| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أمير أمين

 

 

 

 

الأثنين 5/2/ 2007

 



ما الفارق بين إعدام أختي سحر
وإعدام صدام حسين !؟


أمير أمين

كانت أختي الصغرى ( سحر ) تعيش في بيت حزبي صغير في الناصرية , مع زوجها( صباح طارش ) ورفيق أخر حينما داهمتهم بغتة شلة من عناصر النظام المقبور ( حينها كانت سحر حاملاً في شهرها السابع ) وبدأت الشلة بأطلاق النار على البيت قبل إقتحامه! وقاومهم الرفيق ( صباح ) بشجاعة نادرة من خلال مسدسه الشخصي ,الذي كان يحتفظ به لمثل هذه الحالات للدفاع عن النفس , وإستشهد في الحادثة مع رفيقه ألآخر , وجُرحت أختي سحر وأقتيدت عنوة من قبل الشلة المجرمة الى مديرية أمن ذي قار , ثم الى مستشفى الناصرية , حيث ولدت في قسم الخدج قبل الاوان المقرر , ثم رحلت الى بغداد بعد أن قاموا بسحب وليدها من صدرها, ولم تتمكن من إرضاعه ورموه في مكان أخر لا تعلمه في أحد المستشفيات , وأودعوها سجن الرشاد للنساء ببغداد , ثم سيقت لاحقاً الى حبل المشنقة , وأبت أن تضع الكيس الاسود على رأسها, وكانت لها أمنية وحيدة هي أن ترى إبنها لآخر مرة قبل التنفيذ , وأسمت هذه الآمنية بالمعجزة التي لم تتحقق مطلقاً , والتي عُرفت من خلال تسريب رسالة كتبتها من السجن على عجالة , الى والد زوجها , حيث طلبت منه ومن أخوالها زيارتها قبل تنفيذ الاعدام , لكي تطمئن من خلالهم على مصير وليدها , ولكن وللآسف , لم يتجرأ أحد لتحقيق ذلك , وجرى تنفيذ الجريمة البشعة بحقها , بعد أن أكملت عامها العشرين , ورميت جثتها مع أشرف أبناء وبنات شعبنا العراقي في مقبرة ( محمد السكران ) في بغداد , وقد إطلعنا ( نحن عائلتها ) , بعد سقوط النظام على إسمها الثلاثي , الذي يشير لدفنها في المقبرة المذكورة , دون أن نعرف في أي قبرترقد ! فأختلطت عظامها مع عظام بقية الضحايا الابرياء ! ولم ترتكب أختي سحر أية جريمة سوى كونها وزوجها أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي , علماً أنه لا توجد مادة في القانون العراقي حينذاك تحكم على المنضوين تحت لواء هذا الحزب بالاعدام , حيث كان الحزب الشيوعي العراقي في تحالف جبهوي مع حزب البعث الذي كان يقود السلطة , وحينما إنفرط التحالف لم يتضمن الدستور المؤقت المعمول به حينذاك أية فقرة صريحة تحكم على الشيوعيين بالاعدام ! ولكن القوانين العراقية ( هي ورقة صغيرة يكتب فوقها صدام حسين ما يشاء فتصبح قانوناً ! ) كما كان يؤكد صدام علناً ولآكثر من مرة ! وقد عاش العراق في تلك الفترة المظلمة بدون قوانين , إذ حتى لو وجدت القوانين فلا أحد من السلطة مستعد للالتزام بها وتنفيذها !
ولم تستطع أختي سحر أن توكل محامياً ليدافع عنها , ولم ترَ أية محكمة طيلة الفترة التي سبقت شنقها , وقد شوهدت , قبل موعد إعدامها , من قبل البعض وهي تنتقل ما بين السجن والمستشفى وبحراسة ثلة من المجرمين , وعندما وضعوا حبل المشنقة حول رقبتها هتفت بحياة الشعب العراقي والحزب الشيوعي العراقي وزغردت بشجاعة أرعبت الجلادين وأثارت دهشتهم ! ونالت شرف الشهادة دفاعاً عن المباديء التي إختارتها والطريق الذي سلكته .
