| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

الأحد 15/3/ 2009


 
 المصالحة مع الشعب العراقي وبإنصاف ضحاياه

علي عرمش شوكت

كثر الحديث عن المصالحة وباتت هذه الكلمة المنعشة للامال عائمة على سطح الاحداث في عراقنا المنكوب المنهوب ، واصبح العديد من السياسيين العراقيين يجفل عندما تطرق مسامعه كلمة مصالحة ، كما يتساءل البعض الاخر ، هل للمصالحة طرف معلوم ام انه مجهول ولهذا تعذر تحقيقها لحد الآن ؟ ، من البديهيات التي لا تقبل الجدل ان التصالح يقوم عادة بين طرفين او عدة اطراف متخاصمة ، ولكن ما شهدناه في الوضع العراقي ومنذ انطلاق الجهود في هذا الاتجاه يقوم المعنيون بالبحث عن جهات غير متخاصمة مع العملية السياسية وانما مختلفة ، وهذه الاطراف ليست ذات تأثير في انهاء الصراع ، ولا قدرة لديها على ايقاف الخصومات الحادة القائمة ، والتبريرات لهذه الوجهة هي ان الجهات المتخاصمة مع العملية السياسية معادية وملطخة ايديها بدماء العراقيين ، فكيف تتم المصالحة معها ، سؤال يبدو منطقياً اذا ما اخذناه مجرداً ، ولكن هنالك جواب بصيغة سؤال مفاده اذا لم يجر التصالح مع اطراف من هذه القوى التي تريد انهاء خصامها وتعود الى احضان شعبها ، فهل من سبيل اخر لانهاء الصراع وايقاف اعمال قوى الارهاب الاجرامية التي تستغل اجواء التطاحن المهلكة ؟ .

ليست بسابقة ان يتصالح متخاصمان وصل مدى احترابهما الى درجة سفك الدماء وارتكاب الجرائم بحق بعضهما الاخر ، ولكن الحالة العراقية تختلف عن غيرها كون الجرائم المرتكبة لم تكن بحق المتخاصمين انفسهم ، انما بحق الشعب العراقي عموماً ، الا ينبغي ان تكون وجهة التصالح مع الشعب اساساً ، ان هذه المهمة الكبيرة لها متطلبات ينتصب في مقدمتها التجرد عن النزعات الذاتية امام مصالح الشعب الوطنية ، وبخاصة بناء الدولة الديمقراطية الجديدة بمعنى من المعاني دعم العملية السياسية ، ولكن تلك لم تقلل من اهمية الاعتذار من الشعب الذي تمت مصادرة حريته وحقوقه وارادته ، واٌخذت اجياله الشابة لتستخدم وقوداً لحروب عبثية مدمرة ، هذا وناهيك عن تبديد موارده المالية في مغامرات ومقامرات كانت خاسرة سلفاً ، ولا ينبغي ان يقتصر الامر على السلوك الشفوي بالاعتذار ، انما المطلوب تجسيد ذلك بصورة عملية ، اما مبدأ القبول بالاخر فهو بمثابة هوية المصالحة واساسها كما انه يمثل المقدمة التي لا غنى عنها للتعبير عن المصداقية السياسية المطلوبة فيما يتعلق في مسيرة المصالحة الوطنية .

ان المصالحة جُلها مساومة ، وبمعناها الواسع تنازلات متبادلة لا يحصل من خلالها اي طرف من اطراف الخصومة الا على انصاف الحقوق ، وهذه القاعدة لها استثناء يخلقه استعداد احد المتصالحين بتقديم قدر اكبر من التنازل او من بدأ العداوة ، ولكننا نعني هنا المصالحة بين العملية السياسية والمتخاصمين معها بقوة السلاح ، والذي يؤشر الى وجود كسر عظم كما يقال ، والعلامة الناصعة للمصالحة هي اخراس لغة السلاح والتقاتل ، ومن جانب العملية السياسية ينبغي التحدث بلغة الثواب دون العقاب باستثناء اؤلئك الذين امتهنوا ذبح المواطنين العراقييين بعد سقوط النظام ، والذين كانوا في الماضي اذرع موت ضاربة للدكتاتورية ، مما جعل هؤلاء مطلوبين لعدالة الشعب العراقي ، والتصالح ينبغي ان يتم بين الاطراف المتخاصمة ولايقبل التأويل او الترحيل الى غير المعنيين بها .

