصيغة لم تكن منسجمة مع موقع ماركس في فكر وخطاب لينين.

أما الجملة الغريبة الأخرى غير المعتادة في خطاب لينين التي جاءت بعد ذلك ، وهي " إن هذه الصيغة الكلاسيكية تبين بقوة رائعة وبصورة أخاذة هذا المظهر من الماركسية الذي يغيب عن البال في كثير من الأحيان" ويقصد به هنا "عدم الجمود " للتأكيد على حيوية الماركسية. قد يكون المترجم قد تصرف في اختيار الكلمات – كلاسيكية ، رائعة ، أخاذة ، لإبراز الجوانب الهامة في الماركسية الذي تحدث عنها أنجلس وهي " أن مذهبهما ليس بمذهب جامد ، إنما مرشد للعمل ".

إن مصطلح " مظهر " تعبير يشير إلى الشكل أكثر من أي شيء آخر ، بينما المقصود في المقال هو" الجوهر" الذي يميز الماركسية ، وأجد ان من المناسب الاستعاضة عن تعبير" المظهر" الوارد في نص المقال إلى " المذهب " وهو الأصح كما جاء في قول أنجلس المستعار من قبل لينين. وهذا ما يؤكده لينين نفسه فيما بعد في قوله:

" وإذ يغيب هذا المظهر عن بالنا ، نجعل من الماركسية شيئا وحيد الطرف ، عديم الشكل ، شيئا جامدا لا حياة فيه ، وتفرغ الماركسية من روحها الحية ، وننسف أسسها الجوهرية – نعني الديالكتيك – أي مذهب التطور التاريخي المتعدد الأشكال والحافل بالتناقضات, ونضعف صلتها بقضايا العصر العملية والدقيقة التي من شأنها أن تتغير لدى كل منعطف جديد في التاريخ".

إن لينين إذا في مقاله يتحدث عن جوهر الماركسية وليس عن أحد مظاهرها التي لم نعرفها ولم يشار إليها.

إن المسألة الأهم في مقال لينين والتي تحتاج منا إلى وقفة متأنية وأخذ الدروس التي تناسب ظروفنا الراهنة هي نظرته للتغيرات التي تجري في المجتمع دون توقف والتي ينبغي على الماركسية التجاوب معها وأخذها بنظر الاعتبار ، بقوله :

" ضرورة أن تعكس الماركسية التغير الفريد السرعة في ظروف الحياة الاجتماعية. فقد أدى التغير إلى تفسخ عميق- إلى البلبلة- إلى ترددات متنوعة - وبكلمة أخرى إلى أزمة داخلية خطيرة في الماركسية. ولذا توضع من جديد في جدول الأعمال مهمة القيام بنضال شديد عنيد دفاعا عن أسس الماركسية. ذلك ان أوسع الفئات من الطبقات التي لم تستطع اجتناب الماركسية, عند صياغة مهماتها, كانت قد استوعبت الماركسية في المرحلة السابقة بأكثر الأشكال تشويها ،ً فقد حفظت هذه (( الشعارات)) او تلك, هذه الأجوبة او تلك على المسائل التاكتيكية, دون ان تفهم المقاييس الماركسية لهذه الاجوبة ". ويعني لينين في قوله هذا ما كان سائدا في تلك الفترة من تيارات فكرية تغذيها حركات برجوازية صغيرة اعتمدت إعلاما زائفا وتحريفيا منافقا ، انخدعت به أجزاء من المثقفين الماركسيين وفئات من الطبقة العاملة الروسية.

وفي معرض حديثه عن البلبلة الفكرية التي نتجت عن تأثير الميول البرجوازية التي كانت تنادي بإعادة النظر بالقيم في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية التي أدت إلى إعادة النظر بأعم الأسس الفلسفية للماركسية وأشدها تجردا. حيث برز تأثير الفلسفة البرجوازية بشتى أنواعها المثالية في وباء " الماخية" الذي انتشر في صفوف الماركسيين. ويقصد هنا ذلك الجمود الذي ميز الحركات الغريبة في عهده التي انتحلت صفة الماركسية من أمثال " الماخية والاوتزوفية " بما كانت تردده من مقولات لا تتناسب والظروف المعاشة في تلك الفترة من حياة روسيا والتي انتشرت في صفوف الماركسيين. لقد قال عنها :

" أنها تردد " شعارات " محفوظة عن ظهر قلب ، ولكن دون فهم ودون تأمل ، أدى إلى انتشار ضرب من التعابير الجوفاء على نطاق واسع التي انتهت عمليا إلى ميول برجوازية صغيرة مناقضة للماركسية بصورة جذرية".