أما بخصوص تنفيذ حكم الاعدام بالطاغية صدام حسين فالكل رأى المحاكمة والشهود والمحامين , وعُرضت عشرات الوثائق التي تدينه شخصياً وتدين نظامه , والكل عرف كيف كان صدام يعيش في سجنه الرغيد قبل المحاكمة وأثنائها وبعد إدانته , وقد إطلع العالم بأجمعه كيف غُسل جسد صدام وكيف كُفن وجرت الصلاة عليه قبل أن يدفن في مسقط رأسه ! وكيف أقيمت مراسيم الحزن والعزاء ( لفقدانه ! ) في أكثر من مكان , ومن قبل أكثر من مجموعة ! رغم إنني لا أرى أن موعد إعدامه كان مناسباً , كما أعتقد أن الآجراءات التي رافقت عملية التنفيذ قد شابتها بعض النواقص غير المقبولة للعراق الديمقراطي الجديد الذي ننشده جميعاً !
ومن المفارقات الاليمة هي أن أختي سحر لم يُنشر خبر إعدامها من قبل أية صحيفة , ولم تُصوَر جريمة إعدامها من قبل إعلام النظام المقبور , ولم يسلم جسدها الطاهر الى ذويها , ولم يتم تغسيلها ودفنها حسب التقاليد والاصول الشرعية والانسانية , ولم تُكفن ولا يوجد لها قبر معروف , ولم تتحدث عنها أية فضائية عربية أو غير عربية , سواء كانت من الفضائيات الشريفة أو تلك التي تفوح منها رائحة كوبونات البترول ! ولم يحزن عليها الشعب اليمني أو الليبي أو غيره , ولم يأسف عليها حسني مبارك ولا علي عبد الله صالح , ولم تُنكس الاعلام الليبية لآعدامها , ولم يُصدر العقيد القذافي مرسوماً جماهيرياً بإقامة تمثال لها يوضع قريباً من تمثال عمر المختار أو غيره ! ولم يعلن الشيخ القرضاوي أنها ستدخل الجنة كما أعلن عن دخول صدام ! بإعتبار نطقه للشهادتين قد مسحتا جميع جرائمه وأدخلتاه الجنة ! والغريب ان لا أحد من العرب قد نعى أختي سحر , إذ لم ينعها النظام القطري , ولم تذكرها قناته ( المجاهدة ! ) بكلمة , ولو قصيرة ! ولم يبكِ عليها المحامون المصريون أو ألآردنيون أو المحامي الآمريكي ( على الاقل ! ) , بل لم تعتبرها حماس شهيدة ! ولم يتألم لآعدامها ( عبد الباري عطوان ) ولا ( الفنانة رغدة ) ولا ( مصطفى بكري ) وبقية مرتزقة وأيتام صدام حسين , ولم نسمع نحن أفراد أسرتها أية عبارة من عبارات الشجب والاستنكار من أية منظمة عربية أو دولية ! ناهيكم عن السكوت المطبق , على جريمة إعدامها , من قبل جميع الانظمة العربية , التي قال فيها الشاعر العراقي الكبير ( مظفر النواب ) قولته الشهيرة عندما وصفهم ( بأولاد .... ) دون أن يستثني أحداً منهم ! كما لم يتطوع الصليب الاحمر أو حتى الهلال الاحمر العراقي بنقل رسائل سحر لنا , ولم تتكرم المحامية اللبنانية ( بشرى ) للدفاع عنها ( طوعاً كما فعلت مع صدام ! ) الذي منحها وسام الماجدة الذي يزين جدار صالتها والذي تفخر به بمناسبة وبدون مناسبة !
وأخيراً أقول إنهم إذا إعتبروا سحر مجرمة وصدام شهيد, فستبقى سحر الحبيبة شهيدة الشعب العراقي , ستبقى وردة حمراء متألقة في حدائق الناصرية وبغداد وكل مدن العراق , وستظل مفخرة لعائلتها ولحزبها ولشعبها الابي والعريق . أما التأريخ فسيلعن في سود صفحاته المجرم صدام حسين وجميع المجرمين من أعوانه وأقطاب نظامه المقبور , وسيلعن أيضاً جميع أؤلئك المرتزقة من العرب وغير العرب الذين وقفوا ولا زالوا الى جانب نظام صدام وبرروا له جرائمه وفظاعاته ضد الشعب العراقي وشعوب جيرانه .
المجد للشهيدة الباسلة سحر ولكل شهداء شعبنا الميامين , والخزي والعار للقتلة الجلادين !