| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

الأربعاء 12/5/ 2010



 الازمة العراقية .. ازمة دستورية بأمتياز

علي عرمش شوكت
 
يبدو ان اصوات الناخبين قد حولتها الكتل الكبيرة الفائزة من مادة تخويل الى مادة تمويل ، اي بمعنى ان لصوت الناخب هدف ، هو تخويل النائب للدفاع عن حقوقه ومصالح شعبه ، وهذه قاعدة العمل البرلماني لدى شعوب الارض قاطبة حتى تلك التي تعيش في غياهب التخلف ، ولكنه في عراق اليوم انقلبت الحال ونؤكد هنا على كلمة اليوم لان في الامس كانت في العراق حضارة وتقدم ومدنية سبق بها كافة بلدان جواره ، الى حين مجيئ معشر ذئاب السياسة الذين افترسوا ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، ورغم رحيلهم الذي تلاحقه اللعنات من قبل السواد الاعظم من الشعب العراقي ، الا انه مازال البعض الذي اصيب وتلوّث بمخلفات ذلك الماضي البغيض يصر وبامعان منقطع النظير على السير في ذلك المسلك التسلطي ، ففي الظاهر يدعون بالقبول بالديمقراطية ولكنهم في اي مفصل منها تجدهم يشوهون ملامحها ، وقد صار من ابرز سياقات هذا السلوك هو تلاعبهم بارادة الناخبين الذين اوصلوهم الى سدة السلطة .

نعود الى كلمة اليوم وماذا يجري فيه من صراعات مدمرة ، فالساسة الذين حصلوا على اصوات الناخبين بلا كيل ، يتعاملون معها بلا وزن من التقدير ولا اي اعتبار ، دعونا نسأل هؤلاء ، هل خولهم ناخبوهم بان يجعلوا من اصواتهم وسيلة رخيصة للمساومات على حساب امن الشعب ومصير البلد و مستقبله ؟ ، وللاسف الشديد ان هؤلاء الساسة قد اعادونا الى الماضي وحولوا كل القيّم الى سلع جاهزة للمقايضة وغدا حيّزهم في المشهد السياسي العراقي شبيهاً الى حد بعيد بسوق عكاظ ، يؤمه من كل حدب وصوب سماسرة السياسة والمتصيدون في الماء العكر من دهاقنة المخابرات الاجنبية ، والذين لم تنفجر تخمة اسيادهم بعد من الفريسة العراقية الدسمة .

ويقتضي الامر هنا ان تتحدد المسؤولية عن هذه الكارثة التي تعصف بالبلد ، وليس من المنطقي ان تلقى جزافاً ، ان الفراغ الامني تولّد تلقائياً على اثر الفراغ الدستوري ، الذي حصل بسبب الفجوات التي تملء الدستور ذاته ، اذ انه وضع هو الاخر في حالة فراغ دستوري ايضاً ، وجاء كحمالة اوجه وان اغلب مواده وضعت كتحصيل حاصل لصفقات سياسية بين الجهات التي صنعته ، ولا استعصاء قد انتاب العملية السياسية اليوم ، الا وكانت سببه التفسيرات التي تجيزها مطاطية المواد الدستورية ، واسطع مثال على ذلك هي المادة الدستوري 76 التي فسرها كل طرف حسب مبتغاه ،ان ما يعانيه الوضع السياسي في العراق من فوضى وفقدان المرجعية الدستورية الجازمة ، سيبقى ما دام الدستور غير مصان واختراقه وارداً باجتهادات وتفسيرات كيفية لا يوجد من يفندها او يحد منها .

ومن المفيد ان نشير الى ابرز تجليات فقدان المرجعية السياسية الدستورية ، هو ذلك النزق السياسي الطافح الجامح الذي يدفع المتضررين الى اللجوء والاستعانة بالخارج ، وحتى الذين يتمادون بمطامحهم ويتعثرون بواقع لوجستي اجتماعي او سواه حينها تراهم لايجدون بُداً من الاستعانة بالخارج ايضاً ، وهذه اشكالية مهلكة ناتجة عن الخلل الحاصل في مضامين الدستور يضاً ، ان اغلب اللاعبين الاساسيين في البلد ينتابهم شعور بالضرورة الاستقواء على الاخر ، لعل في ذلك كما يتصورون تحقيق ضمان مواصلة توطيد وتوسيع مساحة النفوذ والاستحواذ على مواقع القرار ومصادر المال ، وقد تجلى ذلك بابشع صوره في الاونة الاخيرة حينما وصلت الحالة الى نسيان الشعب ومتاعبه والمخاطر التي تحيق به ، في حين انهم بقوا يواصلون التزاحم بالمناكب لا بل ربما بالاخامص لانتزاع الموقع الاول في رئاسة الوزراء .

كما اشتد طاعون الانتهازية السياسية في ظل تعفن المناخ السياسي العراقي ، وعلى اثر ذلك ما انفكت المواقف والمطاليب التي يحاول اصحابها الحصول عليها حتى وان كانت على حساب ضياع البلد وتفتته وهدر ارواح مواطنيه على ايدي العصابات التكفيرية وبقايا النظام المباد ، وهي دون ادنى شك تبرز كواحدة من مظاهر الفوضى السياسية وفقدان المرجعية الدستورية العادلة ، فلا يلومنا احد اذا ما استخلصنا الحل للخلاص من هذه المحنة بتشكيل حكومة انقاذ وطني تضم كافة القوى الوطنية المخلصة بصرف النظر عن فوزها اوعدمه في الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، تكون مهمتها الاولى ردم منابع الارهاب والفساد وخلاص الوطن من الاحتلال واعادة تشكيل الدستور على اسس عادلة تلغي ما شابه من تقاسم ومحاصصة مقيتة .



 

free web counter