| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

الخميس 27/3/ 2008



الراصد

 تأسيس الحزب الشيوعي :

كتابة لابجدية النضال في سبيل العدالة الاجتماعية

علي عرمش شوكت 

تهل على شعبنا في مطلع كل ربيع من كل عام ، وتحديدا في الحادي والثلاثين من اذار الذكرى الرابعة والسبعون لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي ، متوجة بعنوانها المتألق ، وشامخة بمعناها الثر ، ومستندة على اذرع منظومة فكر علمي تقدمي ، كان قد دون في حينها ولاول مرة ابجدية النضال في سبيل العدالة الاجتماعية في العراق الذي كان آنذاك مقيدا باغلال المعاهدات الاستعمارية الاسترقاقية ، وكلما عادت هذه الذكرى جلبت معها اكسيرا اضافيا لحياة الحزب ولرفاقه ولانصاره ، وكذلك لجماهير شعبنا عموما وفي مقدمتهم الفقراء وشغيلة اليد والفكر الذين يشكلون البيئة الطبيعية لنمو الحزب ، رافعة تلك الراية الناصعة المجيدة الحمراء ، التي عادة ما تكون معمدة ببالغ ثمن النضال في سبيل الحرية والعدالة والاستقلال ، مطرزة باسماء الشهداء البواسل ، الذين لم يخل عام من سقوط كوكبة جددة منهم على هذه الطريق ، حتى في تلك الفترات الزمنية التى اعتبرت اعتباطا ( فرص ذهبية ) للحزب الشيوعي العراقي !! ، وفي ذكرها كل عام تتلقاها عيون وافئدة محبي هذا الحزب وفكره الانساني الحضاري المعبر عن جديد الحياة وجديد الزمن وخلاصة قوانين التطور السرمدية ، لذلك تاتي هذه الذكرى كأجمل واطيب ثمرة ربيعية عبقة بعطر تراب الوطن ، لتعطي زخما نوعيا لنبض نضال وحركة رفاق الحزب واصدقائه وجماهيره ولكافة القوى التقدمية ايضا .
عندما تأسس الحزب في تلك الظروف التي كان العراق فيها بلدا شبه متخلف لكونه قد خرج من سيطرة عثمانية دامت اربعة قرون من الزمن ، ودخل تحت هيمنة بريطانية استعمارية ، ومع ذلك كان تأسيس الحزب الشيوعي استجابة ضرورية لمقدمات سياسية وطبقية واجتماعية قد سبق وان تجلت في الساحة السياسية العراقية ، حينها كانت حركة العمال ونضالاتهم قد بدأت تمارس طقوس الصراع الطبقي والوطني من اجل نيل الحرية والاستقلال والحياة الكريمة لجماهير الشعب المسحوقة ، كانت الاضرابات في الميناء عام 1929 بقيادة العامل الشجاع عضو الحلقات الماركسية الاولى ( حسن عياش ) ، وتحت اشراف يوسف سلمان يوسف ( فهد ) تهز عروش السلطات الملكية ، وكذلك صالونات الشركات ( الانكليزية ) المالكة للميناء في ذلك الزمان ، كان ذلك المناضل الثوري يحرض العمال بلغته البسيطة ولكنها معبرة عن هموم الكادحين وتطلعاتهم ، كانت تبث روح الاقدام والتمرد لكسر قيود الظلم والاستبداد ، حتى وان تطلب ذلك الذبح فهو افضل من الموت جوعا حسب تعبيره ، وكان يلخص مفهومه بالقول ( العامل هنا مثله مثل الدجاجة ، اذا ما ماتت رميت في المزابل واذا ما ذبحت وضعت على موائد الامراء والوزراء ) ، وكان عمال السكك في بغداد ( الكولية ) الذين يعملون في انشاء خطوط السكك الحديدية وفي معامل الشالجية الناشئة ، كذلك عمال شركة كهرباء ( العبة خانة ) في العاصمة ، ولاننسى عمال النسيج وعمال شركة ( بيت لنج ) البريطانية وغيرهم من ارهاصات نشوء الطبقة العاملة العراقية ، وشكلت تلك المقدمات الطبقية الضرورية لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 .
