| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

السبت 12/12/ 2009

 

نوري المالكي وعبد الكريم قاسم... دروس وعبر..؛؛

علي ألأسدي - البصرة

اختير السيد نوري المالكي رئيسا للوزراء بعد انتخابات عام 2005 باتفاق كل القوى السياسية المشاركة في مجلس النواب ، ويعود له الفضل الكبير في إعادة الأمن والاستقرار إلى المدن العراقية التي تفشت فيها الفوضى بسبب سيطرة المليشيات الطائفية على شؤون الناس فحولت حياتهم إلى معاناة يومية خانقة. وكانت بغداد والبصرة والناصرية وكربلاء ، وإلى حد ما ديالى والموصل والأنبار وصلاح الدين قد شهدت في عهده استقرارا أمنيا واجتماعيا ، حيث توقفت النزاعات التي كانت تفتعلها مليشيات شيعية وسنية مشبوهة مدعية كذبا دفاعها عن مصالح طوائفها. إنجازاته في مجال الأمن أعادت الثقة للعراقيين ، فتحسن على أثرها المناخ الاقتصادي في البلاد ، وبدأت الحياة اليومية للناس تعود إلى سابق عهدها ، كما اختفت أزمة الوقود والتلاعب في سبل توزيعها وغيرها من الأزمات التي استفحلت إبان حكومة أياد علاوي والجعفري. ووجد الكثيرون فيه رجل المهمات الصعبة والمدافع عن وحدة العراق أرضا وشعبا ، وسياسيا تتوسم فيه العزيمة والقدرة على القيادة في أصعب الظروف.

لكن الأجواء السياسية والتحالفات الحزبية والطائفية المحيطة به ليست في صالحه ، ولا تبعث على التفاؤل ، وهي تشابه إلى حد بعيد تلك التي واجهت عبد الكريم قاسم رئيس وزراء ثورة تموز في فترة حكمه 1958- 1963 ، وعلى المالكي أخذ العبرة من دروس تلك الحقبة من تاريخ العراق السياسي. حينها كان الانقسام السياسي صارخا ، ومعارضة الحركات القومية العربية والكردية تتصاعد ، وتحول الكثير من أصدقائه وحلفائه ضده وتمكنوا من القضاء عليه. وهكذا الوضع بالنسبة للمالكي حاليا ، فحزبه منقسم على نفسه ويتحداه في القيادة زملاءه السابقون طمعا بالسلطة ومنافعها الكثيرة. وتسعى كتلة الصدريين للثأر منه بسبب موقفه غير المساوم من الخروقات والجرائم التي ارتكبتها منظمتهم المسلحة " جيش المهدي " ، وهذه الأخيرة لا تتردد في استخدام العنف لازاحته عن السلطة أو قتله. ويشكل الائتلاف الوطني العراقي المكون حديثا تحديا جديا للمالكي ، وخاصة رغبته لتأسيس أقاليم طائفية للوسط والجنوب والغرب على غرار إقليم كردستان وهو ما يعارضه المالكي. ويقف مع هذا الائتلاف التحالف الكردستاني الذي أبدى أكثر من مرة امتعاضه من توجهات المالكي لتعزيز سلطة الحكومة الاتحادية متهمين أياه بالتوجهات الديكتاتورية. يرى الأكراد في قيادة المجلس الاسلامي الاعلى حليفا يمكن الاعتماد عليه لازاحة المالكي عن السلطة من جانب ، وضمان دعمه لحقهم في محافظة كركوك ومناطق أخرى في نينوى وديالى ، هذا إضافة إلى تأييده لرغبتهم في الاستقلال عن بغداد في كثير من سياسات إقليم كردستان الداخلية والخارجية. وهناك القوة المتصاعدة لتحالف رئيس الوزراء السابق أياد علاوي الذي يشكل البوابة الواسعة لتسلل أنصارالنظام السابق إلى مفاصل السلطة من الذين تزكيهم الدوائر الأمريكية ، بمساندة قوى ودولا اسلامية سنية ما زالت تؤمن بأن البعثيين قادرون على إعادة سلطتهم المفقودة. في المحصلة النهائية لا أحد من القوى السياسية المتنفذة تقف مع المالكي ، بعبارة أخرى إنه يواجه جبهة أعداء واسعة أمام قلة من الأصدقاء. ويبقى الأمل في القاعدة الشعبية التي ستبقى إلى جانبه رغم كل ذلك ، وكما كان موقفهم من عبد الكريم قاسم يقف الحزب الشيوعي العراقي في مقدمة المساندين له بأمل أن يتحقق في عهده المزيد من التقدم في مستوى حياة الناس المعيشية. أما التفجيرات الكثيرة المدمرة التي حدثت في الأسابيع الأخيرة فهي واحدة من أساليب أعدائه لاضعافه وزعزعة ثقة الناس به ، ولا نستبعد أن يكون وراءها من هم حوله في الحكومة ومجلس النواب.

