| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

 

الأثنين 4/12/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس



مطلوب مصالحة بلا حدود

 

علي عرمش شوكت - لندن

المصالحة بلا حدود ، هذه العبارة قد تثير اعتراض العديد من ابناء الشعب العراقي وربما كانت تثير اعتراضي لو طرحها امامي احد قبل تردي الوضع الى هذه الدرجة ، ومن البديهي ان تثير السؤال التالي ايضا : مع من تكون هذه المصالحة ؟ وهذا سؤال محق ، هل تكون بين الاوساط المشتركة بالعملية السياسية ام مع خصومها الذين يحاولون ( اجتثاثها ) ؟ ،
اكدت جميع الاحداث والحروب في العالم التي لم يتمكن احد اطرافها الانتصار على خصمه بانه لامفر من اللجوء الى الحوار والمصالحة في سبيل حقن الدماء والحفاظ على المصالح الوطنية العليا ، ومما لاشك فيه كانت مرتكزات الصلح هي الاعتراف المتبادل والتنازلات المتقابلة بين المتحاربين ، وبخاصة الصراعات التي دارت بين ابناء شعب واحد ، ووجود قادة عقلاء ووطنيين مخلصين لدى الجانبين ، وقد سجل التاريخ العديد من هذه الحالات ، واقربها علينا ، صلح (الطائف ) الذي تم بين طرفي الحرب الاهلية في لبنان ، والصلح بين حركة تحرير جنوب السودان والحكومة ،بالرغم مما جري من كسر عضم كما يقال بين اطراف النزاع ، فمن البديهي ان يجري الحوار في مثل هذه الحالات بين جهتي الصراع بشكل مباشر ، وليس بين احدهما وبين وكيل للطرف الاخر ، وربما تكون تلك التوكيلات او الانابات مطلوبة في المراحل التمهيدية للتفاوض ، ولكن عند الدخول في صلب المواضيع المختلف حولها يتطلب التحاور المباشر بين المعنيين ، ولاتصل الامور الى حالة الحوار الهادف الى المصالحة الا عندما يلغي كل من الطرفين المتحاربين قناعاته بالانتصار على خصمه من خلال الاحتراب فحسب ، ويلغي ايضا شحنة العداء والاحتقان من نفسه تجاه الاخر، وكذلك يلغي فكرة الاستحواذ والانفراد بامتلاك الحقيقة ، ويكون مفعما بقناعة المشاركة العادلة بين الجميع ، كما يغلق سبل تدخلات الاخرين المستفيدين من حالة الاحتراب ، والتي غالبا ما تدفع باتجاه تأجيج نار النزاع والمغالاة بطرح الشروط التعجيزية او حتى ترويج فكرة استحالة التفاوض والمصالحة .
ان حالة الصراع في العراق لم تقتصر على الاطراف العراقية للصراع انما تتجاذبتها التدخلات الخارجية التي لم تتورط في هذه المشكلة بدوافع وبغية غايات شريرة فحسب ،بل لجؤ المتنازعين مع الاسف الشديد الى الاستعانة بهذه الجهات الخارجية ، مما شكل السبب الاساسي في تدهور الوضع الى هذا الحد ، مع علمهم بما ستجلبه هذه الاستعانة من مخاطر وكوارث على الشعب والوطن ، وهذا ما اكدته التداعيات المأساوية الاخيرة في البلاد ، والتي يرفضها كل من يرتبط مخلصا بمصير هذا الشعب المنكوب ، بعيدا عن الارتباط باجندات اقليمية او دولية ، فلا علاج لهذه المحنة الا بالمصالحة التي لابد منها على حد تعبيراغلب القوى الوطنية العراقية المخلصة ، ولكن ينبغي رسم خارطة مصالحة بلا حدود مسبقة ، بمعنى بلا شروط مسبقة ، وان تكون مباشرة بين اوساطها المعنية ، وبلا انابات ،اي ان تكون تحديدا بين الجهات التي تخوض النزاع المسلح ، مع ضرورة الغاء كافة العناوين الطائفية والعرقية ، والاتكاء على عنوان المواطنة التي هي حق مكتسب الى جانب الوطنية التي هي الاخرى واجب مفترض مما يشكل اساس ضمان وحدة الشعب والوطن .