وجاء تأسيس الحزب بنمط جديد اختلف عما كانت عليه الاحزاب السياسية التي سبقته ، حيث انه لم يكن حزب مدينة ، اوحزب مكاتب ليس له امتدادا خارج تلك الاطارات ، لقد كان الحزب الوحيد الذي دخل الى اقصى مناحي الريف العراقي ، الذي كان آنذاك تسودهم الامية وسيطرة الاقطاع والفقر المتقع ، الا ان الفلاحين سرعان ما استوعبوه لكونه قد جاء معبرا عن طموحاتهم ومناضلا لتحريرهم من ربقة ظلم الاقطاعيين ، وشملت امتداداته الاولى ليس المجتمعات الفقيرة والعمالية فحسب ، انما كان من اوائل المنخرطين في صفوفه هم المثقفون ، وتجلى ذلك بالانتماء للحزب او الارتباط بهذا الشكل اوذاك اغلب اعلام الثقافة والادب العراقي في تلك الفترة الزمنية ، ورغم ان الحزب حدد هويته الطبقية الا ان العديد من ابناء العائلات الارستقراطية والبرجوازية قد انخرطوا في صفوفه ، وكان الدافع وراء ذلك هي القناعة التي حصلت لديهم بفكر الحزب وايديولوجيته ومنهجه العلمي النابع من صلب الفكر الانساني التقدمي المعاصر ، والمعبر عن اخر مراحل التطور الحضاري العالمي ، هذا وناهيك عن برنامجه السياسي الوطني المعادي للهيمنة الاستعمارية الذي ترجمه بالملموس وهو في سني عمره الاولى حيث قدم على طريق التحرر وضد المعاهدات الاستعماري الجائرة ( معاهدة 1930 ومعاهدة بورت سميث عام 1948 و لاحقا المعاهدة المركزية - حلف بغداد -) عام 1955 التي عقدت بين السلطات الاستعماري البريطانية والنظام الملكي العميل ،وتمثلت بتقديم كوكبة من الشهداء كان في مقدمتها مؤسسه الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف ( فهد ) ورفيقاه ، محمد حسين الشبيبي ، وزكي بسيم عضوا المكتب السياسي للحزب .
استمرت مسيرة الحزب المجيدة بكل زخم وتواصل ، رغم عواصف الاستبداد والقمع وحملات الابادة الشرسة بحق رفاقه واصدقائه ، التي راح ضحيتها العديد من قادته وكوادره وكان في مقدمتهم الشهيد ( سلام عادل ) سكرتير الحزب على اثر انقلاب شباط الاسود عام 1963 ، غير ان سر بقاء الحزب وشموخه من جديد بعد كل هجمة كان بفعل تماهيه مع تطلعات الجماهير ومستوى حسن ادائه السياسي الوطني ، وبقدرته على التعبير عن ارادتها وطموحاتها في العيش الكريم الآمن ، والحفاظ على مصالح الوطن في السيادة والاستقلال ، فضلا عن امتلاك الحزب لكفاءة متميزة على تربية كوادر وقيادات ميدانية مؤثرة وسط جماهير محلات السكن ومناطق العمل ومؤسسات الدراسة ، ولهذا كان الحزب يتمتع بمعين متدفق لا ينضب لتوسيع قاعدته التنظيمية ، وكذلك التعويض عن ما كان يخسره من كوادر واعضاء بسبب حملات الابادة التي كانت لم تنقطع عن ملاحقة اعضائه واصدقائه من قبل سلطات الاستبداد الدكتاتوري الغاشمة .
ان من ابرز ما يتميز به الحزب الشيوعي العراقي عن باقي الاحزاب السياسية العراقية وغير العراقي ايضا، هو عدم جعل مصالحه الحزبية الخاصة تطغى على مبادئه واهدافه الوطنية العامة ، فتراه في مختلف تحالفاته يضع مصالح الشعب والوطن فوق الامتيازات والحصص الجبهوية التي عادة ما تكون بين الاطراف المتحالفة ، مما يصل به الامر في ذلك الى مستوى التضحية الجسيمة ، كأن يكون التخلي عن مواقع على المستوى الداخلي والخارجي قد احتلها عن جدارة من خلال نضاله الجسور ، وكانت كفاءة وخبرة الحزب السياسية تتجلى دوما بطرح المخارج والحلول السياسية لاعقد المعضلات الوطنية والقومية ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، ما طرحه حول حق تقرير المصير للشعب الكردي قبل غيره ، وكذلك طرحه للاتحاد الفدرالي بدلا من الوحدة العربية الفورية ابان ثورة تموز عام 1958 التي طرحها التيار القومي ، ولكن ومع الاسف رفض هذا الحل لتلك المعضلة التي ادت في النهاية الى كوارث متتالية تتوجت بالاحتلال