| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

                                                                              الأربعاء 22/8/ 2012

 

الربيع العربي ... ثمار معطوبة وشعوب مغلوبة

علي عرمش شوكت

قبل اكثر من عامين مضت، سمعنا خطاباً لـ " ابن لادن " موجهاً الى دول الغرب عموماً والى الولايات المتحدة الامريكية بوجه خاص، وكان مفاده ( ان على هذه الدول ان تكف عن دعمها للانظمة العربية المتسلطة الظالمة، وان توقف مساندتها لاسرائيل. ربما كان ذلك نضوحاً عن دائرة تفاوض سري وغير مباشر، اقيم على اثر الخطاب واذا ما كان كذلك، فان خطاب " ابن لادن " لا يخرج عن كونه جواباً على سؤال غربي داخلي، تقديره " كيف نحيّد اوننهي حربنا مع "القاعدة" التي صنعناها وانقلبت علينا...؟ ) وهذا السؤال الذي طالما طرح على طاولات اجتماعات وحتى دراسات خبراء المعاهد الاستراتيجية التي ترسم السياسة الغربية.

وهنا لا نريد ان ندخل في دهاليز السياسة عميقاً، بقدر ما نود التأشير على المقدمات التي مهدت الى صيغ عملية التجاوب مع دعوة " بن لادن " والتي تجلت عملياً بسحب اليد الامريكية عن دعم الانظمة الاستبدادية، ولكن دون التوقف عند هذه الحدود. وانما دعم قوى الاسلام السياسي كبديل لاستلام السلطة. وهذا الشطر الاخير   فيه عناصر تؤشر بجلاء الى حالة اتفاق كان زمانها قبل بدء ما سمي بالربيع العربي.

ومنه اخذنا نشاهد "بانوراما" بدأت فيه تتجسد ظواهر الامور على ارض الواقع بتدفق " الاسلحة الناعمة " كما سميت، وهي، المال السياسي العابر للحدود، والاعلام الموجه لدعم وترويج طروحات قوى الاسلام السياسي وتحديداً ، للاخوان المسلمين، ولكن لم يقتصر الدعم على نعومة السلاح فقط، انما استخدم السلاح باشد انواعه فتكاً وخشونةً، حينما وجدوا الطرق سالكاً لذلك، مثل ما جرى في ليبيا، وربما كان الامر  يتكررعلى غراره في سورية ايضاً، لولا حضور " الفيتو الروسي الصيني" في مجلس الامن. ومع ذلك كان البحث متواصلاً، ولم يتوقف عن افتعال ثلمات في جدار الفيتو لكي يعبروا منها بمختلف وسائل التدخل.

ومن مفردات المشهد الاقليمي، كان اعلان ايران وحلفائها في المنطقة عن نيتها باقامة " هلال شيعي " مكون من كل من ايران العراق سوريا ولبنان، الامر الذي  اربك تدابير الغرب في مواجهتها، التي كانت تفصّل على مقاسات هذا البلد فقط، دون سواه. وعندما حصل التناغم بين الغرب والاسلام السياسي في بعض البلدان العربية، طُرحت امكانية ذهبية فريدة امام الغرب لتشكيل ليس هلالاً، بل محوراً " سنياً " واسعاً ومتطوعاً باحكام مذهبية متشددة، ولايكلف الكثير في مواجهة المسعى الايراني. ولسنا هنا بوارد اختزال الامر على العوامل الخارجية، التي لا تشكل سوى عوامل مساعدة، لما يعتمل من تفاعلات داخلية، التي انضجت الوضع الثوري لجموع الجياع والمضطهدين من ابناء شعوب المنطقة المبتلية بانظمة فاسدة وشمولية مهيمنة عقوداً طويلة على صدورها.

وبالمناسبة من ابرز العوامل الداخلية الحاسمة في اسقاط تلك الانظمة هي، مصادرة الحريات وتدن الاحوال المعيشية لاوسع الجماهير، هذا وناهيك عن حيادية الجيش، وقد حصل ذلك في تونس ومصر. بسبب عدم ادلجة القوات المسلحة في هذين البلدين، اي انها غير مرتبطة مصيرياً برئيس الدولة، ولهذا كان كما يبدو بالامكان التأثيرعلى قياداتها، ولكن اختلف الامر في ليبيا، وفي سوريا، ونسبياً في اليمن، وفي العراق قبل سقوط نظام صدام، حيث كان من الصعب تحييد تلك الجيوش" العقائدية " وفك ارتباطها المصيري برئيس الدولة.

وفضلاً عما تمت الاشارة اليه من عوامل محركة للانتفاضات، الا ان الثورات التي حصلت في بلدان المغرب العربي تحديداً، لم تكن قد تكاملت فيها شروط ومقدمات الثورة، اي ما يسمى باختمار الوضع الثوري والمتمثل بثلاثة مظاهر اساسية وهي، نشوء ازمة في قمة السلطة، ووجود ازمة في القاعدة الجماهيرية ، واشتراط وجود اداة ثورية " قيادة" واعية لاهداف الثورة. واذا ما توفر الشرطان الاول والثاني في هذه الثورات. غاب الشرط الثالث، اي القيادة الثورية الواعية. فلا احد يتجاهل وجود مثل هذا الغياب للقيادة الموحدة للجماهير الثائرة.

