| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

الخميس 10/7/ 2008



الراصد

الحزب الشيوعي العراقي وثورة 14 تموز المجيدة

علي عرمش شوكت 

تثير ذكرى ثورة الرابع من تموز 1958 الوطنية المجيدة في نفوسنا الفخر والشجون في آن معاً ، وعندما تعود علينا في كل عام تحفز ذاكرتنا لاستدعاء مفاصل الزمن العابرة على عجل وكأنها خجلة ولاترغب بمواجهة حساب او عتاب الشعب العراقي ، لما حملت له من فرح لم يدم طويلاً وحزناً دام اربعة عقود ، وعند اعادة قراءة ما افرزته الاحداث التي تلت الثورة تجعل المرء المنصف يقف اجلالاً وفخراً امام من فجر الثورة ومن ساندها ومن دافع عنها الى اخر نفس فيها وفيه ، وهنا يلقي الانصاف بنفسه امام الباحثين في هذا الشأن بقوة ، الا ان التعامل بهذا المعيار يرتهن الى حد بعيد بموضوعية الباحث وقدرته على البحث عن الحقيقة حتى وان كانت - ابرة تبر وسط بيدر تبن - على حد قول المثل الشعبي ، وليس ثمة مبرر الا يتم التطرق عند الحديث حول ثورة الرابع عشر من تموز 1958 عن اصحاب الادوار التي صانت الثورة بعطاء بلا حدود ، وعليه يتوجب الذكر بعرفان لهم ، وكيف سجلها التاريخ السياسي العراقي في صفحات تلك الثورة المجيدة ، نعيد الاحتفاء بأحياء ذكراها اجلالاً لها ونهلاً من تجربتها وتعزيزاً لمكانتها في ذاكرة شعبنا واجياله الحاضرة ، ولهذا يستحق من كانوا اهلها في حياتها وحتى نهايتها مثل ما تستحق من اشادة وتقدير.
و من دواعي الموضوعية ان نسأل عن من هو الذي انفرد في قيادة دفة الدفاع عن الثورة ، وقدم التضحيات الجسام من اجلها ، ولهذا سنحصل على ما ثبت في صفحات التاريخ استناداً لسجله عن الثورة ، ومفاده أن الحزب الشيوعي العراقي وجماهيره هم وحدهم الذين اذادوا عنها بكل بسالة ونكران ذات ، ان كل ذلك ما يدعو الى تفحص حصيلة ما جناه الحزب من مكاسب سياسية من ثورة تموز مما جعل الحزب الشيوعي يجود بمثل هذا المستوى من التضحيات في سبيل حماية الثورة ، غير ان النتيجة ستدهش حقاً كل من هو منصف اذا ما عرف بأن قيادة الثورة قد عزلت الحزب من اول تشكيلة وزارية تم اشراك كافة الاحزاب الوطنية الاخرى فيها ، وليس هذا فحسب انما في الايام الاُول للثورة لم يطلق سراح السجناء الشيوعيين عندما صدر قرار الافراج عن السجناء السياسيين ، ولم يتم ذلك الا بعد حين ، علماً ان الضباط الشيوعيين كانوا مشاركين في حركة الضباط الاحرار ومساهمين في تفجير الثورة ، ومع كل ذلك واجه الحزب تلك الممارسات غير الودية ، بتشكيل لجان الدفاع عن الثورة ، وتشكيل (المقاومة الشعبية) من رفاقه واصدقائه وسلم قيادتها الى الحكومة ، وعليه كانت تستلم اسلحتها من مراكز الشرطة اثناء القيام بواجبات الحراسات وتسلمها الى مراكز الشرطة بعد الانتهاء من الواجبات ، ومع ذلك قامت السلطات بحلها في الوقت الذي كانت فيه الثورة بأمس الحاجة اليها في ظل ذلك التكالب المسعور والتأمر المحموم في سبيل اسقاطها من قبل الاعداء ، كما لم تمض سنة واحدة من عمر الثورة حتى غصت السجون بأعضاء واصدقاء الحزب ، بتهم ملفقة من قبل الاجهزة الامنية التي ظلت كما كانت في العهد الملكي ، والتي لم تمسها يد التطهير ، فضلاً عن دسائس واحابيل القوى الرجعية ، وذلك بهدف تجريد الثورة تحديداً من حماتها الحقيقيين ، و ليس ذلك فحسب ، انما سبقه الفصل السياسي من الوظائف لرفاق الحزب وانصاره والذي طال الالاف منهم في مختلف مؤسسات و انحاء البلاد ، اما الاعتداءات والاغتيالات