اما لغة الاجتثاث السائدة هذه الايام فهي تشكل العقبة الكأداء والمتاهة التي تعطل بوصلة المصالحة خصوصا حينما يظل لغطها يسمع من كل الجهات ، فالمطالبة باجتثاث العملية السياسية جملة وتفصيلا !! ، يقابله اجتثاث البعث دون معالم واضحة لذلك ، وعلى سبيل المثال ، لماذا اجتث حزب البعث ( قيادة قطر العراق ) وهو معارض للنظام صدام وحليف لمن يقود العملية السياسية اليوم والذي كان بامكانه لوسمح له بالعمل باستيعاب كل البعثيين غير المتورطين بجرائم الصداميين ، بدلا من ان تستوعبهم الجماعات الارهابية ، ويكون في ذات الوقت مبعث اطمئنان لحد ما الى سوريا بالرغم من رفضه المشاركة في العملية السياسية ، حاله حال العديد من الاحزاب القومية التي لم تشترك ايضا ، ولكن لم يشملها الاجتثاث ، اذا بات واجبا اجتثاث الاجتثاث من قاموس حوار المصالحة وتفريغ مكانه للغة القانون والعدالة لاحقاق الحق ، معززة بفسحة رحبة من التسامح ، الذي سيعيد انتاج سدى ولحمة نسيج وحدة الشعب العراقي في الحياة الديمقراطية الجديدة ، فوفق هذه الرؤية يمكن تلمس معالم خارطة المصالحة المرجوة ، ولكن هل يكفي ذلك ؟ لان ثمة سؤال ملح اخر هنا مفاده ، من الذي سيرسم هذه الخارطة ؟ ،هل الذين ما زالوا يتحدثون بلغة الاجتثاث من كلا الطرفين ؟ ، ربما يقدم هؤلاء على المشاركة في رسم الخارطة ولكن بعد تخليهم عن قناعاتهم الواهمة ، حينها ستتحقق امنية  منتظرة لكل الخيرين من ابناءالشعب العراقي ، واذا ما عنى ذلك شيئا سيعني ، ان نصف الحل قد توفر ، واذا لم يكن ذلك ممكنا وغير سهل بسبب التدهور الامني والاستقطاب الطائفي ، فهنا تصبح المهمة على عاتق القوى الوطنية العراقية غير المتورطة بالصراع الدموي و ليس لديها المليشيات الخاصة ، ولا تسيس الاجتثاث ولا تعممه ، مع ان ذلك ليس هو المبتغى ، بل من الاجدر ان تبادر اطراف الصراع المسلح ذاتها ، مما يعني توفر القناعة بالمصالحة ووجود الشعور العالي بخطورة الاوضاع على مستقبل العراق ، كما يعني نزول هذه الاساط عن ( ظهور كبار خيولها ) اي شروطها المسبقة . ومن المعروف في مثل هذه الاوضاع ، لاينتظر المتصالحون ان يحصلوا على كافة ما يرونه من حقوق لهم ، بل على انصاف هذه الحقوق ، ويتم التنازل عن الانصاف الاخرى كثمن من اجل المصالحة او بالاحرى كثمن لانقاذ الشعب العراقي من الكارثة ، وعند المعاينة الدقيقة لهذا الثمن نجده لايساوي الا القليل القليل مما يستحقه الشعب العراقي المنكوب ، وما ينتظره من ابنائه المخلصين ، وهنا يتساءل سائل من هوالذي يحدد الحقوق ومستوى انصافها ؟ ، بعبارة ادق ، من هو الحكم في هذا الامر ؟ ، فلا يوجد حكم اكثرعدالة من الشعب العراقي وقواه الديمقراطية والوطنية والاسلامية المخلصة ، وعبرمؤسساته الديمقراطية النزيهه البعيدة عن اساليب التجييش الطائفي او العرقي والفتاوى والارهاب الفكري ، بل المستندة على المواطنة دون غيرها .