| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

السبت 29/6/ 2008



الراصد

 خريف الاحتلال في صيف العراق اللاهب

علي عرمش شوكت 

يُعلن عن النية في شهر تموز القادم على توقيع الاتفاقية الامنية العراقية الامريكية حسب ما جاء في صيغتها الاولى ، ويأتي كل ذلك الطرح العاجل والاحتلال يعش اخر ايام خريفه على ارض العراق ، وفي ظل هذا الحصار السياسي المفروض على حرية التصرف بمقدرات الشعب العراقي وثوابته الوطنية ، كانت بداية التفاوض غير معلنة ، ربما كانت النوايا تميل الى ابقاء المفاوضات سالكة في الطرق الخلفية لحين ان يتم تخطي الفقرات ذات القوة الذرية في حالة تفجرها ، غير ان ثقوب اسوار المنطقة الخضراء قد سربت الخبر ، وطار ليحط على صحون استقبال الفضائيات ، حينها كانت قوى الشعب الوطنية على عهدها الذي رضعته من تاريخ حركتها الوطنية ذات الخبرة النضالية الطويلة في مقارعة الاحلاف والمعاهدات الاستعمارية الاسترقاقية ، الامر الذي اطلق العنان لمعارضة شديدة اللهجة ، وليس غريباً على قوى شعبنا الوطنية سليلة ثورة العشرين ووثبة كانون 1948 وانتفاضة تشرين 1952 وهبة 1956 التضامنية ضد العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، وكافة المعارك الوطنية عبر تأريخها الكفاحي الذي تتوج بثورة تموز المجيدة عام 1958 .
ان العجالة المشار اليها لم تقتصر على اتمام الاتفاقية الامنية فحسب ، انما هي قد شكلت ظاهرة في السياسة الخارجية الامريكية وسياسة الدول الغربية عموماً ، ومن تجلياتها : المغريات الاقتصادية التي قُدمت الى ايران ، وكذلك النوايا الاسرائيلية لارجاع هضبة الجولان الى سورية مقابل اقامة صلح بين البلدين ، والاعلان عن الانسحاب من مزارع شبعة الذي حظي بتأييد امريكي ، وليس بعيدةً عن هذا السياق تلك الضغوط الفرنسية على اسرائيل بأتجاه التفاوض مع الفلسطنيين لاقامة دولتهم على حدود 1967 ، يأتي ذلك كمعالجات وقائية استباقية لما يعتمل من مظاهر للازمة الرأسمالية ، التي تدب هذه الايام في مختلف ثنايا النظام الرأسمالي ، زد على ذلك جنون سعر البترول الذي من المتوقع ان يطيح بعروش اقتصادية مختلفة وبخاصة في البلدان الفقيرة ، وفي هذا الطقس السياسي الملبد بزوابع سياسية واقتصادية ، تطرح الاتفاقية العراقية الا مريكية ، التي يراد بها تعبيد السبل للولايات المتحدة بالمرور والتواجد والتحليق والابحار عندما يستدعي الامر ذلك في حالة المواجهة مع ايران ، هذه المواجهة التي امسى احتمال وقوعها يحتل مكانه في قمة التوقعات .
بيد ان المناخات السياسية العراقية سواء كانت في صقيعها او في قيظها فهي تبقى ساخنة ، لاحظوا ، سخونة الاراء التي تواجه طرح الاتفاقية ، منطلقة من حرقة قلوب العراقيين على قدسية تراب الوطن ، فأذا ما كان الاحتلال يعيش فصله الخريفي الاخير في العراق ، فليس من البساطة اوبالامكان توفر اي قدر من القناعات لدى الشعب العراقي بالقبول بسلة الاهداف الاستراتيجية الامريكية ، والتي اذا ما تحقق شيئ منها فانه سيخلق ربيعاً جديداً للاحتلال ، ولكن من المنتظر ان يأتي المفاوض العراقي بسلته وهي تطفح بثمار تفاوضه مع الجانب الامريكي ، هذا اذا ما كان يقرأ جيداً خارطة المصادر والمغدور من الحقوق العراقية ، وان يجيد التنقيب في ركام الوضع العراقي ويسعف ما تبقى على قيد الحياة من الثوابت الوطنية قبل ان تطمرها كثبان الاجندات السياسية المتلونة المتقلبة المتحاصصة المفرغة من الشحنة الوطنية ، ولكن الاشد خطراً هو ما يهب علينا عبر الحدود من زوابع الاعتراض ومحاولات فرض الوصاية على شعبنا ، هكذا يغدو التفاوض مفردة كفاحية ووسيلة سياسية تتقدم الادوات النضالية في سبيل استعادة السيادة واعادة بناء الدولة العراقية وتوفير السعادة للشعب العراقي .
ان معيار النجاح مرهون بقدر استرجاع الحقوق المستلبة من دون مقايضة بحقوق اخرى مهما صغرت اهميتها ، لأن الثمن قد اخذ سلفاً ، وذلك ما يقع على عاتق المفاوض العراقي ، من هذا المنطلق يُشار الى اهمية اختيار فريق المفاوضين العراقيين ، الذين يفترض ان يكونوا من ذوي الحصانة الوطنية العالية ، ومن اصحاب الرصيد النضالي المشهود ، ومن يجيدوا فن التحاور والتفاوض ويمتلكون ثقافة سياسية من الطراز الاول ، لكن من الخطأ ان يكون قد تم تشكيل الفريق على قاعدة المحاصصة ، التي لا حصة فيها لغير الكتل المتنفذة الحاكمة ، الامر الذي يحصل فيه التعسف بمعيار المواطنة والكفاءة ، وعندما تتقدم الطائفية والعرقية في تكوين فريق التفاوض ، لابد ان يهبط الحرص على المصلحة الوطنية الى الدرجة الثانية ، ازاء اولوية الحرص على المصالح الطائفية اوالعرقية الخاصة ، وهنا لانتجنى على احد بل ان ما نشير اليه هو التعبير عن الصورة الناطقة لذلك التقوقع الطائفي والإثني ، ولو كان الانحياز الى المصلحة الوطنية اولا لانتفى هذا الاستقطاب ، ومع كل اهمية هذه الاساسيات الا ان ثمة معيار هام آخر ، وهو كما يقول المثل الشعبي العراقي ( الشاطر من يُعبئ في السكلة ركي - بطيخ صيفي - ) ، و سوف يبقى ترقب الجماهير العراقية لنتائج التفاوض على اشده ، لحين ان يخرج المفاوض ويقنع الشعب العراقي بما حققه من نتائج لصالح وطنه .


 

free web counter