| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

                                                         السبت 10/11/ 2012

 

تجليات مصالح طبقية في الغاء مفردات التموينية

علي عرمش شوكت

يتساءل المواطنون العراقيون في هذه الايام عن ما اذا صار السوق العراقي كـ" البازار" الايراني من حيث قدرته على احتواء الحكومة وتوجهاتها وقراراتها، بل ومصيرها ! ؟ . وهذا التساؤل ليس بالغريب على متتبعي سير التاريخ السياسي حيث يشهد بان " البازار"، والمعني هنا - التجار الكبار – قد اسقطوا حكومة "محمد مصدق" في ايران عام 1952 بالتعاون مع المخابرات الغربية، وكذلك كان له الدور الفاعل باسقاط حكومة الشاه ايضاً. واليوم اذا ما سبرنا غور خشية وتساءل مواطنينا عن دور السوق العراقية في دفع الحكومة لالغاء مفردات الحصة التمونية، فيمكن قراءته على ان التاريخ يعيد نفسه في العراق، الذي يراد له من بعض الجهات الداخلية والخارجية الاقليمية تحديداً، ان يكون نسخة من الحالة الايرانية.

ومن المفيد التطرق هنا، بأن ما بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 وفي خضم الفوضى التي رعاها الاحتلال، وسماها بـ " الفوضى الخلاقة" تعرض الاقتصاد العراق المنهار اساساً الى تشويه هويته اكثر من السابق، حيث تركت ابوابه مشرعة دون اية (فلاتر قانونية) اذا جاز هذا التعبير. بمعنى، غياب الرقابة والمحاسبة على تنفيذ المشاريع، لا بل حتى على حقيقة وجودها اصلاً، وانعدام ضوابط الاستيراد كالرقابة النوعية والعمل وفق التعريفة الكمركية،وكذلك انعدام الموازنة التجارية، التي تحافظ على المنتج الوطني، الذي اهمل الى حد النسيان، مما ادى الى نشوء ونمو القوى الاقتصادية الطفيلية التجارية، التي وجدت لها حاضنة كانت رافعتها العقود الحكومية والمقاولات المستندة الى كثرة المال الريعي السائب، وبالمناسبة قد زحف مبدأ المحاصصة الى موضوع العقود الحكومية، وتجلى باخطرصوره التي تتوجت بفضائح فساد مستشري يضرب اطنابه في كافة مفاصل الدولة العراقية. ومن دون ادنى شك ان تعشعش الاوساط الطفيلية في كنف الكيانات التي بيدها القرار. وتتحول الى قاعدة طبقية لها، خلفت انعدام الخدمات واتساع الفقر وتردي الامن وتوقف عجلة التنمية الاقتصادية والبشرية.

ولا يعدو قرار الغاء مفردات الحصة التموينية عن كونه امعاناً في دعم سماسرة السوق من كبار التجار بصورة مقننة قدر الامكان، تعكس موقفاً طبقياً واضحاً لا يأبه بمصير الطبقات الفقيرة، وذلك من خلال تحويل مبالغ الحصة التموينية من الاستيراد الحكومي المباشر، الى الشراء من السوق الداخلي بواسطة المواطنين، اي بمعنى من المعاني تحويل هذه الاموال الى جيوب بعض السماسرة المتلاعبين في قوت الشعب العراقي، مما سيحمّل المستهلك فرق الاسعار التي يضيفها التجار كارباح على بضائعهم، او ترتفع الاسعار بحكم قانون العرض والطلب، وبالفعل قد زاد على الفور سعر الطحين بمقدار الضعف، والحبل على الجرار، في حين ان ما توزعه الحكومة من مواد غذائية هو بمنأى عن جشع المضاربين في السوق، مما يأمن له البقاء ضمن سعر كلفة الاستيراد، هذا وناهيك عن تحمل معاناة التعامل مع نهم وجشع بعض التجار، فضلاً عن عدم ضمان الجودة وصلاحية المواد.

وفي ذات السياق تأتي هذه "الفرقعة" من قبل الحكومة ضمن سلسلة عمليات يراد بها حجب الانظار عما يعتمل في الوضع السياسي من ازمة شاملة على وشك الانفجار الكارثي.وذلك ابتدأ من محاولة تتفيه فكرة المؤتمر الوطني واستحالة عقده، ومروراً بطرح ما سميت بورقة الاصلاح الوهمية، التي اردف معها المسمى بـ "قانون البنى التحتية"، كما الحقت الدعوة الى تشكيل حكومة الاغلبية البرلمانية غير المتوفرة اصلاً، واخيراً وليس اخراً جاء قرار تبديل الحصة التموينية العينية بمبلغ خمسة عشر الف دينار عراقي. هذا جاء انعكاساً عن القرار الحكومي المثير للجدل والاعتراض، والذي يعتبر خير ساحب للاهتمام حول تعقيدات الوضع السياسي، ويمكن ان نزيد في تعداد مثل هذه المفرقعات السياسية، ونضيف قضية البنك المركزي، وصفقة التسليح من روسيا الاتحادية وغير ذلك، التي سرعان انكشفت عناصر الفساد فيها.

 

free web counter