| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

 

الأربعاء 1 / 8 / 2007

 

 


فرح تموزي بضمير جمعي


علي عرمش شوكت

بعد ما يقرب من خمسين عاما مضت يفرح الشعب العراقي مرة ثانية وفي شهر تموز ذاته ، ففي هذا الشهر من عام 1958 عمت الفرحة قلوب كافة العراقيين من زاخو الى البصرة ومن الرمادي الى ديالى وذلك صبيحة الرابع عشرمن هذا الشهر وكان الفرح (بضمير جمعي) حيث توحد جميع العراقيين بموقف واحد تأييدا للثورة المجيدة ، ولم يتكرر ذلك طيلة هذه السنين التي قاربت من خمسة عقود ، و حتى حين سقط النظام الدكتاتوري في 9 \ 4 \ 2003 الذي هو اشد قساوة من سلفه النظام الماكي ، بمعنى ظل البعض من العراقيين غير فرحين بسقوطه والاسباب غير مجهولة ، اذ ان هذا البعض خسر امتيازاته والاخر كان شريكه بالجرائم التي ارتكبها بحق الشعب العراقي ، والثالث بسبب وجود الاحتلال الاجنبي ، ولكن الاغلبية الساحقة من العراقيات والعراقيين عاشوا فرحة خلاص عظيمة من الاستبداد الفاشي .وفي اليوم التاسع والعشرين من تموز 2007 تكرر الفرح و(بضمير جمعي) ايضا بعد نصف قرن تقريبا ، وهذه المرة ليس لسقوط نظام ، انما لتحقيق الفوزالرياضي الذي بات درسا بليغا لنظام المحاصصات الطائفية والعرقية ، كما ان الميادين والاهداف وحتى الاشخاص قد تغيروا ، فكما هو معلوم بان الميادين السياسية قد عجزت عن تحقيق الفرح للعراقيين لذلك اخذ يصنع في الميادين الرياضية، ولكن عبر البحار بعيدا عن الارادات الضيقة والفتاوى المحرمة للعبة كرة القدم التي صنعت هذا الفرح الجميل ، وبما ان الاهداف السياسية والاجندات البعيدة عن ارادة الشعب العراقي قد اثقلت كاهله ، برزت الاهداف الكروية لتصنع النصر المفرح لكل العراقيين ، و الاشخاص هم الاخرون قد تغيروا ، فلم يكن احد منهم ممثلا لهذا الطرف اوذاك ، اوشاغلا لحصة هذه الطائفة وهذه القومية او تلك في تشكيلة الفريق الوطني العراقي ، انما كان تكوينه على اساس الكفاءة المجردة من اي تأثير اوتدبير ، لأن ميدان الاختبار كان مكشوفا للملأ ، و ان الوصول الى عضوية الفريق لاي لاعب لايتم الوصول اليه الا بالقدرة الذاتية والمرور بمئات الاختبارات الفعلية وامام الجماهير صاحبة التشخيص الاخير ووضع اللاعب في الموقع الذي يستحقه .
ومن عمق الاحزان العراقية الشاملة وعندما تحرر فريق من الشباب العراقي من قيود الحصص الطائفية راح يصنع الفرح بسمو عال!! لا بل ويصدره الى اخوتنا وابناء عمومتنا من العرب الذين يقوم بعضهم مع الاسف الشديد بتصدير الموت والارهاب المنطلق من الفكر الظلامي الاسود الى شعبنا المنكوب المنهوب ، وربما لو تمكن الارهابيون من ذبح هؤلاء الفتية الذين صنعوا هذا الفرح لذبحوهم على مدرجات الملاعب الرياضية وامام مشجعيهم !! ، وثمة دليل قريب يؤكد ما نقوله ، فقد قتلوا المشجعين بالامس لكي يمنعوا طغيان الفرح على الحزن والاحباط واليأس الذي خيم على نفوس المواطنين العراقيين منذ اربعة عقود ، فما بالكم لو تمكنوا من هؤلاء الشباب الذين صنعوا النصر والفرح ؟؟ .
المهم ان الانسان العراقي قد اثبت جدارته على الخلق والابداع شرط ان يتحرر من قيود العبودية مهما كان نوعها او مصدرها ، وبخاصة عندما يمنح الثقة بقدرته على ادارة شؤونه واعادة بناء وطنه ، ومما لاشك فيه سيكون عونا اكيدا لاخوته و لجيرانه وللبشرية جمعاء ، لنتدارك ونقول ليأخذ العراقيون حريتهم ولايتوقعون من احد كان من كان ان يمنحهم حقوقهم بالحرية والعيش الكريم ، لأن مظاهر سلب الحريات والتعدي على حقوق وحرمات وكرامة المواطنين تسود هذه الايام بابشع الصور ، فحيثما توجد المليشيات وعصابات الارهاب تتجلى تلك التجاوزات .
ان انتصار الفريق العراقي قد شكل انجازا كبيرا يستحق التكريم والاحترام من قبل المسؤولين وكافة المرجعيات الدينية والسياسية والاجتماعية العراقية ، وليس اكتفاء البعض بالاشادة او بالصمت المثير للتساؤل والاستغراب الذي سيحسب من قبل جموع الشعب موقفا مضادا ، ومن نافلة القول ان صناعة الفرح قد اثبتت بانها احدى اهم الوسائل الجديرة بخلق الوحدة الوطنية الحقيقية المطلوبة البعيدة عن الاحتقان الطائفي والعرقي ، فهي وحدها كفيلة بانقاذ العراق من محنته.