| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

السبت 21/3/ 2009


 
 الدستور العراقي والموقف من عودة حزب البعث الصدامي

علي عرمش شوكت

عندما اٌسقط نظام البعث الصدامي كان لابد ان تُتخذ الاجراءات اللازمة لقطع الطريق عن من يحاول ارجاع نمط الحكم الى الماضي الدكتاتوري البغيض ، و كانت من جملة تلك الاجراءت في جوهرها عقابية للسلوك القمعي الاجرامي لحزب البعث الصدامي ، فاصدر قانون اجتثاث البعث الذي تحول الى اداة سياسية شمل في اجراءاته الاولية كافة الذين انتموا الى حزب البعث بصرف النظر عن سبب انتماءاتهم ، مما خلق اشكالاً اثار اعتراضات البعض وعدم قبول البعض الاخر من القوى السياسية حول اساليب تطبيقاته التي لم تميز بين من كان يصدّر اوامر الموت ومن كان اداة وحشية لها من جانب ، وبين من كان مرغماً على تنفيذها بحكم وظيفته في اجهزة الحزب والحكومة من جانب اخر ، وكانت تلك الاجراءات قد جاءت على العموم بوحي من الدستور العراقي الجديد ، الذي هو الاخر يدور حول بعض مواده الجدل بين قوى العملية السياسية ذاتها ، الامر الذي ترك مسألة معقدة على طاولة مجلس النواب العراقي وامام الحكومة تحديداً ، تنتظر الحل الحازم العادل وليس حلاً على حساب ضحايا القمع الوحشي لنظام صدام حسين .

من هذا المدخل نود الولوج في ميدان الجدل الدائر حول عودة حزب البعث الى الحياة السياسية بصورة رسمية وموقف الدستور العراقي منها ، محاولين المشاركة في بناء الرؤية السليمة العادلة من هذه القضية ، تدفعنا الى ذلك القناعة بضرورة الحد من محاولات تبرئة حزب البعث فكراً وتنظيماً من كافة الجرائم التي ارتكبت باسمه وتحت رعايته ، وربما ابرز محاولة جاءت على لسان الدكتور طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الذي قال { ان دستوراً ديمقراطياً لايمكن ان يسمح لفكر معين ويمنع فكراً اخراً } وكان يقصد بقوله ، فكر حزب البعث ، نعم يمكن ان نتفق مع الدكتور الهاشمي بطرحه هذا اذا ما كان يتكلم عن فكر ديمقراطي اخر، يؤمن بالتعددية وبالرأي الاخر وبالتداول السلمي للسلطة ويدين مصادرة الحريات العامة والخاصة وبعيداً عن الشوفينية واساليب القمع الوحشية لاصحاب الرأي المعارض ، ونشير هنا على وجه التحديد تلك التي ارتكبت بحق مناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية ، ان كل ما ننوه عنه الآن كان قد تجلى في ممارسة و فكر حزب البعث الصدامي المنحل ، فاي دستور ديمقراطي يسمح بمثل هكذا فكر لايلتقي مع الديمقراطية بأية صورة من الصور ؟ .

ومن هنا اقتضى التفريق بين قيادة حزب البعث المسؤولة عن هذه السياسة القمعية وذلك الفكر الذي ينتجها وبين من انتمى الى هذا الحزب الذي تحول في الاونة الاخيرة من حكمه الى عبارة عن جهازاً امنياً قد كرس نشاطه لملاحقة المعارضين وكتم انفاس المواطنين عموماً ، حتى وان كانوا اعضاءً في الحزب ، ولهذا غدا كل اعضائه متورطين بهذا الشكل او ذاك في الجرائم التي ارتكبت بحق الوطن وابناء الشعب العراقي ، الا ان لهذا التورط مستويات مختلفة ، فبعض اعضائه من نفذ سياسته القمعية بشراسة وتحول الى ادوات موت عمياء دون ادنى رادع من ضمير ، والبعض الاخر كان نفذ توجيهات الحزب وهو منزوع الارادة بحكم قساوة العواقب التي سيتعرض لها عند عدم التنفيذ ، وهنا تتبين مقتضيات التفريق بين هؤلاء واؤلئك ، ولهذا يؤخذ على الدستور العراقي عدم الاخذ بنظر الاعتبار الظروف التي احاطت بالعديد ممن كانوا مجرد اعضاءً في حزب البعث ، حيث حدد في البداية موقفاً عاماً شاملاً من قيادة الحزب واعضائه على حد سواء ، ولكن تمت معالجة ذلك مؤخراً ، وبموجب ذلك تبدو فكرة عودة حزب البعث الصدامي الى الحياة السياسية وفقاً للدستور الحالي غير ممكنة ، لاسيما وان حزب البعث الصدامي مازال باقياً على منهجه الفكري السابق مما يكرس الخشية منه ولايوفر اية فرصة لمراجعة الموقف الرافض لعودته الى الحياة السياسية .

