| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علياء الأنصاري

 

 

 

السبت 21/6/ 2007



عندما تمطر السماءُ حجارةً

علياء الأنصاري  *

تشكل بعض الذكريات في مناطق الشعور الباطني لدى الانسان، مكامن وجع تثير الشجون كلما قاده الشوق اليها!!

ومن تلك الذكريات، هزة الأم لمهد رضيعها وهي تغني : (دللو يمه دللو) حالمة بيوم يكبر فيه وتكبر معه ثمرة العمر، فتكون عندها (دللو يمه دللو) ذكرى تداعب الخيال المتعب كلما رأته يختال بمشيته بين أقرانه!

تلك اللحظات هي أغلى ما تملكه الأم عندما يشيخ الزمن فيها وتركنها ضوضاء الحياة وضجيجها الى زاوية مغلفة بالنسيان، لتتمنى عندها لو ان عجلة الزمن قد توقفت عند هزة المهد وعند غنوة (دللو يمه دللو) ليبقى صغيرها صغيرا وليبقى الحلم حلما!!

فيا ترى لماذا؟

لماذا عندما يشيخ الزمن في الواحد فينا، يصبح كمّاً مهملاً يحتار الآخرون أين يضعوه؟!

صورة المرأة العراقية وهي تفترش قارعة السوق لتبيع شيئا ما تقيم به أود حياتها أو ربما أود اخرين معها ينتظرونها تأتيهم برزق يومهم، يثير اشجاني!!

نظراتها الحزينة المترقبة طرقات على الباب أو رنة هاتف لترى أو تسمع صوتا طالما فدته بروحها وغذته بعصارة قلبها، بعدما أمست وحيدة غريبة في دارها، تستجدي عطف من وهبتهم الحياة... يثير مخاوف الأمومة في داخلي: هل سيأتي دوري؟!

وفي ذلك الصباح عندما مدت تلك المرأة العجوز يدها النحيلة المتهرئة طالبة المساعدة للصعود الى سيارة النقل (الكية) في مرآب الحلة لتجلس الى جواري وهي تهمس: (هاية عيشة ؟! )

استقرت الأم الكبيرة في مكانها والزمن يحفر اخاديده في وجهها الحزين المطل على العالم الآخر من خلال عينين أثقل الحزن نظراتهما وافترش اليأس منافذ العبور اليهما!! وقبل ان تصل السيارة الى مقصدها همست في اذن الجالس أمامها فأدركت ان المرأة لا تملك أجرة ركوبها، فدنوت هامسة : هل من مساعدة ؟ فاذا بوابل من الدمع المتحجر قهرا خلف أسوار العينين الحزينتين ينهمر وهي تقول: اعطتني ابنتي ثلاثة الآف دينار وقالت لي اذهبي للزيارة! لا ادري اين سقطت مني النقود؟!

كفكفت دمعها واجابتني عن جملة اسئلتي التي حاصرتها : طردني ابني، لا يريدني او زوجته لا تريدني، اسبوع اقضيه عند ابنتي الصغيرة في الحلة واسبوع عند الاخرى في النجف، آخر عمري اعيش مع النسيب!!

تبللت علامة استفهام كبيرة ارتسمت أمامي بدموع هذه الام الكبيرة: يا ترى كم أم عراقية آل الزمن بها الى هذا الحال؟ أو الى قارعة الطريق تبيع شيئا ما تقيم به أودها؟!

هل هي تداعيات الالفية الثالثة المتعصرنة بثورة المعلومات والتكنولوجيا؟!
هل هو صراع البشر بين الانسنة والتشييء ؟ فأصبحت حتى العواطف والقيم، أشياء قابلة للمقايضة؟
كيف يمكن للانسان ان يمارس يومياته بصمت ولا مبالاة وهناك دمعة لأم تحفر أخاديد اليأس على وجنتيها؟!
لو كانت المرأة، في يوم ما، متعلمة، وصاحبة وظيفة او مهنة، هل سيكون مصيرها كهذه الأم المسكينة؟!

لو اردنا مجتمعا فاضلا، تحترم فيه قيمة الانسان، فعلينا ان نهتم بتعليم أفراده جميعهم، ولو اردنا حماية حقوق المرأة فعلينا ان نضمن تعليمها أولاً، ومن ثم اعطاءها فرصة عمل وبالتالي فرصة حياة كريمة، لان العلم والمعرفة وتمكين المرأة اقتصاديا افضل ضمانة لحماية حقوقها من كل الدساتير والقوانين والشعارات وأبواق المنظمات ومتعهدي حقوق الانسان!!

فلأجل مستقبل خال من طرقات تفترشها النساء الكبيرات، ولاجل حياة فضلى لا تشعر المرأة فيها بقوة تقهرها على ان تمد يدها الى الآخرين او ان تكون عالة عليهم، علينا بتعليم الفتاة وتثقيفها، والزامها على اكمال دراستها حتى الصفوف العليا، ومن ثم تمكينها اقتصاديا وتأهيلها للقيام بأدوارها المختلفة في بناء الحياة.

اعتقد ان هذا هو الاهم في الوقت الراهن لدعم حقوق المرأة، وهذا ما يجب ان تهتم به المؤسسات الحكومية والدينية والثقافية والانسانية، لان الارض التي تحت أقدامنا تكاد تسبخ ، كما السماء تكاد تمطر علينا حجارا.


*
مديرة منظمة بنت الرافدين / بابل
 
Bent Alrafedain Org. ( BROB )
Alyaa Al Ansari
Director of Bent Alrafedain Organization (BROB)
Flat 4, 2nd floor – 40 St. Uwad's Building,
Hilla – Babylon City, Iraq
E-mail: alyaa@brob.org
www.brob.org
 

free web counter