| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

السبت 1/11/ 2008


 
 الاتفاقية الامنية .. اختبار نهاية المطاف ؟

علي عرمش شوكت

بات تحديد الموقف من الاتفاقية الامنية شبيهاً بامتحان التخرج بالنسبة للنخبة السياسية العراقية الحاكمة ، فهناك من يخشى الفشل ، واخر يحاول تجنب لوم مراجعه ، وغيرهما يقلق على مستقبله بفقدان ناخبيه ، واخر يترقب المواقف ويتبع مقولة – حشر مع الناس عيد – اي ليس لديه موقف واضح وانما ينتظر الفرصة المناسبة ليصطف مع الاكثرية ، ولكن يبقى الموقف الوطني متميزاً بتماسكه وتمسكه بالثوابت الوطني التي تحفظ السيادة وتنتزع البلد من براثن الاحتلال ولكن بروية واقتدار ، وما يدعونا الى التركيز على الفريق الحاكم هو كونه صاحب الحل والربط في شؤون البلاد والعباد ، فلا احد يستطيع القول بانهم غير مسؤولين عن عملية التغيير واسقاط النظام الدكتاتوري البغيض عن طريق الغزو الخارجي ، وليس من المنطق ان يتبرأ احد طرافه اليوم من مسؤولية التخلص من تبعات الاحتلال ، فهل طالعت هذه النخبة وتمعنت جيداً بملفات هذا الدرس الصعب قبل ان يصل الامر الى المرحلة الحرجة والتي لاتفصلها عادة عن مرحلة التحول الا شعرة واحدة ؟ .
ويحتم الواقع السياسي المتردي اعادة فحص الحيثيات والتبعات لهذا المأزق ، وانطلاقاً منه نتوجه الى الذين توافقوا مع الولايات المتحدة الامريكية حول شكل ومضمون عملية التغيير في العراق ، ونسألهم عن السبب الذي قيد اتفاقاتهم بحدود اسقاط النظام السابق وحسب ، الم يكن بامكانهم الاتفاق حول الخطوات المستقبلية اللاحقة ؟ ، وفي مقدمها انتزاع السيادة الوطنية والتخلص من الاحتلال ، ام ان الغاية كانت لديهم تبرر الوسيلة وما يتبعها من تداعيات حتى وان كانت غير محسوبة العواقب ؟ ، ان ذلك يعكس عشواً سياسياً خطيرأً بما يشكله من فقدان للبوصلة واختلال التناسب الضروري بين الهدف والجهد الوطني المبذول في سبيله ، والذي يفترض ان ترتقي اليه القيادة السياسية ، واذا ما مرت تلك المرحلة التي غطى صوت جلبتها على امكانية الاصغاء للصوت الحريص اليقظ من المنزلقات الذي كان معارضاً لاسلوب الغزو في عملية التغيير ، فان اليوم ليس كالامس حيث كان العمل يتركزعلى عملية ازاحة النظام الدكتاتوري ، الا ان متطلبات اللحظة الراهنة تفرض توفر قدرات اكبر من ما تتطلبه عملية التغيير ، لكون الحفاظ على العملية السياسية ليس بالامر الهين في ظل التجاذبات والصراعات الدولية على ثروات العراق وفوق ارضه .
ان حساب البيدر ليس كحساب الحقل كما تؤكده الوقائع ، فالتصور بان الامور تصبح في موقعها الآمن بمجرد استلام السلطة ، فذلك ليس غير وهم تفرزه عادة نشوة الانتصار ، التي تدفع دائماً الى اقناع الذات بالمقدرة والمنعة من المخاطر ، وما يعنيه في التحليل النهائي هو محاولة للطيران باجنحة عباس بن فرناس ، وبعبارة اكثر وضوحا ً ان الاتفاقية الامنية لم يكن بالامكان الاتفاق عليها قبل سقوط النظام كاجراء لاحق وخارطة طريق لانهاء الاحتلال ، حيث اعتبرت آنذاك من بعض الاوساط السياسية العراقي امراً سابقاً لاوانه ، ولكنها تبدو اليوم قد حان اوانها اذ طفح الكيل في بقاء العراق منتزع السيادة وفاقد الولاية على القوات الاجنبية ومن يتبعها وبحرية حركة غير مقيدة ، وكذلك انعدام الحماية لحدود البلاد المخترقة منذ اكثر من خمس سنوات ، ولم يتمكن العراق من الخروج من تحت خيمة الفصل السابع من قانون الامم المتحدة ، فضلاً عن احتمال تعرض الاموال العراقية في الخارج للنهب ، وكل ما تقدم يشكل حملاً ثقيلاً على مسيرة العراق الجديد ، ومن دون معالجة مخلفات الاحتلال وتداعياتها واعادة الامور الى نصابها الصحيح ، لابد من احالة الاتفاقية الى الشعب العراقي وعبر ممثليه من كافة القوى الوطنية ليقرروا شكلها ومضمونها او مصيرها النهائي ، ان ارادة وحقوق الشعب العراقي فوق ارادة الكيانات والكائنات ، وهو صاحب القول الفصل في مثل هذه المعضلة ، وقد اتسم الموقف العراقي الرسمي والشعبي بثبات اغلب اطرافه على تنقية نصوص المسودة من الشوائب والمثالب التي اذا ما تركت على صيغّها الحالية فلا يضمن عدم تحولها مستقبلاً الى ريح خماسينية صفراء تقتلع الاخضر واليابس .
كان قرار التغيير عن طريق الحرب لم يحظ باتتفاق كافة القوى السياسية الوطنية العراقية في حينه ، فان التخلص من اثار ذلك اليوم هو مهمة وطنية كبرى لايختلف عليها مواطن عراقي واحد ، اذاً فلابد من مشاركة كافة بنات وابناء شعبنا العراقي في مناقشة مفردات الاتفاقية بشفافية مطلقة ، و ما يُحذر منه هو التعامل معها بسرية وبباطنية مرفوضة ، اذ انها ستؤدي الى حجب السند الشعبي للمفاوض العراقي ، وكذلك اضعاف الثقة بالحكومة ، والاكثر مرارة من ذلك هو لجوء البعض لتحديد موقفه وفقاً لرؤية غير عراقية منصوبة على اجندات منافية لمصالحنا الوطنية ، مما لا يزكي هذه المواقف بمنظار شعبنا ، لذا يتطلب الامر من الجهات المعنية ان ترفض الايحاءات الرخيصة التي تريد تجييرالموقف الوطني الرافض لاتفاقية غير صالحة لحسابها ، وبما ان تلك الايحاءات لم تتمكن من لي عنق الموقف الرسمي العراقي ، راحت تتحول الى دعوات وفتاوى من خارج الحدود ، لكن هي الاخرى عجزت عن تحقيق مبتغى اصحابها .
لقد شكل موضوع الاتفاقة رجة سياسية في الوسط السياسي العراقي ، ووضع الجميع امام اختبار صعب ، وبخاصة الذين بايديهم القرار ، ومن المؤكد سيتم التقييم في نهاية المطاف ، فمن يجتاز هذا المعطف وهو محملاً بهموم شعبه سيكون قد ملأ مكانه في المسؤولية بأقتدار ، لاسيما ونحن على موعد مع الناخب العراقي الذي سيجد في ذلك عوناً في القدرة على الاختيار ، نتمنى ان تكون المنطلقات والتنافس على كسب ود الشعب العراقي وليس على غيره مهما كان ذلك الغير .

 

free web counter