لهذا لا تلوح في المدى المنظور امكانية تغييرات دستورية لصالح عودة حزب البعث الصدامي الى الحياة السياسية ، طالما لم تتغير الحالة التي دعت المشرّع العراقي لوضع مادة دستورية يقصى بموجبها البعث عن الحياة السياسية ، وهذه قواعد العمل في وضع القوانين والدساتير حيث لاتوضع مادة الا بما تستدعيها الحالة بالضرورة السياسية والاجتماعية والاخلاقية ، ولا تتغيير الا بانتهاء الاسباب التي بررت وجودها ، وهنالك حالات مشابهة لوضع حزب البعث ، اتخذتها الشعوب والامم التي تخلصت بالقوة من الاستبداد والظلم كاجراء احترازي من العودة الى الماضي ، وربما اقربها هي حالة الحزب القومي الاشتراكي الالماني { النازي } حيث مازال اقصاؤه عن الحياة السياسية مستمراً لاكثر من ستين عاماً ، وليس هذا فحسب وانما تمنع الحكومة بموجب القانون الالماني تسمية المواليد الجدد باسم { اودولف } ويعني اسم هتلر ، بل وبدلت حتى اسماء من كانوا يحملون اسم { اودولف } ، بيد ان الاوضاع في العراق قد تميزت عن غيرها فهنالك مئات الالاف ممن انتموا الى حزب البعث وما زالوا يميلون نحوه لكونهم كانوا مستفيدين من وجودهم في اجهزة الحزب والحكومة ، وباقصائه عن الحياة السياسية يشعرون بالتهميش وبفقدان مصالحهم ومواقع نفوذهم ، التي كانوا يتمتعون بأمتيازاتها ، لهذا قد يصعب عليهم الانتقال الى حزب اخر .

ولهذا يبقى الامل لحل هذه المعضلة معلقاً على التعديلات الدستورية التي ربما تستدعيها عملية المصالحة المطروحة الآن ، والتي تقتضي التقارب بالطروحات والافكار بين كلا الجانبين المتحاورين اي العملية السياسية من جانب وخصومها من جانب اخر ، الذين هم في الاغلب من البعثيين ، وما نقصده بالاقتراب تحديداً هو تحوّل البعثيين عن مفاهيمهم الشمولية والاقصائية للرأي الاخر ، والاعتذار للشعب ولقواه الديمقراطية التي استهدفها الاستبداد ، عن تلك الجرائم التي ارتكبت ابان حكم البعث ، وهذا لا يعني باية حال من الاحوال صرف النظر عن الملطخة اياديهم بدماء المواطنين العراقيين ، وبذلك يمكن ايجاد مخرجاً واقامة المصالحة الوطنية ، لاسيما وان هنالك حزباً بعثياً عراقياً لا يمت بصلة الى حزب البعث الصدامي ، وهو حزب البعث قيادة قطرالعراق الذي عارض حكم دكتاتورية صدام وتحمل جوره ولم يتخلص من ظلمه واستبداده ، واذا ماحسبت بالمفاضلة فخطوة هذا الحزب هي الاقرب وبالامكان التعامل معه دستورياً باقل التعديلات .




 

free web counter