من قبل اعداء الثورة للشيوعيين وانصارهم فحدث بلا حرج ، علماً انه لم يعتقل قاتل او يحاسب معتد على اثر ذلك ، ومع كل تلك التجاوزات والتعسف بحق الحزب غير ان الشيوعيين ظلوا الظهير الامين لثورة 14 تموز ودافعوا عنها حتى الرمق الاخير، وهنا تجلت الروح الوطنية الخالصة لدى الشيوعيين العراقيين ، كما قدمت الاحداث التي تلت سقوط الثورة الادلة الصارخة على صحة وصواب سياسة الحزب الشيوعي العراقي تجاه الثورة وزعيمها الشهيد عبد الكريم قاسم ، وابرز الادلة الدامغة هو ما تمخض عن الانظمة الاستبدادية الفاشية ،التي تعاقبت خلال انقلابات عسكرية وسطو على السلطة تتوجت في نهاية المطاف ، بتسليم البلد مخرباً في جميع مناحي الحياة الى المحتلين الاجانب .
ومن نافلة القول ان الحزب الشيوعي قد تصدى للانقلاب الفاشي قبل وقوعه ، حيث كشف الحزب مخطط الانقلاب ، وحدد في بيان له حتى القطعات العسكرية التي نفذت عملية الاطاحة بالثورة ، وهي كتيبة الدبابات الرابعة التي كان مقرها في معسكر الوشاش ، وبالفعل اعتقل قائد تلك الكتيبة وهو الضابط خالد مكي الهاشمي الذي ادلى باعترافات كاملة عن مخطط الانقلاب ومن سيشارك فيه من الضباط القوميين والبعثيين والرجعيين واخرين ، وقد وجدت تلك الاعترافات في مكتب الزعيم عبد الكريم قاسم بعد نجاح الانقلاب ، ولكن التردد وعدم الرؤية السياسية النافذة لدى من كان حول الزعيم ، قد حال دون اتخاذ الاجراءات اللازمة ازاء المتآمرين ، مما اتاح الفرصة الذهبية للاطاحة بالزعيم وبالثورة وبمستقبل العراق الذي غدا في نهاية المطاف محتلاً وتحت البند السابع بعد اربعة عقود من الجور والاستبداد والدكتاتورية والحصار.
كان اللجوء الى استخدام السلاح لانهاء الخلافات بين الثورة والاكراد قد شكل احد اهم العوامل التي ادت الى اسقاط ثورة 14 تموز ، وفي مبادرة استباقية وادراكاً منه قام الحزب الشيوعي بحملة واسعة من المظاهرات والكتابة على الجدران في حينها ، والتي قامت بها منظماته في كافة محافظات العراق تحت شعار ( السلم في كردستان ) حيث سلك الحزب محوراً اخراً ، ليلفت انتباه الزعيم عبد الكريم قاسم الى خطورة ذلك المنزلق الذي سيؤدي حتماً الى شق وحدة الصف الوطني وبالتالي اضعاف الثورة واجهاضها ، ولكن بدلاً عن الالتفات الى تلك الخطورة التفتت اجهزة السلطة الى نشاط الحزب وشددت القمع والاعتقالات والملاحقات لاعضائه وانصاره ، وبمثل ما ساهم الشيوعيون في الاعداد للثورة بصورة مباشرة من خلال رفاقهم في حركة الضباط الاحرار وبصورة غير مباشرة بمشاركته الاساسية في جبهة الاتحاد الوطني قبيل الثورة ، ومثل ما ساند قيامها باستقبال ودعم مطلقين ، كان الحزب المبادر قبل غيره لتثبيت اساساتها وتنفيذ منجزاتها ، حيث جند كافة منظماته وامتدادته الداخلية والاممية لتعضيد الثورة .
هذه صفحات نفتحها امام الاجيال التي لم تطلع على مجريات الامور في ذلك الزمن ، وليعرف القاصي والداني ان الحزب الشيوعي العراقي قد ساند الثورة وزعيمها الشهيد عبد الكريم قاسم لاطمعاً بمكاسب حزبية ضيقة ولا محاولة منه للقفز الى سدة الحكم ، فقد كان يمتلك القدرة فوق اللازمة لاستلام السلطة ، ومع كل ماجرى له من تعسف واضطهاد من قبل اعداء الثورة المتغلغلين في مختلف اجهزة السلطة ، ظل الحزب يشكل المتراس الدفاعي الاخير عن الثورة ، وقد انفرد بذلك وما زال يكاد يكون منفردا بذكرها جميلاً ، وبالدفاع عن منجزاتها التاريخية .
 


 

free web counter