إن تصدي لينين لتلك الجماعات كان يهدف إلى تنقية الأجواء الفكرية التي تسربت إليها الميول البرجوازية الصغيرة المناقضة للماركسية بصورة جذرية التي عبرت عن نفسها كمظهر مشروع للماركسية ، أو الميول الرامية إلى إدخال النظرية الماركسية والتطبيق الماركسي في نطاق " الإعتدال والنظام " كما كانت تنادي به " الماخية".

إن المقال يعيد إلى الأذهان ما كانت تعانيه الماركسية من محاولات التحريف وإعادة الصياغة وفق مقاسات المجاميع التي كانت تدعي الماركسية وتدافع عنها بطرقها الخاصة من أجل إشاعة منظورها وتصورها عنها. ولم يكن سهلا أبدا تصدي لينين لتلك الظاهرة التي استشرت وشاع نفوذها في أوساط الماركسيين الروس في تلك الفترة الزمنية ، ولم تمر دون صراعات شاقة بدت في بعض مراحلها مثارا لليأس والقنوط ولكن ليس في نفس وقدرات لينين. ويقول بهذا الصدد :

" ان نطاق هذا المقال لايمكن له ان يتسع لبحث هذه المحاكمات ( ويقصد هنا الموضوعات المثارة), انما تكفي الإشارة إليها لكي نوضح ما قيل أعلاه عن عمق الأزمة التي تجتازها الماركسية, وعن الصلة التي تربطها بكل الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المرحلة الحاضرة. فليس بإمكاننا ان ندير ظهورنا للمسائل التي تثيرها هذه الأزمة. وليس ثمة ما هو اشد ضرراً ومخالفة لمباديء الماركسية من محاوله التهرب منها بالثرثرة الفارغة ، وليس ثمة ما هو أهم من اتحاد جميع الماركسيين الذين يدركون عمق الأزمة وضرورة مكافحتها دفاعا عن الأسس النظرية للماركسية وعن مبادئها الأساسية التي تشوه من مختلف الجوانب بنشر التأثير البرجوازي بين مختلف (( رفاق الطريق)) الماركسيين ".

يقول مارك توين: " إن التاريخ قد لا يعيد نفسه ... ولكنه يتشابه كثيرا ".

إن الدرس الذي ينبغي ان يستقيه العراقيون من ماركسي اليوم من تجربة لينين مع ماركسي عصره من القلقين ، هو نفسه الدرس الذي تعلمه هو من خلال تجربته الغنية تلك مع اختلاف واحد وحيد ، و هو غياب من هو بمصداقية لينين في تعبيره عن ماركسية ماركس وصديقه الشهير أنجلس. أما المعضلة التي نواجهها هنا في العراق في الظرف الراهن والتي تحتاج إلى دراسة وإعادة دراسة ، فهي نفسها بتشعباتها وعمقها ودلالاتها التي ربما شابهت إلى حد كبير المعضلة التي واجهت لينين في حياته ، وبافتقارنا إلى مثل تلك العقلية الفذة يظل الماركسيون في العراق بلا بوصلة ولا قبان. ويجب عليهم أن لا ينسوا أن عصر الرسل السماوية قد ولى ، وما عليهم إلا أن يواجهوا الحقيقة ويجتهدوا.

إن لينين لم يكن يحمل رسالة سماوية ولم يوحى له من السماء ، كل ما كان يحمله لينين هو رسالته هو إلى شعبه أولا وإلى ماركسي العالم ونقاوة فهمه وإيمانه بقدرات الطبقة العاملة وحزبها ، وكونه كان قائدا فذا لم تقعده التحديات ، فانتصر وإن خذله تلامذته المزيفون عندما أهدروا دمه وأطاحوا بأمله وآمال شعوب العالم بعد سبعين عاما على نجاح ثورة العمال والفلاحين.

حري بالماركسيين العراقيين أن يدرسوا تجربة لينين الثرية لتلمس الطريق نحو إقامة الحزب الذي يستقطبهم جميعا ويحشدهم لقيادة جماهير تعبث بعقولها أحزابا وأشخاصا من بقايا عصور التخلف والجهل. ليس من المتصور أن تظل السلطة في أيدي أحزاب راوغت الجماهير خلال الست سنوات الماضية وما زالت تناور وهي التي فشلت في التعبير عن أبسط أمنيات الجماهير ، وخانت أهم تعهداتها في توفير العمل الشريف والقوت والكرامة والأمن. وليس من المعقول في خضم هذا التردي المريع في المستوى المعيشي للناس وتخلف الأداء في مجال الخدمات الحكومية مع وجود ملايين المتضررين المغتصبة حقوقهم نتيجة التهجير والتفجيرات والاختطاف والتهديد والابتزاز وتخريب البيوت والتمييز الطائفي والعنصري ، ولا تتوحد قوى اليسار على برنامج موحد تقود به جماهير الشعب نحو خلاصها وتحقيق مطالبها.


البصرة 13 / 4 /2009


 

free web counter