ان للمصالحة طقوساً تبدأ بفتح صفحة جديدة بالعلاقة قبل طوي صفحات الخصام ، واذا ما كانت هنالك ضرورة لاستخدام آلية الاجتثاث لازالة العقبات فلابد ان تتناول اجتثاث ثقافة الثأر والانتقام والعداوة ، ومن ابرز متطلبات المصالحة هو التأسيس للمستقبل ، كما ان الخروج عن دائرة المصالح الفئوية ينبغي ان يشكل العلامة الناطقة ، ولكن تبقى الارادة المحررة من قيود الاجندات الخارجية لدى كافة الاطراف ، هي التي ستكون بمثابة الداينمو لعملية الصلح ، الكلام كثير في هذا الامر ولكن الانجاز على الارض بحاجة الى القدرة على اتخاذ القرار دون الالتفات الى الخلف ، لان عنوان المصالحة اخذ يصيبه الصدأ واستهلك كثيراً مما خلق تصوراً بان المعنيين واصحاب القرار في هذا الشأن لا يمتلكون قوة الاقدام على اداء الدور المطلوب ، فمن يريد المصالحة الوطنية لابد له من ان يتجرد من شروطه الضيقة الخاصة ، ان للقرار اصحابه كما يقال ، فهل تعكس حالة التردد الحاصلة في جهد المصالحة انعدام وجود اصحاب القرار ام ماذا ؟ .

وللمصالحة الوطنية في العراق وجه اخر، وهو الذي يمثل المشاركة المخلصة في بناء الدولة الديمقراطية الفدرالية عبر آلية العملية السياسية ، التي تقر بانصهار كافة الجهود في بوتقة عملية بناء العراق الديمقراطي الجديد وصيانته ، والبناء عادة لا يشيّد الا بجودة هندسته ونقاوة مواد انشائه ، ان تفسيره بلغة السياسة ، يعني البناء وفق خارطة المشروع الوطني الديمقراطي ، وكل ذلك يتوقف على ادوات البناء ، اي الكيانات السياسية التي تؤمن ببناء البديل الديمقراطي و تكرس خالص جهدها لذلك ، ومع كل ذلك سوف لن يقام حجرعلى حجر اذا لم تتكاتف الاطراف المعنية مع بعضها وتتقدم بخطوات واثقة بلا اية مراوحة او ترقب سلبي بعكس ما كان الامر في المرحلة الماضية ، وغالباً ما اقدمت الحكومة على المصالحة وخصصت وزارة لهذا الغرض وعقدت المؤتمرات في الداخل والخارج ولم يحصل اي تقدم يذكر ، والامر غير مجهول وذلك بسبب عدم تقدم خصوم العملية السياسية الى ميدان المصالحة وبروحية الانتقال الى صفوف الشعب وقطع صلة الوصل مع الماضي البغيض ، وبعد شوط اخر يتم الاعلان مجدداً عن المصالحة ، وهكذا دواليك يستهلك الزمن ويستهلك شعار المصالحة ايضاً ، ولهذا يبقى الامل ضعيفاً وتبقى دعوة المصالحة بلا حولة ولا قوة .

واذا ما اردنا مصالحة شاملة فينبغي ان لا تحصر بين الحكومة وخصوم العملية السياسية وتترك الضحية خارج قوس ، والمعنى هنا هو ، ينبغي ان يتم الصلح ايضاً مع الضحية وذلك بانصافها ومعالجة اثارالظلم الذي لحق بالمناضلين الاشداء من معارضي الانظمة الدكتاتورية ومازال متواصلاً على معظمهم ممن ليسوا من اتباع الاحزاب الحاكمة ، في الوقت الذي سيمنح من يتم التصالح معهم كافة الحقوق وهم في مطلق الاحوال كانوا مع او من حواشي النظام الظالم ، فاية مصالحة وطنية ترسي على هذه المعادلة المختلة سوف لن تكون بعافية ابداً .











 

free web counter