سنة 2003 ، الامر الذي دعا العديد من الاوساط التي رفضت مبادرة الحزب الشيوعي تلك الى التعبير عن الندم لعدم القبول بها ، كما لمع موقف الحزب الوطني بجلاء حينما بادر وعارض الحرب على العراق عام 2003 ، وما زال مناضلا لاستعادة واستكمال السيادة الوطنية ، وعاملا على رحيل الاحتلال وفقا لخطة متزامنة مع اسكمال تأهيل القوات المسلحة العراقية ، اما الفدرالية الحالية فهو اول من بادر الى طرحها ، ويضاف الى كل هذه المبادرات المسؤولة والنابعة من الحرص على مصالح ووحدة الشعب العراقي ، طرحه لمشروعه الوطني الديمقراطي لحل الازمة العراقية ، ولم يتوقف عند ذلك ، بل رفده وبالاتفاق مع بعض القوى من التيار الديمقراطي العراقي بنداء بناء الدولة الديمقراطية المدنية ، كما كان موقفه من اجتثاث البعث متقدما ومنطلقا من المسؤولية الوطنية ، مع ان حزب العفالقة هو الذي قاد حملات الابادة ضد الشيوعيين وانصارهم ، ولابد ان نشير الى موقف الحزب من المصالحة الوطنية والتي طرحها الحزب منذ الايام الاولى لسقوط النظام الدكتاتوري .
ومما يجدر ذكره ، هو ان الحزب الشيوعي العراقي لم يلجأ يوما الى المغامرة السياسية او العسكرية ، وبخاصة في موضوعة استلام السلطة ، اذ تسنت له الفرص الذهبية اكثر من مرة للانقلاب العسكري واستلام الحكم ، الا انه تجنب ذلك بحكمة سياسية مسؤولة وبفهم عال لطبيعة المرحلة ومهامها السياسية ، مصحوبا باستقراء الظروف الموضوعية المحيطة بالعراق آنذاك ، وكان يشخص بدقة مهمات كل مرحلة سياسية تمر بها البلاد ، فقبل ثورة تموز 1958 كان يناضل في سبيل انجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني ، وبعد الثورة تبنى الحزب وسعى من اجل تحقيق مهمات المرحلة الوطنية الديمقراطية ، وانطلاقا من ذلك الفهم هندس اولوياته بدقة ، ولم يضع في مقدمة برامجه تحقيق الاشتراكية اوالشيوعية باعتباره حزبا شيوعيا يسعى منطقيا لتطبيق مبادئه ونظريته الماركسية اللينية ، وهذا اذ ما دل على حقيقة فانه يدل قطعا على نقاوة وطنية الحزب ، و المستوى المتقدم من الادراك السياسي لما يحيق بمصالح الشعب والوطن .
وتحلى الحزب الشيوعي العراقي بواقعية سياسية عالية حيث قدم اداءا مسؤولا ومتوازنا بين موقفه المعارض للحرب على العراق ، وبين مشاركته في العملية السياسة ، معتبرا ان هذا هو سبيل خلاص العراق من الكارثة والاحتلال ، وعليه كان لابد له ان يتحمل مسؤوليته في الجهد الوطني السلمي لاعادة بناء الدولة العراقية ، ومواجهة الارهاب والتخريب والاختراق الاقليمي ، مع شديد تحفظه على الكثير من مفاصل هذه العملية السياسة ، وبخاصة المحاصصة المقيتة ، والتحفظ على بعض بنود الدستور وغيرها ، الا ان المصلحة الوطنية فرضت استحقاقاتها ، وهذا ديدن الحزب الشيوعي العراقي ازاء القضايا الوطنية طيلة عمره المديد المجيد ، ومع ان حيز الحزب محدودا في الحكومة ، الا ان تأثيره ملموسا ، وبخاصة في التشريعات والقوانين التي تتعلق باعادة بناء الدولة العراقية ، فضلا عن جهده السياسي على صعيد الجماهير وتحشيدها لتعزيز الديمقراطية والفدرالية ، وترشيد مسارالعملية السياسية في سبيل تحسين ادائها ، لغاية خروجها من عنق الزجاجة التي تمر بها البلاد ، وتحقيق الانجازات الخدمية والامنية الملحة لجماهير شعبنا المنكوبة .

* المجد لحزب جديد الزمن الزاهر .
* عاشت ذكرى تاسيس الحزب الشيوعي العراقي الرابعة والسبعون
* الخلود لشهداء الحزب وشهداء الحركة الوطنية العراقية












 


 

free web counter