يذكرنا وضع السيد نوري المالكي وهو يواجه هذا الحلف الواسع من الأعداء بالأوضاع التي واجهت رئيس وزراء العراق عبد الكريم قاسم قبيل الغدر به من قبل حلفائه وأصدقائه في عام 1963 . لم يكن نوري المالكي حينها قد تجاوز الثالثة عشر من عمره ، وربما لم يفقه حينها معنى الثورة وقيمة ما أدته لشعب العراق من إنجازات. لكنه بلا شك قد سمع الكثير عنها في السنين اللاحقة ، ولأنه من عائلة متدينة قد تكون تأثرت بفتوى السيد محسن الحكيم حينها ، مما جعله يصدق فتواه وينظر إلى قاسم باعتباره شيوعيا كافرا يستحق القتل. لكن قتل الزعماء الوطنيين في العالم ما يزال مستمرا برغم انحسار الشيوعية ومعسكرها الذي شكل للرجعيات المحلية والعالمية حجة جاهزة لاسقاط الرؤساء أو عزلهم أو قتلهم.

كان عبد الكريم قاسم على بينة بما كان يخطط له ، لكنه لم يكن ملما بسعة الجبهة التي اصطفت مع أعداء ثورته ، ولم يخطر بباله أن يكون بينها أقرب أصدقائه ، وهكذا الحال مع المالكي. لكن بعد إطاحة القوى السوداء بحكومته ومن ثم التنكيل به وقتله في اشنع جريمة غدر بشرية في 8 شباط 1963 ، اتضحت خيوط الجريمة وتفاصيل المشاركين فيها. لقد كان قاتله أقرب حلفائه في ثورة 14 تموز 1958 صديقه ونائبه عبد السلام عارف ، ووزراء في حكومته ، وقادة فرق عسكرية أودعهم قاسم ثقته الكاملة ، وقوى قومية عربية كحزب الاستقلال والقوميين العرب والبعثيين والأخوان المسلمين ، إضافة إلى دعم دول إيران وتركيا و الكويت والسعودية والأردن وسوريا. والأغرب من كل ذلك تعاون الحركة الكردية الصامت حينها مع الانقلابيين ، وهم الذين كرم وأكرم عبد الكريم قاسم قادتهم وأتى بهم من المهجر القسري إلى وطنهم العراق، وهو أول رئيس حكومة عراقية أو في منطقة الشرق الأوسط من اعترف لهم دستوريا بشراكتهم في الوطن والمواطنة المتساوية ، منهيا عهودا من التجاهل والتهميش لحقوقهم. وبذلك تكتمل الصورتين أمامنا ، صورة عبد الكريم قاسم وما أحاط به من انقسامات سياسية وتآمر، وصورة نوري المالكي وما يحيط به من صراعات ومؤامرات أداة تنفيذها البعثيون .

في هاتين الصورتين للواقع السياسي لحكومة لكل منهما ، يوجد الكثير من علامات الاختلاف والتشابه ، فنوري المالكي يختلف عن عبد الكريم قاسم ، فهو لم يلغ الاقطاع ويوزع أراضيه على المزارعين الصغار، ولم يوزع الأراضي على سكنة بيوت الصرائف والصفيح ، أو يلغي حقوق الشركات النفطية الاجنبية في الثروة النفطية خارج نشاطها الفعلي ، ولم يلغي حلفا عسكريا عدوانيا ، ولم يعقد اتفاقات اقتصادية وفنية وسياسية مع المعسكر الاشتراكي ، ولم يبني مجمعات سكنية لفقراء الحال والموظفين الصغار وغير ذلك ، حتى تفتي المرجعية المذهبية الشيعية والسنية بقتله باعتباره كافرا. لكن نوري المالكي حقق نجاحا أثناء وجوده في منصبه ، وقد بينا ذلك تفصيلا في مقدمة هذا المقال ، وهو إنجاز مميز في الظرف الذي مر بالعراق ، وقد شهدت له بها جهات محلية ودولية. وليس مصادفة أن تضعه مجلة تايم الأمريكية في المرتبة السابعة بين أهم مائة شخصية سياسية وعلمية وادبية عالمية ، في حين جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية في المرتبة الثامنة ونيقولا ساركوزي رئيس جمهورية فرنسا في المرتبة الرابعة عشرة.

ما الذي نستقيه من هذه المقارنة المحايدة ، وربما الساذجة في رأي البعض ممن لا يأبهون للتاريخ واحداثه ودروسه. فما نراه في المشهد السياسي الراهن هو حصان طروادة يتقدم حثيثا نحونا ، يمتطيه العروبيون الأقحاح لاعادة أمجاد العرب الأمجاد ، فيما ينتظر أعداء وحلفاء المالكي السابقون خروجه من المسرح السياسي مثخن الجراح أو إلى مثواه الأخير ، مكررين السيناريو الغادر نفسه الذي أداه أسلافهم مع عبد الكريم قاسم. إن ما عرضناه للتو من أخطار لا يظهر الصورة كاملة عن ما يحيط بالمالكي من شرور، فما نراه على السطح هو الخمس الضئيل من جبل الجليد ، ما يعني أن المخفي أعظم بكثير ، ومن الصعب تقدير قوة ووزن ما في العمق. فالمالكي لا يعرف من وكم من أصدقائه معه في العلن يتآمرون عليه في السر. وما علينا إلا الانتظار لحين ساعة الصفر، لنتأكد حينها من أين انطلقت رصاصة كاتم الصوت ، فبين أصدقائه وأعدائه الكثير ممن له القدرة على إصدار الفتاوي التي تحلل الحرام وتحرم الحلال بعونه أرحم الراحمين.
 


البصرة 12 / 12 / 2009







 

free web counter