وهنا لا احد ينكر بان "اخون المسلمين" كانوا اكثر القوى تنظيماً وتربصاً لخطف ثمار كفاح الجماهير الثائرة. وقد زادت قدرتهم قوة، بهروب قادتهم من السجون في خضم نشوب الفوضى، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، هروب " محمد مرسي " الرئيس الحالي لمصر، وذلك ما مكنهم من خوض الانتخابات مستندين على المال الاقليمي العابر للحدود وكذلك مساندة الاعلام الموجه لدعمهم. وليس هذا فحسب ، وانما ذكرت الانباء بان الولايات المتحدة الامريكية قد تبرعت بـ " مئة " مليون دولار لحملة الاخوان الانتخابية، وتحديداً في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

وفي هذا الصدد لابد من ذكر حقيقة مؤداها ان الجماهير التي خاضت غمار الثورة سواء كانت في تونس او في مصر، لم يشارك اغلبها في عمليات الاقتراع. ويرجع هذا الامر الى انعدام تنظيمها وكذلك افتقارها للقيادة الموحدة ولبرنامجها السياسي لما بعد اسقاط النظام، من هذه الزاوية نلاحظ حقيقة شاخصة، لا تغفلها عين المراقب السياسي، فمثلاً، في الانتخابات المصرية كانت نسبة مشاركة من لهم حق التصويت في عملية الانتخابات 48%، ومن صوت للاسلاميين 51% من الذين شاركوا في الاقتراع اي ما يساوي في الحصيلة النهائية 26% من الذين يحق لهم التصويت، بمعنى ان 74% من القوى التصويتية لم تنتخب "الاسلاميين" ورغم اعلان فوزهم لم يكن الفارق كبيراً بينهم وبين من صوتوا الى المرشح الثاني " احمد شفيق " سوى ما يقارب نصف مليون صوت. واذا دل ذلك على شيء فيدل على ان القاعدة الاجتماعية للنظام السابق والقوى الديمقراطية والعلمانية تشكل الاغلبية، وهذا ما يدحض ادعاءات قوى الاسلام السياسي بكونهم يمثلون ( الاغلبية الشعبية ).

كما حصل الامر في ليبيا. حيث حصدت القوى الديمقراطية الصاعدة نسبة متقدمة من المقاعد، اي الاغلبية النسبية في انتخابات المجلس الوطني، الا ان  المال السياسي الخارجي لعب لعبته ايضاً، حتى صار صاحب الثلاثة مقاعد السيد "المقريفي" رئيس حزب " الجبهة الوطنية " رئيساً للمجلس، ولم يفز ائتلاف القوى الوطنية الذي يتراسه الدكتور محمود جبريل الذي  حاز على ما يقارب من تسعين مقعداً من اصل مئتين مقعد. ومع ان هذه هي لعبة الديمقراطية، الا ان تفسير نتائجها لا يخرج عن كونها عملية خطف منظم، والاسبقية لمن هو ابرع في الميدان، وهذه نتيجة حتمية في ظل تفكك القوى الديمقراطية والثورية الحقيقية فضلاً عن توفر الدعم الخارجي لقوى الاسلام السياسي وتحديداً (الاخوان المسلمين ). وان اغلب توقعات المحليلين السياسيين ترى بان هذا الدعم سيتواصل في مختلف ثورات ما يسمى بـ ( الربيع العربي ). ويتجسد باوضح اشكاله في سوريا اليوم.

وثمة رؤية مستقبلية تقول. ستشهد المنطقة صعود (الاخوان المسلمين) الى قيادة الدول ليس في بلدان ما يسمى بالربيع العربي فحسب، وانما في البلدان الاخرى، مثل سورية، الاردن، وبعض بلدان الخليج، وكذلك العراق ايضاً. وهذا الاخير ستتم هذه "التقليعة" فيه ليس عن طريق ثورة، بل وفق المحاصصة المقيتة القائمة، وستكون تحديداً عندما يغيب الرئيس( جلال الطلباني ) عن الرئاسة لاي سبب كان، وستطرح حينها بصيغة ضرورة وجود رئيس عربي "سني "، وبتغيير وتداول اسهم كعكة السلطة، وعند ذاك ليس من المعقول ان ياتي رئيس عربي من "التحالف الوطني"، لكون حصة " الشيعة " رئاسة الوزراء، وبالتالي سيأتي من ليس له خصومة حادة مع باقي الاطراف، وهذا ما ينطبق كما ارى على من يمثل( اخوان المسلمين ) في العراق، وليس على من يمثل" القائمة العراقية "، وان هذا الامر ليس ببعيد.  

           

           

           

 

               

  

 

free web counter